وجه الموقف الذي عبر عنه مجلس الأمن، مساء الثلاثاء المنصرم، في ختام لقاء إخباري لإدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، كريستوفر روس، صفعة جديدة ل"بوليساريو" ولمن يقفون وراءه، الذين اختاروا استراتيجية التمويه والأكاذيب والمناورات لتحريف المسلسل التفاوضي، الذي تحث الأممالمتحدة على الانخراط فيه بشكل جدي. فأدان مجلس الأمن خلال اجتماعه حول الصحراء "أعمال العنف"، التي شهدتها أحداث العيون يوم ثامن نونبر الجاري، حيث قامت ميليشيات مسلحة وعصابات إجرامية لها دراية كبيرة بأساليب التخريب والعنف، تحركها أيادي "بوليساريو"، بأعمال شغب وعنف ونهب وتقتيل، ما أدى إلى وفاة العديد من أفراد القوة العمومية، التي لم تكن تحمل أي أسلحة. وبذلك يكون "البوليساريو"، ومن ورائه الأصابع المكشوفة التي تحركه، تلقى صدمة عنيفة ومدوية، في الوقت الذي كان يراهن، من خلال إثارة أعمال الشغب والعنف والتقتيل هذه، وما رافقها من حملة هوجاء شنها الإعلام الإسباني زورا وبهتانا ضد المغرب، على صرف انتباه الأممالمتحدة ومجلس الأمن عن المسار الجوهري للمفاوضات، التي مافتئت تدعو إليه الهيئة الأممية بكل إلحاح منذ 2004، وهي الدعوة التي لاقت من جانب المغرب، منذ البداية، تجاوبا تلقائيا وصادقا وجديا توج سنة 2007، باقتراح مبادرة الحكم الذاتي كإطار لمفاوضات من شأنها أن تؤدي إلى حل سياسي واقعي ونهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وتجاهل مجلس الأمن بشكل واضح، كما تدل على ذلك المعطيات الإخبارية التي قدمها رئيس مجلس الأمن الدولي، سفير بريطانيا العظمى مارك لايل غرانت، عقب مشاورات المجلس حول الصحراء، ادعاءات (بوليساريو) وأكاذيبه، وهو تجاهل له مغزى عميق وواضح وضوح الشمس: إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن خلاله كافة دول العالم، اكتشفوا أساليب التلفيق والتزوير التي تقوم عليها الاستراتيجية الميكيافلية الفاشلة ل"البوليساريو"، التي سخر لها الإعلام الإسباني أبواقه، وشحذ لها إمكانيته الهائلة على التدليس وتزوير الحقائق، ليس أقلها نشر صور من غزة على أنها صور لأحداث العيون. إن الخلاصات الواضحة، التي توصل إليها اجتماع مجلس الأمن، دفعت البوليساريو" إلى العودة إلى الوراء، يجر ذيول الخيبة والمرارة والفشل، وهو الفشل الذي اعترف به (بوليساريو) نفسه على لسان ممثله في الأممالمتحدة، المدعو أحمد البوخاري، حين قال في تصريح أمام الصحافة الدولية في نيويورك "لقد فشل بوليساريو"، إلى الأبد. وتجاوز هذا الأخير حدود اللياقة المتداولة في أروقة الأممالمتحدة، حين تجرأ ومضى بلا حياء يملي على مجلس الأمن ما كان يتعين عليه القيام به. إن المغرب كعادته حريص على مصداقيته وسمعته التي يتمتع بها على الصعيد الدولي كبلد ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحريات الفردية والجماعية، ومن هذا المنطلق تعاملت السلطات العمومية مع المواطنين الذين نصبوا الخيام ب(أكديم إزيك) للتعبير عن مطالب اجتماعية تتمثل في السكن والتشغيل والاستفادة من بطائق الإنعاش الوطني، إذ فتحت السلطات حوارا لتلبية هذه المطالب مع ممثلي المواطنين في إطار تشبثها بفضيلة الحوار الهادئ وإيمانها بحرية التعبير. غير أن عناصر مسلحة