أصبحت العديد من المدارس المغربية تعاني من ظاهرة العنف المدرسي المتبادل، الموجه ضد الأطر التربوية العاملة بالمؤسسة، وحتى ضد التلاميذ والتلميذات بصورة تكاد تكون يومية. ويعتبر الفضاء الخارجي المقابل لباب المؤسسة مسرحا مفتوحا لجميع مظاهر الانحراف والإجرام بكل أصنافه، واستعمال الأسلحة البيضاء والاعتداء الجسدي والمس بكرامة المدرسين، وإلحاق أضرار وخسائر بممتلكاتهم. السبب، حسب العديد من المتتبعين للشأن التعليمي والتربوي، "يعود من جهة إلى ما هو اقتصادي اجتماعي، وفي مرات أخرى، هناك ما هو مرتبط بشكل وثيق بالشأن التربوي ". ففي غياب دوريات للمراقبة وحفظ الأمن بالمحيط المجاور للمؤسسة، الذي يمثل المكان المفضل للتحرر من صرامة المؤسسة التعليمية والقيام بأفعال مشينة، يقول محدثونا في حديثهم مع "المغربية"، هناك من لا يجدون أمامهم مكانا آخر لتزجية الوقت سوى على حساب المؤسسات التعليمية، إذ هناك أطفال ويافعون سهل على البعض استغلالهم في شتى الانحرافات". ولاشك أن التعاطي للمخدرات والسجائر، تجزم مصادرنا، "دوافع أساسية للعنف وبخاصة في سن المراهقة الذي يطوق هذه الفئة العمرية". هذا الواقع المرير، يقول العربي منفلوطي، أستاذ باحث في علم الاجتماع، له "انعكاس وتأثير سلبي مباشر على التحصيل التربوي والجودة التعليمية، تكتوي من ناره كل مكونات العملية التعليمية، وما يترتب عنه من هدر مدرسي وانحلال أخلاقي، تتحول فيه التربية إلى نوع من الوهم والسراب في ظل الشعارات المرفوعة بحدة من أجل إصلاح المنظومة التربوية وتصحيح وضعية عقاربها حتى يرد الاعتبار إلى التعليم كآلية أساسية لتكريس المواطن الإيجابي في مجتمعنا المتسم حاليا بالعديد من التحديات والإكراهات الموضعية". هذا الوضع التربوي الشاذ داخل المحيط الاجتماعي المهزوم، يقول منفلوطي، "لا يسمح للأستاذ إلا بالهروب أو استعمال طاقية الإخفاء للانفلات من مظاهر العنف المسلطة ضده من الداخل والخارج". وفي السياق ذاته، تأتي حوادث عديدة كان ضحيتها مدرسون وتلامذة بالمؤسسات التعليمية، فهل سيتلقى المسؤولون القيمون على شؤون المصالح العمومية المرتبطة بالتعليم والأمن والقضاء، هذه الرسائل المباشرة في ضمان الحق في التعليم والأمن؟ أم سيبقى الوضع مفتوحا على مصراعيه في إجهاض ما تبقى من الأمل في دور المؤسسة العمومية في النهوض بواجبها على الوجه الأكمل في ترسيخ دولة الحق والقانون؟ إن ما يسجل حسب رأي العديد من الأطر التربوية ممن استقت "المغربية" آراءهم هو "التواري النسبي للعنف الممارس من طرف المدرسين ليحل محله بشكل قوي العنف الممارس من طرف التلاميذ، سواء في حق مدرسيهم أو زملائهم". هذا الأمر، يؤكد العربي منفلوطي، "يبرز التحول غير الواقعي الحاصل في المجتمع المغربي الذي كان إلى وقت قريب يجل فيه المدرس ويعتبر المعين الأساس للتربية الصالحة والناجعة". وتساءل محدثنا، هل في ذلك علاقة بغياب المواكبة التربوية وانعدام التواصل بين مؤسستي الأسرة والمدرسة؟ أو بسبب الانفتاح على إنتاجات إعلامية تشجع على العنف وتقدمه كمعيار للنجاح وإثبات الذات؟ أم في ذلك ارتباط بانعدام الثقة في التعليم بسبب محدودية الأفق والخوف من المستقبل الغامض؟ علما أن العديد من الأسر تتوفر على نماذج غير صحية لأبناء لم يجدوا بعد سنوات الكد الدراسي سوى العطالة واحتلال أريكة منازل ذويهم، هذا في الوقت الذي نعتبر جميعنا أن المؤسسات التعليمية يجب أن يكون لها دور أساسي وبارز في الإنتاج المثمر للأدمغة والكفاءات". المدرسة لوحدها، يؤكد العديد من الأطر التربوية، لا يمكن لها "النهوض بهذه المسؤولية، طبعا، إلا بالتكوين المستمر للعنصر البشري، من طرف الجهات الوصية، والانكباب على تكييف المناهج مع ما يتطلبه الواقع بكل تجلياته، وكذا التسلح بذخيرة معرفية تشمل جميع المجالات، ليتمكن من تحليل المجتمع بشكل علمي وشمولي وبالتالي يتبوأ المكانة المنوطة به، بدل أن يزجي وقته بالثرثرة حول الترقيات وأنواع الموضة على قارعة المقهى".