باتت تجارة الأشرطة الموسيقية والدينية، الملاذ الوحيد لشباب المدن المغربية الكبرى، يقصدونها بعد تعذر حصولهم على عمل يتوجون به سنوات من الدراسة، إذ أصبحت الأشرطة المقرصنة وغير المقرصنة، فرصتهم الوحيدة لتحسين دخلهم المادي، وادخار دراهم تساعدهم على مواجهة مصاريف الحياة اليومية.من بين هؤلاء نور الدين، شاب في العقد الثالث من العمر، اعتاد الجلوس إلى جانب الحائط المقابل للباب الرئيسي للمسجد، لتحضير بضاعته، استعدادا لخروج جموع المصلين، ويقول عن مهنته الحالية "البطالة تدفعنا إلى امتهان هذه المهنة، وهناك الإقبال على الأشرطة الدينية"، ويضيف محتجا، دون أن يفارق نبرته الساخرة "أحصل على ربح قيمته 300 درهم في الأسبوع، وأكتري منزلا بأحد الأحياء، خارج مدينة الدارالبيضاء، بمائتي درهم، تبقى لي مائة أو خمسون درهما، أحاول تحويلها إلى رأس مال، يضمن لي الحياة الكريمة". أشرطة كثيرة بمحتويات مختلفة تدر أرباحا قليلة، تتراوح بين 30 درهما و50 درهما في اليوم، وتمتلئ بها جنبات المساجد، إذ لا يمكن الوصول إلى أبواب المساجد أو الساحات العمومية، دون التعثر بأحد تجار الأشرطة الدينية والأفلام الهوليودية، مروان، الطفل ذي الخمس عشرة سنة، الذي اتخذ من فضاء مسجد وسط حي الإنارة بالدارالبيضاء، مكانا له، كان يقف وراء كومة من الأشرطة الدينية والبخور، وفضل تأجيل التحدث ل"المغربية" إلى بعد انتهاء صلاة المغرب وتفرق المصلين، لأن تلك الفترة تشكل بالنسبة إليه ذروة تجارته، وخوفا من أن تدهمه دورية للسلطات المحلية. يقول مروان "لم أوفق في متابعة دراستي، وبعد أن نجحت في ترويج الأشرطة السينمائية، قررت التفرغ نهائيا لهذه المهنة، نظرا للرواج والإقبال، الذي أصبحت تعرفه خلال السنوات الأخيرة"، وأكد أن ربحه لا يتجاوز في بعض الأحيان، عشرة دراهم. امتهن مروان مهنة بيع الأشرطة السينمائية، قبل ثلاث سنوات، بعد مغادرته لفصل الدراسة لأسباب فضل عدم سرد تفاصيلها، وبعد أن أعياه التنقل بين محلات صباغة السيارات، ويقدر رأس مال بضاعته الحالية ب 1600 درهم، ضمنها جهاز تلفاز، وفيديو، وأقراص مضغوطة، ولا يتجاوز ربحه اليومي، في أحسن الأحوال، مائة درهم. ازدهار هذه التجارة في المغرب بشكل لافت، في السنوات الأخيرة، يربطه البعض بهجمات الحادي عشر من شتنبر في الولاياتالمتحدة الأميركية، سنة 2001، وحرب أفغانستان، إذ صار سوق الكتب والأشرطة الدينية رائجا ومربحا إلى حد ما، تماما كما حدث في أوروبا وأميركا، حيث ارتفعت معدلات بيع الصحف وترجمتها إلى اللغات العالمية الحية، وبيع الكتب التي تتحدث عن الإسلام. وتشهد الأسواق المغربية حاليا نشاطا مكثفا في هذا المجال، لكن اللافت للانتباه هو تلك التجارة، التي يتخذ البائعون من ساحات المساجد مكانا لها، وأحيانا الأسواق الشعبية، حيث يعرضون الكتب والأشرطة الدينية على الأرض، فتبدو تجارة متواضعة، لكن نجاح بعضهم فيها أغرى الآخرين بنهج السبيل نفسه، لتتكاثر نقاط البيع، وممتهنو هذه التجارة.