تمكنت من وضع أيديها على المخيم، وعرقلت التوصل إلى حل، رغم الاستعداد الذي عبرت عنه السلطات العمومية للاستجابة الفورية لمطالب السكان، ما دفع هذه السلطات إلى وضع حد لهذه الوضعية غير القانونية، وتوفير الحماية لقاطني المخيم، الذين أصبحوا رهائن بأيدي عصابة إجرامية ومجموعة انتهازية مجندة لخدمة أجندة سياسية خارجية. هكذا، وجدت القوات العمومية نفسها في مواجهة عنيفة من طرف ميليشيات كانت تستعمل سيارات رباعية الدفع تسير بسرعة جنونية، وبواسطة هذه السيارات داست تلك الميليشيات أفراد القوات العمومية، كما اعتدت عليهم بالحجارة والزجاجات الحارقة وقنينات الغاز والسلاح الأبيض، ما أدى إلى سقوط عشرة من أفراد القوات العمومية شهداء دفاعا عن المواطنين وحرمتهم وكرامتهم، إضافة إلى وفاة شخصين، الأول داسته سيارة والثاني كشف البحث الطبي عن وفاته نتيجة التهاب رئوي. غير أن الإعلام الإسباني، الذي وهب نفسه لتنفيذ مخططات (بوليساريو)، نفخ في الأرقام وضخمها، وتحدث عن جثث في الشوارع، وهو ما فنذته، بالحجة والبرهان ومن عين المكان، صحيفة ( واشنطن بوست) الأمريكية، التي نشرت تصريحا لمدير قسم الطوارئ بمنظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية، بيتر بوكاريت، أكد فيه "حصيلة القتلى التي قدمتها السلطات المغربية"، بخصوص الأحداث التي شهدتها مدينة العيون. وأضاف بوكاريت، في تصريح للصحيفة عبر الهاتف من مدينة العيون، أن "الأرقام التي قدمتها "البوليساريو" مبالغ فيها"، مشيرا إلى أن "12 شخصا لقوا مصرعهم في هذه الأحداث من بينهم 10 من أفراد قوات الأمن، الذين جرى اغتيالهم من طرف مثيري الشغب". وأكد المسؤول أن" الشائعات التي تقول إن هناك جثثا في مستودعات الأموات (..) لا أساس لها من الصحة"، وأن المقابلات التي جرت حول هذا الموضوع مع أشخاص بمدينة العيون لا تؤكد هذه الادعاءات. وحينما يدين مجلس الأمن أعمال العنف بالعيون و"أكديم إزيك"، إنما يقصد بالخصوص، كما قال الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة محمد لوليشكي، في تصريح للصحافة، "الأعمال الهمجية التي جرى اقترافها في حق قوات الأمن المغربية، التي لم تكن تحمل أي أسلحة، والتي تدخلت بالمخيم من أجل تخليص نساء وأطفال من قبضة مجرمين ذوي سوابق قضائية وعناصر انفصالية تأتمر بأوامر الجزائر و"بوليساريو". لذلك فإن المجلس أبان، يضيف لوليشكي، عن "روح عالية من المسؤولية لعدم انسياقه وراء كل أشكال المناورات والأكاذيب والابتزاز والإملاءات، التي لجأت إليها، بالتناوب، الجزائر و"البوليساريو" من أجل صرف اهتمام المجلس عن الهدف الاستراتيجي للمفاوضات". وتنبه المغرب في وقت مبكر لهذا التحول في استراتيجية الجزائر و"البوليساريو"، اللذين اختارا نهج التمويه بخصوص مسلسل المفاوضات، كما أكد ذلك وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، في ندوة صحفية سابقة، إذ قال إن أعمال الشغب الأخيرة في العيون تعد مرحلة خطيرة في هذه الإستراتيجية بهدف النيل من "المفاوضات الحقيقية"، التي تدعو إليها الأممالمتحدة. وإذا كان (البوليساريو)، ومن يقف وراءه ، حصد هزيمة نكراء على الساحة الدولية، وفشل فشلا ذريعا في تسويق أوهامه وأكاذيبه وافترءاته، فلماذا يستمر في العناد.(و م ع)