برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى رئيس جمهورية نيجيريا الفيدرالية على إثر وفاة الرئيس السابق محمدو بوهاري    حافلة نقل تدهس سيدة وتصيب مواطنين بباب دكالة بمراكش    المحكمة تبرئ البرلماني محمد السيمو من تهم تبديد أموال عمومية    الإصلاح الضريبي.. ارتفاع الموارد الجبائية ب 25,1 مليار درهم عند متم يونيو 2025    المغرب يسجل أعلى استهلاك كهربائي بسبب موجة حر خانقة    نهضة بركان يتوّج بدرع البطولة الاحترافية في ملعبه بهذا التاريخ    كاريراس رابع توقيع في مشروع تشابي ألونسو الجديد    لقجع: قبول 98,4% من ملفات طلبات الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تحذر: خطر حرائق الغابات مرتفع بعدد من الأقاليم من 15 إلى 18 يوليوز    جماعة شفشاون تشرع في تطبيق قرار مجانية ركن السيارات في شوارع الجوهرة الزرقاء    توقيف المشتبه فيه الرئيسي في الاعتداء على مسن Torre Pacheco بإسبانيا    فيلم وثائقي إسباني يقرّ بمغربية جزيرة ليلى    ترامب يتوعد روسيا برسوم جمركية بنسبة 100 بالمئة    الفريق الاشتراكي: الاقتراع الفردي لانتخاب ممثلي الصحافيين في "مجلس الصحافة" يتعارض مع الدستور    مراكش: حجز 36 ألف قرص مخدر وتوقيف شخص من أجل حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    دراسة علمية: السمنة تسرّع الشيخوخة البيولوجية لدى الشباب وتعرضهم لأمراض الكهولة في سن مبكرة    رسميا.. محطة تحلية المياه بالجرف الأصفر تبدأ في تزويد مدينة خريبكة بالماء الشروب    أبرشان يُسائل "زكية الدريوش" حول مآل مشاريع قرى الصيادين ومناطق التفريغ بالناظور        الرباط تدعم تكوين بعثة فلسطينية    الوزير البريطاني الأسبق للدفاع والتجارة الدولية: المملكة المغربية شريك أساسي للمملكة المتحدة    ارتفاع نسبة نجاح نزلاء السجون في البكالوريا لسنة 2025    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    زيدان: اللجنة الوطنية للاستثمار صادقت على 237 مشروعا استثماريا بقيمة 369 مليار درهم    بونو وحكيمي يزينان التشكيل المثالي لكأس العالم للأندية    الدولي المغربي الشاب ياسين خليفي ينضم إلى سبورتينغ شارلروا    وفاة "تيكتوكر" مغربية بعد عملية تكميم المعدة تثير الجدل حول التنمر وضغوط "السوشيال ميديا"        الحركة النسائية ترد بقوة وتتهم بنكيران بتكريس الوصاية على النساء    مفاوضات هدنة غزة تدخل أسبوعها الثاني دون تقدم وسط تفاؤل أميركي    72 ساعة بين المباريات و21 يوما عطلة نهاية الموسم.. "فيفا" يصدر قرارات بشأن صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جنوب إسبانيا    الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    المحلي بوصفه أفقا للكوني في رواية خط الزناتي    اللاّوعي بين الحياة النفسية والحرية    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    انتفاضة آيت بوكماز ضد الحيف الاجتماعي!    