دعا الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، كل القادة وصانعي القرار في حوض المتوسط إلى معالجة جميع القضايا المرتبطة بالأمن واستقرار المنطقة، مشيرا إلى أن "منطقة المغرب العربي، التي تواجه أخطارا متقاطعة، تعتبر ضرورة استراتيجية وحتمية اقتصادية، وتطلعا شعبيا".جانب من أشغال الندوة (سوري) وطالب هؤلاء القادة وصانعو القرار، في ندوة نظمت بمبادرة من سفيرة جلالة الملك بلندن، الشريفة للا جمالة العلوي، بشراكة مع مؤسسة المملكة المتحدة للخدمات ومؤسسة "أو.سي.بي"، أول أمس الثلاثاء بالرباط، بتوحيد تصوراتهم وتكاملها في القضايا، التي تهدد أمن هذه المنطقة، معلنا أن "حوض المتوسط منطقة استراتيجية في العالم، ويعرف العديد من التوتر، وسوء الفهم الديني والثقافي، كما يواجه ضغوطات الهجرة والتهريب والإرهاب". وأبرز الفاسي الفهري خلال الجلسة الافتتاحية للندوة، المنظمة حول موضوع "الأمن الأورور-متوسطي: آفاق المغرب وبريطانيا"، أن حوض المتوسط يعرف تحديات كبرى وتهديدات، فضلا عن التوترات السياسية، مؤكدا أن العولمة في هذه المنطقة لا تتمثل في التهديد الاقتصادي، بل تتعداه، لتشمل بروز فاعلين لا ينتمون إلى أي دولة، ويهددون كل دول المنطقة. وأوضح أن "القضايا الأمنية الجهوية لا يمكن التضحية بها تحت طائلة أفكار سياسية مسبقة أو حسابات تاكتيكية"، داعيا جميع أصحاب القرار والفاعلين في المنطقة إلى "الانكباب على معالجة التحديات الأمنية في مفهومها الأشمل، والحرص، باهتمام بالغ، على تدبير قضايا التنمية السوسيو- اقتصادية". وأوصى المشاركون في الندوة بالخروج بتوافق استراتيجي لما يجب فعله في المنطقة، خاصة على مستوى الأمن والاستقرار، موضحا أن "الحلول يجب أن تجري على الثقة المتبادلة لمواجهة التحديات الجديدة، وستكون بعيدة عن الانتقادات، لأنها تجمع على طاولة واحدة دولا من الشمال وأخرى من الجنوب". وأعلن، خلال الندوة، التي تندرج في إطار توسيع التفكير والتشاور حول مواضيع ذات الاهتمام المشترك، ليشمل الأوساط الأكاديمية والجامعية، أن المغرب يسعى جاهدا إلى الخروج من المأزق الحالي، وإنهاء الجمود في قضية الصحراء المغربية، معلنا أن من شأن هذا الجمود أن يلحق الضرر بمنطقة المغرب العربي، وأن المغرب ما فتئ يؤكد التزامه القوي والصادق من أجل إيجاد حل سياسي حقيقي وفعلي لهذا النزاع الإقليمي. وأبرز أن مجلس الأمن يؤكد، منذ 2007، المسائل الضرورية والمصيرية، التي جاء بها مقترح المغرب، كما يدعو الأطراف المعنية بقضية الصحراء المغربية إلى اتخاذ مبادرة الحوار. وأبرز أن الموقف المتصلب وغير البناء للجزائر والبوليساريو أصبح متجاوزا، ويرهن التوصل إلى حل سياسي، معلنا أن إجراء استفتاء ذي خيارات متعددة وقصوى، يبقى غير قابل للتطبيق، ونادر في الممارسة الأممية. وأكد أن الجزائر والبوليساريو ما زالا يصران على إحياء مخططات وصيغ لحلول متجاوزة، جرى استبعادها بصفة نهائية، مذكرا بأن هذا النوع من الاستفتاء لم يعد مدرجا في قرارات مجلس الأمن أو تلك الصادرة عن الجمعية العامة، داعيا هذه الأطراف إلى التخلي عن الخيارات المتطرفة كالخيار الافتراضي للاستقلال، الذي جرى استبعاده بشكل نهائي. وطالب بتكثيف جلسات التفاوض بين الأطراف المعنية بقضية الصحراء المغربية، على أساس الواقعية وروح التوافق، وأخذ الجهود المبذولة من طرف المغرب، منذ 2006، بالاعتبار، بعيدا عن كل مناورة أو مزايدة أو استفزاز. وعن المشاكل المعرقلة لنمو حوض المتوسط، قال الوزير إن "إنعاش وتفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي، من شأنه الإجابة بشكل ملموس وشامل على العديد من التحديات الاقتصادية، والرهانات الأمنية في المنطقة". وأشار إلى أن دول الشمال والجنوب مطالبة، بشكل مشترك، بالانخراط في جميع المبادرات المتخذة، مع تفادي تلك الآتية بشكل حصري من الشمال، بغية الوقاية من الازدواجية وتشتيت الجهود". وأضاف أن "الفوضى العارمة ما زالت تسود هذه المنطقة، المتمثلة في تفاوت في التنمية، وتحديات بيئية، وشروخ ثقافية أو دينية، وتوترات على مستوى الهجرة والتهريب الدولي غير المشروع". وأوضح الفاسي أن تحديات جديدة انضافت إلى التهديدات التقليدية في هذا الفضاء، المحدود جغرافيا وغير المتجانس سياسيا، مسجلا أنه منذ نهاية الثنائية القطبية وبدء مرحلة "ما بعد 11 شتنبر"، تفرض "هذه التهديدات الجديدة على البلدان الأورومتوسطية إعادة تقييم المعادلة الأمنية"، مبرزا أن