لم يبق لتلك الحيوية الاستثنائية، التي تعاملت بها جهات إسبانية إعلامية، وأخرى تقول إنها حقوقية، مع ملف أميناتو حيدر، عندما انفجرت قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام لشرطة البوليزاريو.لقد ساد الصمت والجبن، في موقف يفضح تواطؤ هذه الجهات، وارتهانها بخلفيات سياسية استعمارية ضيقة، لا علاقة لها بحقوق الإنسان إطلاقا، بل هي في موقع التعارض التام مع قيم حقوق الإنسان الكونية. إنه اللعب الجبان بحقوق الإنسان، فعندما انفجرت قضية أمناتو حيدر، خرج اللاعبون من جحورهم، حملوا كاميراتهم نحو جزر الكناري، وتربصوا لأيام أمام منزل هذه الانفصالية بالعيون، لينقلوا، ساعة بساعة، تطور الملف، وهم يتباكون على الأم، التي منعتها السلطات المغربية من الالتحاق بأسرتها وأبنائها. واليوم، غابت تلك القنوات التلفزية والجرائد والمنظمات الحقوقية الإسبانية، التي نبتت كالفطر، عن مسرح الأحداث، فلم تتسابق، كعادتها، لحضور الندوة، التي عقدها مصطفى سلمى في البداية، ولا هي أرسلت وفودها ومراسليها، لتتبع عودة هذا الأخير نحو كنتونات تيندوف، ولا هي تربصت هناك بخيمة زوجته وطفلته الرضيعة، لمتابعة تفاعلهما مع القضية أولا بأول، ولا هي تباكت على حرمان عصابات البوليساريو وفلول النظام العسكري الجزائري لهذا السيد من زيارة عائلته، وتقبيل صغيرته، التي ولدت في غيبته، ولا هي نددت بحرمانه كأب حتى من تسمية مولودته. تحولت حيويتها، في المرة الأولى، إلى صمت وجبن وتواطؤ في المرة الثانية، ودب القحط في أقلامها، التي دبجت مئات المقالات حول الملف الأول. لم ترفع صوتها الوقح، في وجه العسكريتارية الحاكمة في الجزائر، التي تصادر حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، كما تصادر حق الصحراويين المعتقلين في خيام تندوف في تقرير مصيرهم، والتعبير عن آرائهم بحرية. وحتى عندما وجه نخبة من المثقفين المغاربة رسالة إلى الإسبانيين، فإن ذلك لم يفك عقدة هؤلاء، الذين كرروا مرارا أسطوانتهم المشروخة حول حقوق الإنسان، عندما كان المغرب في قفص الاتهام، قبل أن يتحولوا إلى بكم وصم، عندما تعلق الأمر بمليشات البولساريو وأسيادهم الحاكمين في قصر المرادية. هل يقف الحنين الاستعماري وحده خلف هذا الموقف الجبان والمتناقض؟ أم أن أصحاب القضية الثانية لم يدفعوا بالدولار ما دفعه النظام الجزائري لهم بالعملة الصعبة من المال الجزائري العام، عندما اجتاحهم ذلك السعار الحقوقي، وتلك الغيرة الكاسحة على حياة أمناتو حيدر وأسرتها؟ هل ثمة فرق بين القضيتين من الوجهة الحقوقية؟ لا أعتقد ذلك، ف"خط الشهيد"، نفسه، أصدر بيانا يندد بما تعرض له مصطفى سلمى وأسرته بتندوف، وطالب بإطلاق سراحه، وهو موقف يحسب له. فماذا يقول الحقوقيون والإعلاميون الإسبان في النازلة؟ بل، وماذا تقول قناة الجزيرة، التي يبدو أنها تسير على النهج نفسه لهؤلاء، إذ اكتفت، في الحصاد المغاربي، لمساء الأربعاء الماضي، بسرد خبر قصير ويتيم عن اعتقال مصطفى سلمى، بينما كانت تخصص اهتماما أكثر، وتغطيات يومية من موقع الحدث، خلال حركة أمناتو حيدر؟ ليس هناك من جواب، غير أن هؤلاء جميعا لا يتعاملون مع حقوق الإنسان التعامل الحقوقي نفسه، المطلوب والمحايد، بل إن خلف هذه الممارسات أسبابا وأهدافا، بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان. إنهم فقط يتلاعبون بتلك الحقوق بجبن وونذالة.