لا شيء ينجح مثل النجاح. كان المغرب في العام 2021 قصة نجاح أخرى. محور هذه القصة المواطن المغربي ورؤية واضحة للملك محمّد السادس تركّز على المستقبل بعيدا عن أسر عقد الماضي. كانت سنة 2021 قصة نجاح مغربي بامتياز. تحقّق النجاح على الرغم من كلّ الصعوبات التي يمرّ فيها العالم، خصوصا في ظل تجدّد لانتشار جائحة كوفيد – 19 تحت مسميات جديدة مثل أوميكرون. تكمن أهمّية هذا النجاح المغربي في أنّه لم يكن نجاحا معزولا مرتبطا بسنة معيّنة أو بحدث واحد بمقدار ما أنّه ذو طبيعة تراكميّة تمدّدت على كل خارطة المملكة، بما في ذلك الأقاليم الصحراوية فيها. بعد سنة من اعتراف الولاياتالمتحدة بمغربيّة الصحراء أواخر العام 2020 جاءت قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة لتؤكد العلاقة الخاصة بين هذه الدول والمملكة المغربيّة. تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي، الذي يتطلّع إلى المستقبل، موضوع إيران الذي اتخذت موقفا واضحا منه. امتدت الجرأة إلى شمال أفريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية إلى النظام الجزائري، الطامح إلى استضافة القمّة العربيّة المقبلة، في غاية الوضوح. شدّدت دول مجلس التعاون على "مغربيّة الصحراء" من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى. قال البيان الصادر عن القمة ال42 لدول مجلس التعاون، الذي يعكس وضوحا في الرؤية والموقف "أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر – تشرين الأول 2021 بشأن الصحراء المغربية". يؤمل بأن تكون سنة 2022 سنة اندفاع الأكثريّة العربيّة في اتجاه التعاطي مع الواقع فتسير جامعة الدول العربيّة في الخط الذي سار عليه مجلس التعاون الخليجي كي تثبت أنّها أهل لرفض لعبة الابتزاز التي يتعرّض لها المغرب منذ ما يزيد على خمسة وأربعين عاما منذ اللحظة التي استعاد أقاليمه الصحراوية سلما في خريف العام 1975. بات واضحا أن المغرب أثبت قدرة على الدفاع عن مصالحه بعيدا عن أيّ نوع من المزايدات. الأهمّ من ذلك كلّه تجاوز المغرب كلّ العقد التي تتحكّم ببعض الدول العربيّة وغير العربيّة في المنطقة وذلك عن طريق ربط نفسه بالمستقبل وبما يدور في هذا العالم. لذلك استطاع أن يكون واحة سلام واستقرار في منطقة مضطربة مثل شمال أفريقيا. استطاع المغرب تحقيق إنجاز ليس بعده إنجاز يتمثّل في جعل الشخص الذي يعبر من الضفة الأوروبية للبحر المتوسط إلى الضفة المغربيّة، أكان هذا الشخص إسبانيّا أو فرنسيّا أو إيطاليّا... أو مجرّد سائح عادي، لا يجد أمامه فارقا. لا يجد من يعبر إلى الضفّة المغربيّة من الضفة الأوروبيّة أن هناك ما تغيّر عليه. يكتشف أنّه انتقل من عالم متحضر إلى عالم متحضر آخر، هو المغرب الذي يمتلك ميزات خاصة به. يستحيل حصر التحولات التي يشهدها المغرب بمنطقة واحدة مثل طنجة أو ميناء طنجة – المتوسّط قبالة إسبانيا، بل يجدر الذهاب إلى تطوير العاصمة الرباط والعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء... وصولا إلى العيون والداخلة في الصحراء للتأكد من التغيير الكبير نحو الأفضل الحاصل في كلّ منطقة من مناطق المملكة المغربيّة. أكثر من ذلك، بات المغرب بوابة مهمّة لأوروبا إلى أفريقيا وبات في الإمكان التحقّق من مدى بعد النظر الذي يمتلكه العاهل المغربي الملك محمّد السادس الذي أعاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في العام 2017. ترافقت تلك الخطوة المهمة مع زيارات عدّة لدول مختلفة في القارة السمراء لتكريس وجود مصالح مشتركة بين هذه الدول من جهة والمغرب من جهة أخرى. شملت هذه المصالح إقامة مصانع لتحويل الفوسفات المغربي إلى أسمدة تخدم قطاع الزراعة في دول أفريقية عدّة. في الوقت ذاته، ساعد المغرب دولا أفريقية في المجال الطبي وفي نشر ثقافة الاعتدال على كلّ المستويات. لم يأت النجاح المغربي من فراغ. في أساس النجاح تطوير البنية التحتيّة وربط المدن المغربيّة ببعضها البعض... وتعزيز الجبهة الداخلية عبر تكريس التجربة الديمقراطيّة، خصوصا بعد إقرار الدستور الجديد في العام 2011 في استفتاء شعبي. لا يمكن الاستخفاف بما تحقّق في المغرب في السنوات العشر الماضية التي كشفت أن هناك نضجا على الصعيد الشعبي بوجود الملك محمّد السادس المتصالح مع شعبه، ملك يتابع بأدّق التفاصيل كلّ ما يمكن أن يساهم في رفاه الشعب المغربي. لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، وهي انتخابات ألحقت هزيمة ساحقة بالإسلام السياسي الذي سيطر على المشهد الحكومي طوال عشر سنوات بواسطة حكومات حزب العدالة والتنميّة. لعلّ أهمّ ما كشفته الانتخابات النيابيّة الأخيرة وجود وعي سياسي لدى المغاربة. مكّن هذا الوعي السياسي المواطن العادي من التمييز بين الحقيقة والواقع من جهة والشعارات الفضفاضة التي أغرق بها الإسلام السياسي المملكة من جهة أخرى... يبقى أن هناك تحديات لا تزال تواجه المغرب في السنة 2022. في مقدّم هذه التحديات إصرار النظام الجزائري على الهرب من أزماته الداخليّة إلى التصعيد مع المغرب. لن يفيده ذلك في شيء بمقدار ما أنّه استمرار للاستثمار في حرب الاستنزاف التي يشنّها هذا النظام على المغرب منذ العام 1975، بدءا بافتعال قضيّة الصحراء. الأكيد أن المغرب يعاني من نتائج جائحة كوفيد – 19 التي تصدّى لها بطريقة فعّالة. تأثرت العائدات من السياحة إلى حدّ كبير في ظلّ توقف حركة الطيران، وهو توقف مستمرّ إلى آخر شهر كانون الثاني – يناير المقبل في أقلّ تقدير. لكنّ الأكيد أيضا أنّ المغرب يطوّر نفسه باستمرار عن طريق الاستثمار في الإنسان المغربي وفي كلّ ما من شأنه تطوير البنية التحتية ونظام الحماية الاجتماعية للمواطن ذي الدخل المحدود وتحسين النظام الصحّي. لا شيء ينجح مثل النجاح. كان المغرب في العام 2021 قصة نجاح أخرى. محور هذه القصة المواطن المغربي ورؤية واضحة للملك محمّد السادس تركّز على المستقبل بعيدا عن أسر عقد الماضي.