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    لوكا مودريتش ينضم رسميا إلى ميلان    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    إنريكي ينفي اعتداءه على جواو بيدرو: "حاولت الفصل بين اللاعبين"    وفاة الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري        بورصةالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    المغرب يستعرض حصيلة 3 سنوات من إطلاق التأشيرة الإلكترونية (E-Visa)    فرحات مهني يكتب: الجزائر تعيش فترة من القمع تفوق ما عاشته في عهد بومدين أو الشاذلي أو بوتفليقة    الاقتصاد ‬الوطني ‬يحافظ ‬على ‬زخمه.. ‬بنمو ‬بلغ ‬نسبة ‬4,‬8 %    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما        لو يي شياو تبهر الجمهور بإطلالة تحاكي نساء هويآن في حقبة الجمهورية الصينية: سحر الماضي يلتقي بجمال الحاضر    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاهيم إسلامية
الولاء والبراء ... والتسامح بينهما

بينا في مقالات سابقة الفرق بين مفهوم "الغيرية" في الفكر الأوروبي من جهة، والفكر العربي الإسلامي من جهة أخرى، وأبرزنا كيف أن مفهوم "الغيرية" في الفكر العربي الإسلامي لا يعني أكثر من مجرد "الاختلاف"مع التأكيد على أنه مهما اتسع الاختلاف، وتعمق بين الأغيار، ف"الآخر" (أو الغير) لا ينظر إليه على أنه ضروري للوعي بالذات، (=ضروري ل "الأنا")، كما هو الحال في الفكر الأوربي، وإنما على أنه مختلف عن الأنا، على هذه الدرجة أو تلك من الاختلاف، وبالتالي، فالموقف منه يتحرك من موقف المودة والأُخُوّة والولاء (أي النصرة)، إلى موقف الإعراض ثم البراءة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أبرزنا أن القرآن الكريم يتحرك، على مسار ترتيب النزول، من موقف المساواة بين الأغيار، مؤكدا أن أمر التفاضل بينهم، أعني بيان الموقف الصحيح من غير الصحيح، يرجع إلى الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا (المسلمون)، وَالَّذِينَ هَادُوا (اليهود)، وَالصَّابِئِينَ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسَ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (الحج 17). وما ينبغي لفت النظر إليه هنا أن سورة الحج، التي منها هذه الآية، هي آخر سورة نزلت بمكة، أو أنها نزلت بينما كان الرسول عليه السلام في الطريق مهاجرا إلى المدينة. ونزولها في هذا التوقيت بالذات مرتبط بالوضعية الجديدة، التي كانت سائدة في المدينة من حيث تعدد المرتبطين، بشكل ما، بالديانات السماوية وغير السماوية، ومن هذا الاعتبار تكون الآية المذكورة بمثابة تنبيه للمسلمين إلى عدم الدخول في منازعات، حول صحة أو عدم صحة هذا الاعتقاد أو ذلك، وبالتالي تطلب منهم ترك الأمر إلى الله، الذي وحده سيفصل يوم القيامة بين الدين السماوي الصحيح وبين الأديان، التي داخلها تحريف.
ومما يزكي هذا الفهم أن سورة العنكبوت، التي نزلت والنبي وصحبه يتهيأ للهجرة، توصي بالتعامل مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن. قال تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت 46).
و
اضح إذن أن "الغيرية" في القرآن لا تعني أكثر من مجرد الاختلاف، وأنه من حيث المبدأ، لا شيء هنا يقرر الكراهية ل"الغير" أو النفور منه أو احتقاره أو اعتباره على خطأ، بل كل ما يقرره القرآن، انطلاقا من هذا المبدأ، هو الدعوة إلى الحوار، إلى الجدال بالتي هي أحسن، إلى إفهام أهل الديانات السماوية الأخرى أن الدين المنزل من عند الله واحد، يوحد ولا يفرق: "وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت 46). وهذا هو منتهى التسامح في الدين، التسامح مع من ينتمون إلى الديانات السماوية المختلفة، إنه تسامح يتجاوز الحوار والاعتراف المتبادل إلى التماهي في القضية الأساسية قضية التوحيد.
