عبد العزيز بنعبو ازدحام شديد على الشواطئ وأسعار شبه خيالية، تلك هي السمة الأساسية التي تعلو ملامح المدن المغربية الساحلية، سواء في الشمال مثل طنجةوتطوانوالفنيدق، أو في الغرب مثل الجديدة. مبلغ العطلة الصيفية قد يستنزف ميزانية سنة بالنسبة لموظف متوسط الدخل، قادم من فاس أو مكناس أو غيرها من المدن الداخلية التي لا تتوفر على البحر، حيث يتضاعف ثمن فنجان قهوة عادي جداً، و"سندويتش" بسيط يتحول إلى وجبة فاخرة بثمن مرتفع جداً، ورغم ذلك تجد السياحة الداخلية في حالة نشاط غير مسبوق في المدن المذكورة، أما الشكايات فنفسها تتكرر وبعد أن كانت تسمع في أحاديث الناس تحولت إلى تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي. أصحاب المقاهي وملاّك البيوت المفروشة أو شبه مفروشة، لهم عذرهم في ذلك، حسب رأيهم الخاص، الذي يعتمد على النفعية أكثر من الرغبة في تشجيع السياحة الداخلية، يحاولون ما أمكنهم اغتنام المناسبة أو ربما بعبارة أصح "استغلال الفرصة" لدخل مالي يعنيهم عن حالة الفراغ التي يعيشونها طيلة السنة، حتى حراس السيارات يُصابون بالسعار، وسعر ركن السيارة لديهم لا يخطر على بال ولا يسمح للقلب بالخفقان ولا للعقل بالتفكير. وتعيش بعض الشواطئ كذلك على إيقاع فوضى عارمة واختلالات خطيرة، رصدتها بعض الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، حيث تحوّلت الشواطئ من فضاء عمومي مفتوح للجميع إلى أشبه ما تكون بشواطئ خاصة تتطلب دفع مبلغ مالي للدخول إليها، إذ انتشر أصحاب تأجير المظلات والكراسي والطاولات بشكل فظيع على طول شاطئ "المهدية" مثلاً، تاركين مساحات صغيرة لمن لا يرغب في التعامل معهم، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء لفظياً على عائلات ليس بمقدورها تحمل تلك النفقات؛ مثلما أوردت صحيفة "رسالة الأمة" في عددها ليوم أمس الثلاثاء. بالنسبة لأسعار الصيف فيما يقدم من خدمات سياحية في المدن المذكورة، لا علاقة لها بتقلبات الأسواق ولا بقانون المنافسة، فقط هناك حرية مطلقة في الأسعار، تواكبها مراقبة يكسرها المستهلك عندما يرضخ للشروط المجحفة التي تملى عليه من طرف صاحب هذه الخدمات. وأهل المدن المعنية بهذه الظاهرة الصيفية رغم أن منهم المستفيد، إلا أن بعضهم لا يعجبه الوضع، وهو ما يفسر العديد من التدوينات، مثل ما فعل أحد أبناء مدينة طنجة وهو يقول: "قريباً في طنجة، سيختلط النابل بالحابل، ستعاني المدينة وناسها من الازدحام والعشوائية"، ورغم ذلك فإن الرابح الأول من اختلاط الحابل بالنابل، هم أهل المدينة وأصحاب الشقق المفروشة وأرباب المقاهي والمطاعم، أما الفنادق فأسعارها محددة سلفاً ولا مجال للمزايدة على القانون. المكتوون بنار الأسعار في أعوام سابقة، يبحثون عن البديل وقد يتجلى لهم في مدن ساحلية أخرى في جنوب المغرب، وبعضهم قد يقارن بين ميزانية قضاء العطلة في تطوان أو الفنيدق مثلاً، وبين ما ستكلفه عطلة في جنوب إسبانيا، والمبلغ هو نفسه تقريباً، وهنا يطرح السؤال الذي وصل إلى قبة البرلمان حول تشجيع السياحة الداخلية التي كثر عنها الحديث مباشرة بعد كورونا في محاولة لإنعاش قطاع السياحة الذي تضرر بشكل كبير. حالة التضامن مع قطاع السياحة في المغرب أيام كورونا من طرف المواطنين الذين