في مسابقة عالمية بفرنسا، التي تبارى حول جائزتها الذهبية 123 فنانا ونحاتا ينتمون إلى دول أميركية وأوروبية وآسيوية، انتزع الفنان المغربي، عفيف بناني، "القماشة الذهبية 2010" من خلال لوحته التي تحمل عنوان"المدرسة البوعنانية بفاس". وأجمع أعضاء لجنة تحكيم المسابقة، التي تنظمها، منذ سنة 1973، الفيدرالية الوطنية للثقافة الفرنسية، على أن الضروري في هذا الاستحقاق الفني العالمي أن عمل بناني يكاد يكون استثنائيا، من خلال صفائه وتقنيته. تقنية اكتسبها بناني عبر سنين طويلة، وهو يحاور الألوان والسكين. من هنا، فأعماله تنشد الحرية والأمل والتأمل، فهي مسكونة بالأسئلة الكبرى، وتمتح من مواضيع الواقع، الذي هو بالقوة والفعل واقع الناس. في مشهده التشكيلي، يتبدى بناني كراء لا يترك الضوء الهارب ينفلت من بين أنامله، رحيم بأدواته التشكيلية وبمفرداته البصرية، يتابع كل جديد على الساحة الفنية والثقافية، وكل جديد في المدارس الفنية المختلفة. بناني يرتاح وهو يردد لازمته المعروفة، التي التقطتها أذناه ذات يوم من حكم والدته، مفادها أن "قيمة العالم قد تساوي عود كبريت خمدت ناره". من جوف القلب والروح، تنهض أعمال بناني لترصد بحرفية مواضيع ملتصقة بالأرض، بالناس، بالمغرب، في كل تجلياته الصغيرة والكبيرة، وفي كل تعبيراته الفنية المختلفة. ألم تكن مناظر المغرب، وأناسه الطيبين، فيظ من العرفان، الذي ألهم كبار الفنانين العالميين من أمثال دولاكروا، وماتيس... عن لوحة "المدرسة البوعنانية"، يقول عفيف بناني إنه لا يعرف حتى الآن كيف استطاع إنجازها بطريقة لا يستطيع أن يكررها مرة أخرى ، إنها لوحة تحمل مجموعة من الأحاسيس، التي لا يمكنها أن تتمثل بالطريقة نفسها، مشيرا في لقاء مع "المغربية" إلى أن هذه اللوحة باتت تعتبر جزءا من إحساسه، لدرجة أنه يرفض بيعها، رغم تلقيه عروضا مغرية، من داخل وخارج المغرب. من جهة أخرى، عبر بناني عن سروره لحصوله على الجائزة، التي اعتبرها تتويجا لكل المغاربة، لأنها تحمل جزءا من تراثهم الحضاري والثقافي المشترك، كما تعكس عبقرية الهندسة المعمارية المغربية. حول مجمل أعمال عفيف بناني، يقول الكاتب والناقد الفني وعضو مجموعة الكتاب الفرنسيين، دانييل كوتيري، "اللون، اللون الخالص الجريء منفصل بشكل واسع في أعماق اللوحة متوحدا ومحايدا، يشكل دائما عنصر قوة وجمال. لأنه يستحضر أجمل الأفراح الطبيعية: أزرق سماوي، حقول الأزهار، عصافير مختلفة الألوان؟ لا أعرف، لكن هناك شيئا مقدسا ومفرحا كتبه ذات يوم الأكاديمي، أندري مرواس، سنة 1948 "المغرب يبقى بالنسبة لي مثال عمل فني كبير . فثمة ذكريات بروح الألوان...". أعمال بناني تستلهم روحها قصبة "تينزولين" بوادي درعة، التي حصل من خلالها على الجائزة الأوروبية للفنون بسان تروبيز، بفرنسا، سنة 2004، وقصبة "الوداية" بالرباط، التي تمزج بين الانطباعية والتجريد، إلى جانب لوحة قصبة "أيت بنحدو" بورزارات، التي اعتبرت إرثا شفويا عالميا، وهي في ملكية السفير المغربي الحالي ببرلين، كما أنها حازت ميدالية فضية في منافسة دولية بفرنسا سنة 2005، فضلا عن لوحة قصبة "إبركوزن" في دادس، قماشة توجد، حاليا، بالسفارة المغربية بمونتريال. إنها مجموعة من أعمال باهرة، تمثل أمكنة تاريخية. ويضيف كوتيري، من هنا يمكن القول لماذا أغرم فنانون عالميون مشهورون من دولاكروا إلى ماتيس، ماجوريل، وقريبا منا كاويا توميك، التي تعمل بطنجة، بجمالية المغرب؟ ولا غرو أن يكون عفيف بناني واحدا من هؤلاء، عفيف المغربي افتتن بدوره بخيوط شمس الخريف وهي تستعد للانفلات من نهار أشبه بقائض، بعدما مالت على أسوار قصر من قصور الجنوب، ذات اللون الأحمر الفاتح، كما التقطت عيناه بحرفية مشهد أمواج متلألئة تتلاطم على صخور جزيرة سيدي عبد الرحمان، بالدارالبيضاء. في تجربته الفنية توليفة من ألوان الأرض والسماء في تبدلاتها، من فضاء ومن ظلال هذا المغرب، الذي يعرف أسراره، التي استعصت على مدارس فنية وحركات تشكيلية، بناني يرسم بصدق الإخلاص وإخلاص الصدق، إنه أسلوبه. يضع بناني ذكاءه كما تجربته الكبيرة، وحرفيته، من أجل التواصل ومشاركة الآخر بنفس طويل لا يعرف النضوب، هو نفس يحمله إلى وطنه المغرب. وبخصوص إصدار بريد المغرب لأربعة من أعماله، يبرز كوتيري أن مؤسسة بريد المغرب لم تجانب الصواب، وكذا مسؤولوها، حينما وضعوا ثقتهم واختاروا لوحات بناني التشكيلية الأربع، منقادين بعفوية عميقة وحساسية فنية، لأنهم يعرفون أن الشعب المغربي مبدع كبير في الفن، ومن هنا استجابوا لانتظاراته، وبكل بساطة، فهو شعب ذواق يتناغم مع الفن الرفيع. بفنية وبعفوية كبيرتين، اختارت مؤسسة بريد المغرب الجانب السوسيولوجي والتعبيري المباشر في بث رسالتها واحتفائها بهذه الأعمال، التي تشربتها من تربية هذا الشعب المسكون بالجمال والطبيعة، كما قال الكاتب والناقد الجمالي، بيير بودان"، شعب تربى على الرؤية الجمالية، يظل متبثا عيونه على الطبيعة، ولا يمكن لأي قوة أن تطبقها". الأكيد أنه طريق شفاف ذو مفارقة مباشرة، يقودنا من خلال أروع عودة تدعونا إلى إعمال حاسة تذكر روح الأمكنة العائلية، وأحلام طفولتنا وجمال الأشياء".