بعد الإعلان عن التشكيلة الجديدة للحكومة الانتقالية في تونس, برئاسة الوزير الأول محمد الغنوشي, ساد الشارع التونسي هدوء مشوب بنوع من الحذر والترقب, في انتظار أن تتضح ردود فعل الشارع والقوى السياسية والنقابية في البلاد. ساد الهدوء في تونس العاصمة بعد مسيرة الجمعة (أ ف ب) ورغم حالة الارتياح, الذي عبر عنها مئات المتظاهرين المعتصمين منذ عدة أيام أمام مقر الحكومة بحي القصبة، فور الإعلان عن التشكيلة الجديدة, فضلوا عدم مبارحة الساحة المجاورة لمقر الوزارة الأولى, حيث قضوا ليلتهم الخامسة متحدين منع حظر التجول ليلا والطقس القارص. وبعد انتظار طويل ومفاوضات عسيرة مع الفعاليات السياسية والنقابية، استمرت أسبوعا كاملا, ظلت خلالها العاصمة التونسية والعديد من المدن الأخرى, مسرحا للمسيرات والتظاهرات السلمية المطالبة برحيل الحكومة, أعلن الغنوشي، أخيرا, عبر شاشة التلفزيون الرسمي, قائمة التشكيلة الوزارية التي تضم 21 وزيرا, من بينهم 12 وجها جديدا, كلهم من الشخصيات المستقلة والتقنوقراط. ولعل أهم متغير في الحكومة الانتقالية الجديدة هو ذهاب مجموعة من الوزراء المحسوبين على النظام السابق, الذين كان الشارع التونسي والهيئات السياسية والنقابية تطالب برحيلهم, وهم وزراء الخارجية كمال مرجان, والدفاع رضا قريرة , والداخلية أحمد فريعة, بالإضافة إلى وزير المالية رضا شلغوم. وجرى تعويضهم بشخصيات مستقلة هم احمد ونيس في الخارجية, وهو دبلوماسي مخضرم متقاعد, سبق له أن تقلب في عدة مهام دبلوماسية وتولى منصب وزير للخارجية في عهدي بورقيبة وبن علي, بالإضافة إلى فرحات الراجحي في الداخلية وعبد الكريم الزبيدي في الدفاع وجلول عياد في المالية. واحتفظ الغنوشي في التركيبة الجديدة للحكومة باثنين من الوزراء سبق لهم أن عملوا في الحكومة السابقة وهم محمد النوري الجويني على رأس وزارة التخطيط والتعاون الدولي وعفيف الشلبي, مكلف بحقيبة الصناعة والتكنولوجيا, بالإضافة إلى تعيين سيدتين هما حبيبة الزاهي وزيرة الصحة وليليا العبيدي وزيرة شؤون المرأة وتخلص من مفيدة التلاتلي, المخرجة السينمائية, المثيرة للجدل بعد تكليفها بحقيبة الثقافة في التشكيلة السابقة. وحدد الغنوشي, بعد تقديم الفريق الحكومي الجديد, مهمة الحكومة الانتقالية في "تمكين البلاد من تحقيق الانتقال إلى الديموقراطية خلال فترة 6 أشهر وتأمين الشروط الضرورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة", التي تعهد أن تجري "في كنف الضمانات الكاملة حتى تعكس إرادة الشعب التونسي". وأكد التزام حكومته بأن تكون تلك الانتخابات "شفافة ونزيهة" تحت إشراف لجنة مستقلة وبحضور مراقبين دوليين, بالإضافة القيام بالإصلاحات السياسية, من خلال مشاركة جميع الفاعلين في المشهد السياسي والمدني في أعمال اللجنة العليا للإصلاح السياسي، التي جرى تشكيلها لهذا الغرض. وقال إن الهدف هو التوصل إلى "إصلاحات نوعية" من أجل "توسيع ضمانات الحرية والتعددية", وتهم على الخصوص مختلف التشريعات المنظمة للحياة العامة ومنها قوانين الانتخابات والصحافة ومكافحة الإرهاب وقانون الأحزاب. ودعا الوزير الأول التونسيين إلى العودة إلى العمل والحياة العادية, محذرا من "مخاطر استمرار عدم الاستقرار" في البلاد, معتبرا أن "الوضع دقيق جدا وهناك صعوبات عديدة (...), وهو ما يحتاج إلى عودة الجميع إلى العمل". هذا, ويبدوا أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل, كان حاسما في تشكيل الحكومة, حيث سبق الإعلان عنها بعدعقد اجتماع مطول للهيئة العليا لهذه المركزية النقابية القوية, التي أطرت جل المظاهرات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة, واتخذت موقفا بعدم المشاركة, لكن منحها الدعم لحكومة الغنوشي مقابل حصولها على عدد من الضمانات أهمها الالتزام بحل مشاكل التشغيل والتنمية.