صدر أخير، عن مؤسسة "طوب برس" للطبع، كتاب جديد للباحث المسرحي المغربي محمد هاشم صوصي علوي، بعنوان "المسرح العربي والتراث المسرح المغربي نموذجا".يتكون الكتاب، الذي يضم 150 صفحة من الحجم المتوسط، من مقدمة بديعة وسمها المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد ب "كاتب وكتابة وقضية"، وكلمة للمؤلف، وتوطئة، وبابين، تناول المؤلف في أول، الذي قسمه إلى ثلاثة فصول وإحدى عشر مبحثا، الجانب النظري، فيما ركز في الباب الثاني، يتكون من فصل واحد وثلاثة مباحث، على الجانب الميداني. يحمل الكتاب بين ثناياه قضية أساسية تتمحور حول علاقة المسرح، الذي نؤسسه اليوم بالتراث، الذي قد يصبح غدا جزء من تراثنا الفكري والإبداعي، كما هو الشأن بالنسبة للثقافات، التي ترسخ فيها هذا الفن المسرحي، وأيضا، هو علاقة هذه اللحظة التاريخية الحية بكل ذلك الذي كان، وبكل ذلك الذي وجد له في الذاكرة والوجدان الآن، والذي يمكن أن نعيد تمثله وقراءته بأكثر من عين وبأكثر من طريقة ومن أسلوب". إنه ينطلق من نقطة أساسية تتمثل في الانطلاق من "النحن" ومن "الآن" ومن "الهنا"، ومن ضرورة الإحساس بالذات المبدعة والمفكرة، اقتناعا من الكاتب بأنه لا يمكن القبض على هذه الذات الجماعية إلا من خلال القبض على ذاكرتها الجماعية، التي تتمثل أساسا في عبقريتها الكامنة في اللغة وفي التاريخ، وفي الحكي الشعبي، وفي الأزياء وفي العمران، في الأمثال والحكم، والأغاني والأهازيج والرقصات الشعبية. فهو لا يعتبر هذا النحو كيانا مغلقا على نفسه، بدليل أنه اعتنق المسرح، واختاره منهجا في العيش والفن. يقول عبد الكريم برشيد في مقدمة خص بها الكتاب، "الكتاب بحث علمي وجمالي رصين يحمل قضية أساسية، وينطلق من سؤال منهجي عن أسباب اختيارها، ويطرح إشكاليات البحث للنقاش، من خلال سعيه إلى تحقيق أهداف علمية وجمالية. كما تحضر في تحليلاته الرؤية النقدية الموضوعية، مع حضور الحس الجمالي. "المسرح العربي والتراث" هو إذن جزء أساسي وحيوي من مشروعنا النهضوي الكبير، ومساهمة مسرحية مغربية عربية في صناعة هذا المسرح الذي لا يمكن أن يتأسس إلا بإعادة قراءة التراث المغربي والعربي والكوني، قراءة جديدة ومتجددة". يضيف برشيد "في هذا الكتاب لا ينطق الباحث فقط، ولكن ينطق المبدع الفنان، وهو لا يبحث في التراث من منطلق تجريدي ولكن من منطلق تجريبي، بحكم أنه عاش في أجواء الماضي التاريخي، من خلال مسرحية"امرؤ القيس في باريس" واستطاع أن يحيى في هذه المسرحية في زمنين متباعدين، وأن يكون في مكانين مختلفين، وأن يستحضر العصر الجاهلي في زمن الحاضر، وأن يتنفس أنسام الصحراء في الأجواء الباريسية المعاصرة، وبهذا كانت دراسته للتراث قائمة أساسا على الخبرة والمعايشة وعلى التجربة الحية، وليس فقط، على قراءة الكتب والرجوع إلى الأوراق دون سواها، كما قد نجد اليوم لدى العديد ممن يتعاملون مع الموضوع تعاملا ورقيا لا حياة فيه ولا روح". في تجربة هذا الكاتب الفنان، الذي يصفه برشيد ، بقوله "إنني أشهد بأني عرفت صاحب هذا الكتاب، منذ ما يزيد عن أربعين سنة، وأنني عرفته ممثلا ومخرجا ومؤسسا لفرقة مسرحية، وأنه صاحب تجربة مهمة في المجالين المسرحي والتربوي"، يلتقي الواقعي والتاريخي، ويتحاور الجمالي والفكري، ويتقاطع اليومي والحلمي، ويتكامل التنظير الفكري والتطبيق العلمي، وتلتقي الموهبة بالبحث والدراسة، وبهذا عرف المسرح دائما فهو ملتقى الثقافات والحضارات واللغات.