توقيف قائد بإقليم ميدلت على خلفية فتح بحث قضائي يتعلق بالاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الحكومة تبقي على منع الجمعيات وتقييد النيابة العامة في قضايا دعاوى الفساد المالي (مشروع المسطرة الجنائية)    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح المركزية للأمن الوطني    النفط يسجل أعلى مستوى في أكثر من 3 أشهر مع تأثر صادرات روسيا بالعقوبات    أطباء مغاربة يطالبون بالإفراج عن الدكتور أبو صفية المعتقل في إسرائيل    المزيد من التوتر بين البلدين.. وزير العدل الفرنسي يدعو ل"إلغاء" اتفاقية تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    برشلونة بعشرة لاعبين يقسو على ريال 5-2 بنهائي كأس السوبر الإسبانية    بعد خسارة ريال مدريد.. انشيلوتي: "برشلونة يستحق التتويج لأنه كان الأفضل"    أخيرا..الحكومة تحيل مشروع المسطرة الجنائية على مجلس النواب بعد مرور أزيد من 4 أشهر على المصادقة عليه    اعتقال مغربي في هولندا بتهمة قتل شابة فرنسية    كيوسك الإثنين | "الباطرونا": الحق في الإضراب لا يعني إقصاء حقوق غير المضربين    نشرة إنذارية بشأن موجة برد مرتقبة انطلاقا من يوم غد الثلاثاء    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    اخنوش يحتفل بحلول رأس السنة الأمازيغية ويتناول "العصيدة" رفقة امزازي بأكادير اوفلا (فيديو)    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    توقعات أحوال الطقس ليوم الاثنين    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    رياض يسعد مدرب كريستال بالاس    الوداد ينتصر على تواركة بصعوبة    البارصا تكتسح ريال مدريد في جدة    المغرب يتصدر قائمة موردي الفواكه والخضروات إلى إسبانيا لعام 2024    وزير العدل الفرنسي يطالب بإنهاء تنقل المسؤولين الجزائريين بلا تأشيرة    الحسيمة تستقبل السنة الأمازيغية الجديدة باحتفالات بهيجة    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو والدولار    من المغرب إلى تركيا وسوريا: سياسات النظام الجزائري التآمرية.. دعم الانفصال واستعداء الجوار    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    نشرة إنذارية: موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بعد تحقيقه لملايين المشاهدات.. حذف فيلم 'نايضة' لسعيد الناصري من يوتيوب يثير الجدل    "برلمان" الأحرار يؤكد حرصه على مواكبة الورش التشريعي لاصلاح مدونة الأسرة واعتزازه بجهود أخنوش في قيادة الحكومة    جهة الشرق: تدشين خط جوي مباشر بين الناظور والرباط    جائزة "مغرب الفروسية" تحتفي بالفرسان والفارسات المغاربة المتألقين خلال سنة 2024    المملكة السعودية تحض القوى الغربية على رفع العقوبات الدولية عن سوريا    موجة برد قارس تضرب المغرب مع أمطار خفيفة في بعض المناطق    5 آلاف شهيد ومفقود في 100 يوم من العدوان الإسرائيلي على شمال غزة    تنصيب رئيس لجنة الطلبيات العمومية    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    برمجة خاصة لإذاعة تطوان الجهوية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الجديدة    حزب الاستقلال يطلق أول جيل من المناضلين الرقميين ويتطلع إلى عقد اجتماعي متقدم    "وحده الحب" فيلم يلقي الضوء على قضية الحدود برؤية سينمائية فريدة    مدرب الجيش الملكي: التأهل مستحق والفريق يملك هامشا للتطور أكثر    المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    الجامعة تعلن عن إلغاء السكتيوي معسكر مواليد 2000    ارتفاع حصيلة القتلى في لوس أنجلوس    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاهيم إسلامية
الفرقة الناجية.. وثقافة الفتنة

من المفاهيم التي راجت بكثرة "كاثرة" في المؤلفات الإسلامية في العصور الوسطى مفهوم "الفرقة الناجية"، ويبدو أن أطرافا في صفوف "أهل السنة والجماعة" هي التي روجت لهذا المفهوم، الذي رُويت حوله أحاديث عن عدة رواة، وبعبارات تختلف في اللفظ لتتفق في المضمون.هذه الأحاديث صنفان: صنف يخص ميدان الفقه، وهو يحرم استعمال "القياس"، وهو موجه ضد من كانوا يسمون في بدايات عصر التدوين ب"أهل الدراية"، وهم خصوم أهل "الحديث".