كانوا في موعد إعلان حالة من الاستنفار من أجل دعمه بكل الطرق الممكنة والمتاحة أمامهم، لم تشفع لهم أمام حالة الهيجان التي تشهدها الأسعار في المدن المعنية، ويصبح فنجان قهوة بثمن سندويتش في العاصمة الرباط أو صنوتها العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، وهي المدن التي توصف بكونها الأكثر غلاء خلال أيام السنة، لكنها تصبح متوازنة جداً بالمقارنة مع ما يطلبه نادل مقهى في تطوان أو طنجة أو الجديدة. قضية اشتعال أسعار الخدمات السياحية للمصطافين المغاربة في مدن مغربية، وصلت إلى البرلمان في العديد من المناسبات، ونذكر منها ما قاله رئيس الفريق النيابي لحزب "التقدم والاشتراكية" ، رشيد حموني، في سؤال موجه إلى فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة، من كون "قطاع السياحة الداخلية ببلادنا، يعرف عدة إكراهات تحد من تنافسيته وجاذبيته، كما أنه يشهد اختلالات تعيق الاستفادة السلسة للأسر المغربية من فرص متنوعة لقضاء عطلها المختلفة، وأساساً منها العطلة الصيفية، في ظروف مناسبة، وبأثمنة ميسرة تساير قدرتها الشرائية"، وفق قوله. وختم سؤاله بالتأكيد على مثل هذا الوضع يتطلب تدخلاً من طرف الوزارة الوصية، بهدف وضع حد لمثل تلك الاختلالات، وإيجاد حلول مناسبة لتشجيع السياحة الداخلية، وتشجيع المواطنات والمواطنين على استهلاك المُنتَج الوطني، والاستفادة من قضاء العطلة الصيفية ببلدهم. السؤال جاء بعد توالي شكايات المواطنين من ارتفاع أسعار الخدمات، لتتحول الحالة إلى ظاهرة، وتصبح المقارنة بين ثمن قضاء في يوم في شاطئ جنوب إسبانيا أرخص من قضائه في شاطي مدن مغربية في الشمال، وهناك تدوينات كشفت عن حجم التفاوت وأكدت أن يوماً كاملاً في أحد شواطئ جنوب الجارة الشمالية للمغرب، لا يتجاوز 66 درهماً (6 أورو)، وتتضمن الخدمة كما ورد في التدوينة "مظلة شمسية وكرسياً كبيراً ومريحاً ودوشاً وإنترنت ومشروباً". المهنيون من جهتهم لا يجدون حرجاً في التعبير عن كون تلك الأسعار توافق المناسبة وهي العطلة الصفية والإقبال الشديد للمصطافين، ولا يفوتهم الإشارة إلى مسألة الاشتغال الموسمي، بمعنى أن بقية العام يظلون في عطالة، وهو ما يجعل من موسم العطلة فرصة لكسب رزقهم الذي يعوضهم عن كساد باقي الشهور. الخبراء يتوقفون عند مسألة غاية في الأهمية، وهي غياب ثقافة العطلة عند المغاربة، وعدم التخطيط لها مسبقاً والبحث عن التوزيع الجغرافي لقضائها بعيداً عن الازدحام الذي يولد حتماً ارتفاع الأسعار، وقد يكون معهم حق، فالجميع يريد قطعة من حلوى الشمال الصيفية ولا يفكر في أن هناك مدناً أخرى تتوفر على الحلوى نفسها وبسعر عادي جداً، تجد الجميع وقد حدد وجهته في آخر لحظة ويقول رب الأسرة لعياله: لنذهب إلى الفنيدق أو طنجة أو تطوان، وبالنسبة للبعض وخاصة أبناء مراكش يجدون الجديدة أقرب، وهي بدورها تعيش الحالة ذاتها. بعض ظرفاء في "الفيسبوك"، اغتنموا الفرصة لكن بطريقة أخرى ساخرة، حين كتبوا تدوينات تفيد بأن معظم المشتكين من أسعار العطلة الصيفية وخدماتها، هم معتادون على ذلك في كل تفاصيل يومياتهم، وتجدهم أول من يسارع ويحمل حقيبته ويحرك سيارته، ثم يتّجه إلى إحدى تلك المدن موضوع شكايتهم، كما لو أنهم يريدون صدّ العين عنهم فقط.