أما الذين يتظاهرون بالإسلام، وفي الوقت نفسه يتواطئون مع خصومه، فيتولونهم (ينصرونهم) ويتآمرون معهم لإيذاء المسلمين، (وهم بتعبيرنا المعاصر الجواسيس والخونة)، فالقرآن يدعو إلى أخذ الحيطة منهم، وعدم الثقة فيهم، ولكن دون التنصيص على عقوبة دنيوية ضدهم، فعقوبتهم هي عقوبة حلفائهم الكافرين، قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (التحريم 9)، والمعنى، كما يقول المفسرون، "جَاهِدِ الْكُفَّار بالسيفَ، وَالْمُنَافِقِينَ بالوعيد واللسان"، ولم يأمر القرآن لا بتكفيرهم ولا بنبذهم، ولم يعلن البراءة منهم، لأنهم حصَّنوا أنفسهم بإظهار الإسلام.
وتبقى البراءة خاصة بالمشركين، الذين هم في حالة حرب معلنة مع الرسول ونقضوا عهودا أبرموها معه. وهذه البراءة جاءت على سبيل المعاملة بالمثل، مع إعلانها على الملأ في الحج، حتى يعلم بها الجميع، فتنتفي تهمة الخداع أو الأخذ على غرة. وأكثر من ذلك منحتهم مدة معينة يتحركون خلالها دون أن يتعرضوا لشن الحرب عليهم. وصنفهم صنفين: فالذين نقضوا المعاهدة، التي أبرمها الرسول، معهم أمهلوا أربعة أشهر فإن تابوا قبل انصرافها فهو خير لهم، وإلا عرَّضوا أنفسهم للحرب. أما الصنف الثاني فهم المشركون، الذين حافظوا على المعاهدة، التي أبرمها معهم الرسول لأجل معين، فهؤلاء أمر القرآن المسلمين بأن يتركوهم حتى ينقضي ذلك الأجل. "وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين بالاستقامة لهم في عهدهم ما استقاموا لهم بترك نقض صلحهم وترك مظاهرة عدوّهم عليهم" (الطبري).
يتضح مما تقدم أنه لا أصل في القرآن لبعض الآراء المنتشرة اليوم في بعض الأوساط، التي تتحدث عن هذين المفهومين الإسلاميين الأصيلين، المبنيين على روح التسامح كما رأينا، حديثا يقع خارج السياق، الذي وردا فيه في الذكر الحكيم. من هذه الآراء قول بعضهم "معنى الولاء هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، والبراء هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق". ومع أن مجمل معنى هذا القول يمكن إسناده بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وردت في سياقات مختلفة، فإن استعمال لفظ "الحب" والبغض" هنا مقرونا ب"المبتدعة"، يفسح المجال لصرف معنى الولاء إلى صاحب "الرأي الموافق" ومعنى البغض إلى صاحب "الرأي المخالف"، داخل الدائرة الإسلامية نفسها. الشيء الذي قد يتسبب في فتنة. وفي التاريخ الإسلامي فتن كثيرة تستظل بمثل هذا الفهم للولاء والبراء، الفهم "المطلق" غير المقيد لا بسياق الآيات، التي تحدثت عنهما ولا بظروف نزول هذه الآيات. وبعبارة أخرى، إن مثل هذا الفهم "المطلق" لمسألة الولاء والبراء يتجاهل تماما ما تنطوي عليه تلك الآيات من روح التسامح،
الذي أبرزناه أعلاه.
أما إدخال بعضهم في معنى الولاء للكفار أمورا لا علاقة لها بالموضوع أصلا، فشيء لا يقبله النص القرآني ولا التأويل الصحيح. ومن هذه الأمور التي يقحمونها إقحاما في معنى الولاء للأعداء قولهم: "التشبه بهم في اللباس والكلام، والإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين، والسفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس، واتخاذهم بطانة ومستشارين، والتأريخ بتاريخهم، خصوصًا التاريخ، الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي، والتسمي بأسمائهم ومشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، ومدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم، دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد".
وبعد، فهاهنا خلط بين ما هو من العادات وما هو من العبادات، بين ما هو من قواعد السلوك المتعارف عليه بين الدول والشعوب، وهو من ميدان المباح من جهة، وبين ما هو سلوك ديني، وجهُ التحريم واضحٌ فيه من جهة أخرى. لنرفع هذا الخلط بقراءة قوله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف 32-33).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.