أما الصنف الثاني فذاع وشاع في ميدان العقيدة (علم الكلام) حتى صار أساسا لتصنيفات المؤلفين في "الفرق"، الذين فرضوا أنفسهم كصانعي تاريخ الفكر العقدي في الإسلام.
الصنف الأول يعتمد حديثا يقول فيه رواته، (عن عمر!) إن النبي عليه السلام قال "ستفترق أمتي فرقاً، أعظمها فتنةً الذين يقيسون الأمور بالرأي". وفي لفظ آخر (عن أبي هريرة) أنه عليه الصلاة والسلام قال "تعمل هذه الأمة برهةً بكتاب الله، وبرهةً بسنة رسول الله، وبرهةً بالرأي، فإذا فعلوا ذلك ضلوا وأضلوا". ويضيف راوي الحديث "وذلك يدل على أن القياس والعمل بالرأي غير صحيح". وفي لفظ آخر (عن عوف بن مالك) أن النبي قال "سَتَفْتَرِقُ أُمّتي علَى بِضْعِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَعْظَمُها فِرْقَةُ قَوْمٍ يقيسونَ الأُمورَ بِرَأْيِهِمْ فَيُحَرّمونَ الْحلالَ وَيُحَلّلونَ الْحرامَ". ويضيف مرجعنا (المستدرك على الصحيحين) قائلا "وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"!.
أما الصنف الثاني من أحاديث "الفرقة الناجية" فأشهر رواياته، وأكثرها ذيوعا، الرواية المنسوبة إلى عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ. وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَةُ".
وفي رواية أخرى أطول: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "كَيْفَ أَنْتَ يَا عَوْفُ إِذَا افْتَرَقَتْ هٰذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُنَّ فِي النَّارِ؟ قَالَ: وَكَيْفَ ذٰلِكَ؟ قَالَ: إِذَا كَثُرَتِ الشُّرَطُ وَمَلَكَتِ الإِمَاءُ، وَقَعَدَتِ الْحُمْلاَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَاتُّخِذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ، وَزُخْرِفِتِ المسَاجدُ، وَرُفعَت المَنَابر، واتُّخذَ الفيءُ دُولاً، والزَّكاةُ مَغْرَماً، وَالأَمَانَةُ مَغْنَماً، وَتُفُقهَ فِي الديِن لِغَيْرِ اللَّهِ، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَأَقْصَىٰ أَبَاهُ، وَلَعَنَ آخِرُ هٰذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ اتقَاءَ شَرهِ، فَيَوْمَئِذٍ ذَاكَ، َيَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ إِلَى الشَّامِ، وَإِلَىٰ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مُدُنِ الشَّامِ، فَتَحْصِنُهُمْ مِنْ عَدُوهِمْ، قِيلَ؛ وَهَلْ تُفْتَحُ الشَّامُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَشِيكاً، ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ
بَعْدَ فَتْحِهَا، ثُمَّ تَجِيءُ فِتْنَةٌ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٌ، ثُمَّ يَتْبَعُ الْفِتَنُ بَعْضُهَا بَعْضاً، حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ، وَكُنْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ». وواضح من هذه الرواية أنها تجعل "الفرقة الناجية" من الشيعة باعتبار أنهم أشياع "أهل البيت" والقائلون ب"المهدي".
ولم تسكت الفرق الأخرى ولم تُسَلِّم باحتكار الانتساب إلى "الفرق الناجية". فصاحب "المنية والأمل" ابن المرتضى الزيدي (المؤرخ للمعتزلة) يذكر حديثا هذا نصه "ستفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة أتقاها وأبرها الفئة المعتزلة"، هذا بينما يورد مصدر خارجي الحديث المذكور بصيغة تجعل الفرقة الناجية هي الخوارج بالذات.
