تحت أشعة الشمس الحارقة في شهر أبريل، وبنظرة يكتنفها الشك، يعرض بائعو الكمأ (الترفاس) بضاعتهم على جانب طريق غابة معمورة، وهم متحفظون بشأن مكنونات هذا القطاع الواعد، الذي تجهل كيفية النهوض به. ويعكف علماء مغاربة، أعضاء الجمعية المغربية لحماية (الترفاس)، وفطريات أخرى صالحة للأكل، على دراسة سبل تدجين بعض أنواع هذه الفطريات، وبحث انعكاسات الظروف المناخية على إنتاجها. وأبرز عضو بجمعية "ترفاس"، على هامش الملتقى الدولي السادس حول "الفطريات البرية"، الذي نظم بالرباط، من سادس إلى عاشر أبريل الجاري، أن السكان القرويين، الذين يقومون بجمع هذه الفطريات لتلبية احتياجاتهم، لا علم لهم بالكميات المحصل عليها، أو ثمن بيعها، مشيرا إلى أن هذا القطاع يضم متدخلين مختلفين، من بينهم الوسطاء والموزعون وتجار الجملة، الذين يصدرون هذه الفطريات إلى أوروبا والشرق الأوسط. وفي المغرب، تشير كلمة "الترفاس" إلى العديد من الأنواع، المنتمية إلى فصيلة "توبر ترفيسيا"، و"بيكو ديلاستريا". هذه الأنواع تتميز عن بعضها البعض من حيث منطقة الحصاد والحجم واللون. يمكن هنا الحديث عن "الترفاس الأحمر لتفيلالت" و"الترفاس الأبيض لتفيلالت" و"الترفاس الوردي لمعمورة" أو "الترفاس الناعم". غير أن هذه الأنواع من الكمأ لا تستهلك من قبل المغاربة، وإن استهلكت فبنسبة ضئيلة، فهي تباع بالأساس للسياح الأجانب، أو تصدر دون رقابة، سيما محليا. وتترواح أسعارها ما بين 100 و120 درهما للكيلوغرام. نحو تدجين الفطريات لتحقيق قيمة مضافة وتبرز جمعية "ترفاس"، التي تأسف للاستغلال المفرط لهذه الثروة الطبيعية، أن البحث العلمي في المغرب، في هذا المجال، يتوخى تدجين أنواع أخرى من الفطريات وإطلاق حملات للتوعية لفائدة الأشخاص، الذين يقومون بجني الفطريات، بغية تشجيعهم على الاستفادة من الممارسات الجيدة، في جني هذه الفصائل النباتية البرية. ولا يعرف سوى القليل بشأن الفصائل الموجودة، وعن علوم البيئة والأحياء. غير أنه يبقى من الضروري تركيز الأبحاث على تأثيرات الأحوال الجوية على الإنتاج، لأنه شقا ما يزال مجهولا، في ظل غياب المعطيات. وتضطلع الفطريات بدور أساسي في تزويد النباتات بالماء والمعادن، بينما تنقل النباتات جزءا من سكرياتها للفطر. وأوضح موساين دانيال، باحث بالمعهد الوطني للبحوث الزراعية، خلال هذه الورشة، أن المشاركين "حددوا الفطريات التي يمكن أن يكون لها أهمية عند دمجها مع الصنوبر، ولا تكمن أهميتها في تحفيزها على النمو فقط، لكن، أيضا، لإنتاج فطريات صالحة للأكل، أحيانا، غير معروفة، وفق خصائص المنطقة المتوسطية. وأعرب موساين عن تفاؤله بخصوص تدجين نوع من هذه الفطريات بالمغرب، الذي تزرع بشكل أفضل، كما أنه يصل تصدير هذا الصنف من الفطريات إلى السويد، مضيفا أن هذين النوعين من الفطريات تباع ب 20 أورو للكيلو، جنوبفرنسا. وأكد موساين أن "ما نقوم به في جنوبفرنسا ينطبق، تماما، على المغرب، والمغرب العربي بشكل عام. ففي المغرب هناك طوابق من الحجر الجيري، ووفرة مياه الأمطار والتربة الحمضية، ومزارع من الصنوبر الساحلي (العرائش وطنجة...)، التي من المحتمل أن تكون محط تجارب لزراعة هذا النوع من الفطريات. المغرب خامس منتج للكمأ الأسود عالميا وتعود فكرة إنتاج الكمأ الأسود (الترفاس)، الذي يوجد فقط في أوروبا، إلى المغربي عبد العزيز القباقبي (متخصص في جراحة العظام)، الذي قام، بدعم من المعهد الوطني للبحث الزراعي لكليرمون فيران، بإحداث سنة 2000 أول مزرعة للكمأ الأسود (4 هكتارات) في منطقة وجدة. وبعد أن حظي بالتشجيع على إثر نتائج المحصول الأول، متطابق في الجودة مع النوع الذي يزرع في أوروبا، أقام الدكتور القباقبي مزرعة ثانية لزراعة الكمأ، بإيموزار كندر (الأطلس المتوسط)، على مدى 12 هكتارا، التي من المتوقع أن تنتج من 12 إلى 30 إلى 100 كلغ. وأكد القباقبي أن المغرب يعد خامس منتج للكمأ الأسود عالميا، مشددا أن الدراسة التي انجزت حول هذا الصنف، الذي يدعى الماس الأسود، سيجري تتميمها بدراسات أخرى تتعلق بالبحث عن أصناف طبيعية في المغرب، خاصة كمأ بوركون، بالأطلس المتوسط، وغيره من الكمأ الصحراوي.