استقرار الفضاء المتوسطي "أصبح رهينا باستقرار مناطق أخرى مجاورة بإفريقيا، كمنطقة الساحل والصحراء، الواجهة الأطلسية، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط". وأشار إلى أن "كل تغير وكل خلل وظيفي وكل أزمة داخل هذه الفضاءات المجاورة، لها تأثير مباشر على الأمن والاستقرار بالمنطقة الأورو- متوسطية برمتها"، مشددا على أن هناك "ضرورة ملحة للسلام بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يلقي موقف الحكومة الإسرائيلية بثقله على السلم والأمن، ويغذي التوترات والمواجهات". وأشار إلى أن "صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، لم يتوان عن تحسيس وتحفيز المجتمع الدولي على الاستئناف الفعلي لمسلسل السلام من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل، يضمن للشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولة مستقلة وذات سيادة وقابلة للحياة على كافة الأصعدة ومترابطة جغرافيا، عاصمتها القدس الشريف". من جانبه، أكد سعد حصار كاتب الدولة لدى وزير الداخلية أن مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية "سيشكل عاملا أساسيا للسلم والأمن في المنطقة". وأضاف أن منطقة الساحل والصحراء تعتبر، اليوم، الخطر الرئيسي لغياب الاستقرار، ليس فقط على المنطقة القريبة منها، وإنما على منطقة المتوسط، وأوروبا، وباقي أنحاء العالم الديمقراطي، مبرزا أن الهشاشة الأمنية في هذه المنطقة تزداد حدة، بسبب الحركات الانفصالية، كالبوليساريو، التي يتورط العديد من أعضائها في عمليات اختطاف سياح غربيين، وكذا في جرائم أخرى عابرة للحدود. وأكد أن مضيق جبل طارق يعتبر منطقة أخرى بالغة الحساسية، وتثير انشغالات جادة، محذرا من أن "هذه المنطقة أساسية في سلسلة التجارة الدولية، وكل عمل إرهابي على مستواها قد تكون له تداعيات كارثية دوليا"، داعيا إلى إرساء أسس حكامة أمنية إقليمية حقيقية، تلائم بين جميع أوجه هذه الإشكالية الكونية للتوصل لحلول هيكلية ونهائية. وقال إن المنطقة المتوسطية تعتبر فضاء للفرص وكذا للأخطار، مبرزا الحالة الجدية، التي يمثلها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي جمع عددا من الجماعات الإجرامية والمرتزقة الانفصاليين، موضحا أن منطقة الساحل والصحراء أضحت مرتعا للاستقطاب، وأرضية للتجارة غير المشروعة من قبل مجموعات إجرامية، تعمل على تطوير جميع أشكال الإجرام العابر للحدود، داعيا إلى تعزيز الأعمال متعددة الأطراف والمتشاور بشأنها على مستوى تبادل المعلومات، وتشبيك موظفي الربط والتكوين المتقاطع، فضلا عن الدعم التقني لبعض البلدان، التي تشكل هشاشة حدودها منفذا لشبكات التهريب. وأضاف أن استراتيجية من هذا القبيل لا يمكن تفعيلها دون الانخراط الإرادي والصادق لجميع الشركاء، موضحا أن المغرب يواصل الدعوة للنهوض باستراتيجية إقليمية جماعية، كفيلة بالتصدي للتهديد في المنطقة، مؤكدا أن التعاون الإقليمي ضد الجماعات الإرهابية والإجرامية لا ينبغي أن يكون رهين الحسابات السياسية الضيقة، وأن "الاجتماع الأخير حول وضعية الساحل، الذي انعقد بمبادرة من الجزائر، سيكون مآله الفشل، في غياب المملكة المغربية، التي تعد شريكا لا محيد عنه وذا مصداقية". وأبرز أن المغرب يعتبر أن الأمن والاستقرار في المنطقة الأورو- متوسطية يشكل رهانا رئيسيا، مشيرا إلى الالتزام الحازم للمغرب في إطار المحاربة الدولية لجميع أشكال الإرهاب والتطرف، موضحا أن المغرب يتناول الاستراتيجية الأمنية بمنظور واسع، عبر إدماجه في قالب شامل، تشكل فيه التنمية والأمن ثنائيا غير قابل للفصل. واستعرض جهود المغرب في مجال محاربة الهجرة السرية، التي مكنت من الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية في اتجاه أوروبا بنسبة 91 في المائة، فضلا عن تفكيك أزيد من ألفين و500 شبكة لتهريب البشر، ما جعل المغرب حصنا رئيسيا أمام مسالك الهجرة غير الشرعية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، في اتجاه أوروبا. وفي ما يخص ملف المخدرات، أشار إلى أن الاستراتيجية المعتمدة في هذا المجال مكنت من تقليص المساحات المزروعة بالقنب الهندي بنسبة 60 في المائة، وارتفعت كميات القنب الهندي المحجوزة بنسبة 62 في المائة، مبرزا أنه جرت الإشادة بجميع هذه الجهود من قبل الهيئات الدولية، خاصة مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، فضلا عن تقرير وزارة الخارجية الأميركية.