بالاستناد إلى مثل هذه الأحاديث بنى مؤرخو "الفرق" تصورهم لتاريخ الفكر العقدي والسياسي في الإسلام (علم الكلام). لقد جعلوا تاريخ هذا الفكر عبارة عن سلسلة من "الفرق" يبلغون بعددها رقم 73 تماشيا مع ما ذكر في الأحاديث المذكرة: أحاديث الفرقة الناجية.
وهكذا، وسواء تعلق الأمر بمؤرخ من أهل السنة أو من الفرق الأخرى فإن المؤلف في "الفرق" يتحدث دوما من داخل فرقته، التي يعتبرها وحدها الفرقة الناجية، والنتيجة التي تترتب عن ذلك هي أن المؤلف ينظر إلى فرقته كفرقة "واحدة"، لأن الناجية واحدة، بينما يمعن في تفريق وتقسيم الفرق الأخرى ليصل بها إلى الاثنتين والسبعين، التي يعتبرها كلها "ضالة". وبما أن المؤلفين في الفرق قد تفصل بينهم عشرات السنين بل عصور بأكملها، ولما كانت الفرَق تتغير من عصر إلى آخر، بعضها يندثر، وبعضها يتشعب، بينما تظهر فرق جديدة، فإن لائحة الفرق ستختلف حتما من مؤلف لآخر: كل مؤلف يفرق الفرق، التي ظهرت حتى عصره إلى ثلاث وسبعين فرقة: المؤلف المتقدم زمنيا يضطر إلى الإمعان في التفريق ليصل إلى الرقم 73، بينما يضطر المتأخر عنه، وظهرت بينهما فرق جديدة، إلى إلغاء بعض الفرق أو دمج بعضها في بعض حتى لا يتجاوز الرقم 73.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن نلاحظ أن هؤلاء المؤلفين، بما أنهم منخرطون في الصراع بين فرقهم والفرق الأخرى فإنهم يصنفون فرق الماضي انطلاقا من هذا الصراع نفسه: يخضعون هم أنفسهم إلى التصنيف نفسه والمقاييس ذاتها، التي تعتمدها فرقهم في "الحاضر"، حاضرهم هم. ومن هنا يمارس المؤلف على التاريخ إمبريالية إيديولوجية ومعرفية: يصف فرق الماضي بالنعوت الإيديولوجية نفسها، التي يصف بها الفرق الأخرى في الحاضر، ويقرأ الفرق الماضية بواسطة الفرق الحاضرة فينسب إلى تلك المستوى نفسه من "المعرفة" الذي يكون لهذه.
هذا في ما يخص عمل مؤرخي الفرق، أما بالنسبة لأحاديث "الفرقة الناجية" فليس من مهمتنا هنا البحث في مدى صحة أو عدم صحة هذه الأحاديث، صحيح أنها لم ترد في صحيح البخاري ولكن وردت في بعض كتب الحديث التسعة المعتمدة (في الترمذي، وابن ماجة، وأبي داود، ومسند ابن حنبل). إن الصحة لدى جامعي الحديث هي "صحة السند" وبعضهم يصنفها على هذا الأساس في قسم "الضعيف" عندهم.
أما نحن فسبق أن بينا رأينا في الموضوع، وهو أن كل حديث لا يشهد له القرآن بالصحة فيجب وضعه بين قوسين. والأحاديث المذكورة أعلاه لا يشهد القرآن لأي منها بالصحة. فالقرآن يدعو إلى استعمال العقل، وعلى هذا الأساس شيد الأصوليون نظرية القياس في الفقه. أما ادعاء أن النبي عليه السلام حكم على أمته بالافتراق إلى 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة فادعاء مردود، فكيف يمكن أن يحكم على 72 فرقة من أمته هو –وليس من أمة دين آخر ولا من المشركين- بأن مصيرها النار؟ كيف يمكن أن يحكم النبي بحتمية افتراق أمته والقرآن يشجب التفرقة في الدين وينهى عن السقوط في مخالبها. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (الأنعام 159) وقال: "وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (الروم 31- 32). حديث "الفرقة الناجية" ظهر زمن الفتنة بين علي ومعاوية حين "نشأت الفرق"، وساد شعار "التكفير"، تكفير الفرق بعضها بعضا،
فهو من مظاهر تلك الفتنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.