عند زيارتي لإحدى الجماعات القروية في إقليمسيدي قاسم، في الفترة الأخيرة، فوجئت بتكليف مستشار أمي بالتوقيع على الوثائق المختلفة، من عقود عرفية، وتوكيلات، ونسخ من رسم الولادة، وتصاميم. مصطفى لمودن يعد الموظفون للمستشار "المحترم" أوراق المواطنين، و"سيادته" يوقع، ويضع الطابع بتثاقل، كطفل صغير. يحدث هذا في غياب شبه دائم للرئيس، الذي هو برلماني في الوقت نفسه. حفاظا على سلامة وثائق المواطنين، وكذا على سلامة كل مستشار أمي من أي تدليس، قد يكون ضحية له، يجب منع مثل هذا الأمي (وغيره)، بالقانون، من الحصول على التفويض للتوقيع، ولمَ لا، منعهم من الترشح للانتخابات، أو، على الأقل، يجب أن يتابعوا دروسا في محو الأمية، وينالوا شهادة ذات مصداقية عن ذلك من معهد محترم، أو تشهد على ذلك هيئة قضائية. سبق أن حصل رؤساء جماعات قروية على شهادات دروس ابتدائية مزورة، ما جعلهم يتعرضون للمحاكمة، ويفقدون عضويتهم واعتبارهم. ويوجد الآن في القرى شباب متعلمون، منهم أصحاب شهادات جامعية، لكن بعض الأحزاب، أو بعض الأعيان المتحكمين في اللوائح والترشيحات (الأحادية) يفضلون أميين على متعلمين، حتى يظلوا طوع خياراتهم الانتهازية، ولعل أهم هذه الخيارات الانتهازية، تصويتهم دون نقاش أو فهم لما يجري أمامهم، وتصويتهم على المقررات والميزانيات، واختيار المستشارين ممثلي الجماعات في مجلس المستشارين حسب المزاج والمصلحة الضيقة، كل ثلاث سنوات، وفق ما "تنتجه" القرعة، التي تزيح الثلث (أغرب أسلوب في العالم)، وغير ذلك من الممارسات، ما يضر بالديمقراطية، إذ يفترض أن يكون الناخب فاعلا، وليس مفعولا به، أو مجرد أداة انتخابية سلبية. ومن المفترض أن تتوفر الجماعات على خطط وبرامج تنموية، يساهم في وضعها كل المستشارين، وإشراك فعاليات المجتمع المدني والسكان، ولا يمكن أن يؤدي هذه المهمة أميون، لا يفقهون في الأمر شيئا. هناك من يقول إن الأميين، وهم حوالي نصف المجتمع، يجب أن يجدوا من يمثلهم من "صنفهم"، لكن هذا النوع من "التمثيلية" غير منصوص عليه قانونا، ومن مصلحة الجميع، بمن فيهم الأميون، أن يمثلهم متعلمون، أو حاصلون على حد أدنى من التعليم. وهناك طرف آخر يرى أن مثل هذا الأمي هو الذي يعيش "قريبا" من المواطنين بشكل يومي، وغالبا، لا يستطيع أن يؤدي دور القرب "مثقف"، قد يكون أستاذا جامعيا أو محاميا، بسبب الحاجز الثقافي، والتعالي، وحتى هذا النوع من المستشارين الجماعيين يمكن أن يقدم على أعمال مشينة، كالتي أشرنا إليها، أي البحث عن المصلحة الشخصية، ولا مجال لتعميم مثل هذه الأحكام على المتعلمين والمثقفين، وحتى على الأميين، بما أن التواصل أصبح يعتمد أدوات أكثر مرونة وفاعلية، إذ يمكن أن يتواصل منتخب دون أن يجتمع بناخبيه في المكان والزمان، باستعمال طرق التواصل الحديثة، كالإنترنت، ولو أن هذا مستبعد الآن، حتى من طرف المتعلمين. فما مدى قانونية الوثائق، التي يوقع عليها مستشار أمي؟ يمكن لأي متعاقد أن يتراجع أمام المحاكم عن التزاماته، التي وقع عليها "مسؤول" أمي، وإعلان براءته من بنود كل التعاقدات، ويمكن أن يسري الحكم نفسه على بقية الوثائق، أي عدم حجيتها وقوتها، مادام بصم عليها مستشار أمي. لكن هناك من يفضل أغراضه الذاتية ومصالحه الخاصة، من رؤساء جماعات ومستشارين، قبل مصلحة المواطنين والدولة، وأغلب الأحزاب، وسلطة الوصاية، تتحمل المسؤولية في هذا العبث، عبر منح التزكيات للأميين من طرف الأحزاب، وتزكية سلطة الوصاية لمنح تفويضات ذات طابع خطير لمستشارين أميين.