أول سؤال يشغل بال المهتمين بالشأن التعليمي الوطني يدور حول ماهية النتائج، التي حققها البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم في شوطه الأول، الذي خص السنة الماضية، باعتبار أن وضعية التعليم ببلادنا تتطلب حلولا عاجلة ومقاربات جريئة آنية. للإجابة على هذا السؤال المحوري، يجب أن نضع البرنامج الاستعجالي في نسقه الصحيح والظرفية، التي جاء فيها عقب التقارير الدولية، التي صنفت المغرب في مراتب متأخرة في جودة التعليم وأدائه التربوي، بالرغم من أن المنظومة التربوية الوطنية، طيلة عشر سنوات، كانت تشتغل وتتماشى مع بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، إذ كانت كل المذكرات الوزارية والمناهج التعليمية في إطارها ودباجتها تستند إلى الميثاق وطروحاته، الشيء الذي يعني أن المنظومة التربوية الوطنية كانت تحكمها ضوابط الميثاق، الذي لا أحد يجادل في أن بنوده ومواده وقوانينه ذات حمولة بيداغوجية وديداكتيكية بليغة في أهدافها ومراميها، إلا أنها في واقع الأمر، لم تقو على مجاراة الوقائع وبدأت سنة بعد أخرى تتخلف عن تحقيق الأهداف، إلى أن أصبحت جميع الجهود المبذولة في النصف الثاني من العشرية، عديمة الفائدة وغير ذات مدلول، خصوصا إذا كان الأمر يعني قطاعا من حجم وحساسية القطاع التعليمي والتربوي، الذي لن يستقيم له حال إن لم يكن دقيقا في تنفيذ الوعود الموتوقة والأجرأة الفورية لمختلف التدابير. القطاع التعليمي طريق سيار ممنوع فيه الوقوف والتوقف أو مخالفة قوانين السير، وهذا ما جعل الميثاق الوطني في بر الأمان، وأكد ذلك التقرير المواكب، الذي أنجز في بداية الألفية الثالثة من طرف لجنة من المجلس الأعلى للتعليم، التي خلصت إلى أن الميثاق رغم حمولته الغنية المناهج الجادة، لم يستطع أن يرسو بالقطاع التعليمي الوطني في بر الأمان. وأكد ذلك التقرير المواكب، الذي أنجز في بداية الألفية الثالثة من طرف لجنة المجلس الأعلى للتعليم، التي خلصت إلى أن الميثاق تخلف عن السباق لعدم انضباطه للمساطر التنظيمية، ما جعله يتثاقل في أدائه ويصبح رغم الجهود المبذولة في حاجة إلى أجرأة ودفعة قوية، وهذا ما سيحاول البرنامج الاستعجالي تداركه، إذا ما أخذ بعين الاعتبار حساسية المهام، التي تتطلب السرعة في التنفيذ وتدقيق الأولويات دون مواربة أو تأخير. من هنا نعود للسؤال المحوري حول ماذا تحقق، ونأخذ بعين الاعتبار قطب الرحى في الإصلاح الذين هم التلاميذ والأساتذة والإدارة التربوية، فهل استطاعت الجهات الوصية إيجاد حلول واقعية لمقاربة الإشكالات، التي كانت تعترض هذه الموارد البشرية، بالطبع فالتقارير والأخبار المتداولة تؤكد بأن الاكتظاظ ما زال حاضرا بقوة في فصولنا الدراسية والهدر المدرسي، الذي ما زال يستشري، سواء في القرى أو البوادي، إذ أن وضعية المدارس وحالة الأسر لا تشجع على مواجهة التسرب المدرسي وتعميم التمدرس، بالرغم من سياسة الدعم "تيسير"، التي لوحدها لا يمكن أن تجعل التلميذ القروي يقبل على المدرسة دون مركب نقص. هذا، دون إهمال المشكل العويص، الذي وقعت فيه الوزارة بسبب الخصاص في الموارد البشرية وقلة المؤطرين وعدم كفايتهم في تعليم وتأطير الكم الهائل للملتحقين بشعب وتخصصات علمية وتقنية، أضف إلى ذلك عدم فعالية مدة التكوين، التي يخضع إليها أساتذة التوظيف المباشر، وغياب الحماسة لدى العديد من المدرسين، بسبب ضعف أحوالهم الاجتماعية والمادية. ومن ثمة، فالجواب على السؤال يبدو صعبا في هذه الظرفية، وليس ذلك مرتبطا بأداء الوزارة المعنية، التي بذلت مجهودا كبيرا من أجل الوقوف على العديد من الاختلالات، وما يجب أن نؤكد عليه أن عبء المسؤولية لا يجب أن تتحملها هذه الوزارة لذاتها، بل جميع الوزارات الأخرى، التي لها دخل في مختلف المجالات المرتبطة بالتعليم من وزارات التجهيز، والنقل، والشغل، والصحة، والفلاحة، والاقتصاد، والمالية، دون استثناء الأحزاب السياسية، والجماعات المحلية، وجمعيات المجتمع المدني، باعتبار أن التعليم أولوية وطنية وهم وطني يجب أن تنكب جميعها لإنقاذه من الرجوع به إلى دائرة الضوء.