بعينين جاحظتين تحلق التلاميذ والتلميذات وسط ساحة "الثانوية التأهيلية المحاميد الجديدة"، الأسبوع الماضي، وهم يحدقون في الدراجات الهوائية ذات اللون الرمادي البراق الذي زادته أشعة الشمس الدافئة لمعانا يغري بالتأمل في هذه الناقلات، التي جرى اقتناؤها لتسخر من أجل خدمة هدف إنساني نبيل. اختلط التلاميذ المستفيدون من هذه المبادرة، التي تستلهم روح البرنامج الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مع زملائهم القاطنين على بعد أمتار معدودة من محيط هذه المؤسسة التعليمية، التي تستقطب العشرات من التلاميذ والتلميذات من أماكن مختلفة بالجماعة القروية لمحاميد الغزلان، الذين أسعفتهم الظروف في متابعة تعليمهم إلى ما بعد الطور الإعدادي. ضمن هذا الحشد من التلاميذ يوجد من يتهدده شبح الانقطاع عن الدراسة، إما بسبب البعد الجغرافي عن المؤسسة التعليمية، أو بسبب ضيق ذات اليد، أو غيرها من الأسباب الأخرى، التي حكمت قسرا في السنوات الماضية على الآلاف من التلاميذ عبر التراب الوطني بأن يصبحوا رقما مخيفا ضمن الإحصائيات الراصدة لظاهرة الهدر المدرسي. ومقابل الصورة القاتمة للانقطاع عن الدراسة، التي تحولت إلى محفز لمختلف الفاعلين في حقل التربية والتكوين لرفع تحدي محاربة الهدر المدرسي، كانت لطيفة العابدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي تبدو بشوشة، وهي تسلم أولى الدراجات لإحدى المستفيدات، وارتسم على محياها حنان الأمومة، ونجاح المرأة المقدامة، التي بوأها المجتمع المغربي مرتبة عليا في درجات المسؤولية. إلى جانب كاتبة الدولة، كان عامل إقليم زاكورة، الحسين أغجدام، يربت على كتف أحد التلاميذ المستفيدين من هذه الالتفاتة الإنسانية، إذ بدا المسؤول الأول عن الإقليم منتشيا وكأنه محارب خرج لتوه مرفوع الرأس من معركة حامية الوطيس انتصر فيها على عدو مخيف اسمه الهدر المدرسي. ساد في ساحة "الثانوية التأهيلية المحاميد الجديدة" أثناء حفل تسليم الدراجات الهوائية المائة، التي اقتناها المجلس الإقليمي لزاكورة، شعور اختلطت فيه غبطة التلاميذ المستفيدين، بارتياح مختلف المسؤولين من منتخبين وسلطات محلية وأطر تربوية ومجتمع مدني ليتشكل بذلك مشهد من الانسجام البديع الذي يؤكد، إذا كان الأمر يحتاج إلى تأكيد، أن الالتقائية وسيلة فعالة لحقيق الأهداف المسطرة مهما بلغت درجة تعقيدها، واستعصت مأمورية بلوغها. الكل كان يردد خطابا موحدا مفاده أن شروط مواصلة الدراسة أصبحت متوفرة لدى فئة عريضة من التلميذات والتلاميذ المنتسبين إلى هذه الرقعة الجغرافية من أقصى الجنوب الشرقي للمملكة، إذ لم يعد ممكنا التذرع بالبعد عن أماكن اكتساب العلم والمعرفة لتبرير الانقطاع عن التحصيل الدراسي، الذي جعلت منه الوزارة الوصية على القطاع أحد مرتكزات البرنامج الاستعجالي لإصلاح المنظومة التربوية، ولقي تجاوبا منقطع النظير من طرف مختلف المتدخلين، وفي مقدمتهم الهيئات المنتخبة والمجتمع المدني. ومن حظ تلامذة "الثانوية التأهيلية المحاميد الجديدة" أن الأطر التعليمية المنتسبة لهذه المؤسسة قررت، بالإضافة إلى انخراطها في محاربة الهدر المدرسي، أن تطلق مبادرة تربوية غير مسبوقة تكمن في تحفيز التلميذات والتلاميذ على تحقيق أعلى درجات التفوق، عبر استفادتهم من حصص للإعداد السيكولوجي من أجل اجتياز الامتحانات الوطنية، تحت إشراف أطر مغربية متخصصة في علم النفس. الرهان، إذن، كبير، والوسائل متوفرة، ويبقى التطلع إلى تجسيد شعار "مدرسة النجاح" على أرض الواقع في هذه المنطقة النائية من التراب الوطني، أمل يراود مختلف الفاعلين في العملية التربوية محليا وجهويا ووطنيا. (و م ع)