أبو سلمى انخرط الحزب المغربي الليبرالي في حملة إشهار واسعة للمداخلة الفايسبوكية لمنسقه الوطني محمد زيان، أملا في حشد عدد كبير من المتتبعين الافتراضيين، وابتغاء كذلك توسيع القاعدة الانتخابية للحزب غير الممثل في البرلمان. لكن خيبة أمل رواد الإعلام البديل كانت عارمة، خصوصا لمّا تأخر البث لما يربو عن ثلاث ساعات بعلّة العطل التقني، وهو ما جعل عددا من المدونين ينخرطون في حملة تعليقات ساخرة متسائلين حول ما إذا كان " إرجاء البث راجع إلى اختلاف التوقيت الزمني مع مدينة سان فرانسيسكو حيث تقيم الشرطية وهيبة التي ظهرت معه في الشريط الفضائحي". وقد بدا جليا حجم التدوين الساخر والاستهزائي من خرجة محمد زيان، خصوصا عندما ظهر مضطربا في كثير من المناسبات في الشريط المنشور، يقول الشيء ونقيضه، ويرفع نبرة صوته بدون سبب حتى يدنو من البكاء، ثم ينعطف كليا ليخطب ود المتتبعين أحيانا والناخبين أحيانا أخرى. وقد عزى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هذا التباين والتناقض في مواقف الرجل وتصريحاته، إلى أن محمد زيان حاول أن يستحضر كل شخصياته في هذا الشريط، بما فيها زيان المحامي، وزيان الوزير الأسبق، وزيان السياسي، وزيان المعارض، دون أن ينسى طبعا زيان صديق وهيبة التي من أجلها "أشاد بكل نساء المغرب بالخارج وطالب بعودتهن إلى أرض الوطن". تناقضات صارخة كالَ محمد زيان للمعارضة السياسية وابلا من عبارات التجريح والتقريع، مميزا في سياق حديثه بين المعارضة السابقة التي وصفها بالقوية، ومعارضة اليوم التي وسمها بغير ذلك من الصفات في إشارة مبطنة إلى كونها ضعيفة ومهزوزة. وتساءل في هذا الصدد، بشكل استنكاري يفيد توكيد الغياب، عن أين اختفى المفكرين والحقوقيين والسياسيين والنقابيين والمناضلين والمثقفين والطلبة؟ لكن هذا السؤال الاستنكاري سرعان ما تلاشى، وتداعت معه كل عبارات التقريع في حق السياسيين والطلبة والمثقفين والمناضلين والحقوقيين المغاربة، عندما طغت الذاتية والشخصنة على حديث محمد زيان! فبعدما كان الجميع متواطئا بالسكوت والمهادنة، حسب محمد زيان السياسي والحزبي، فقد تحول هؤلاء المتواطئون والمهادنون إلى "مجتمع مدني راقٍ، لديه بُعد نظر، ويؤمن بالقيم المتمدنة والمتحضرة ومتحمس للفكر والتعبير عنه بسهولة"، لأنه بكل بساطة اصطف إلى جانب محمد زيان المتهم بالفساد والخيانة الزوجية. لقد بصم النقيب السابق في شريط واحد عن سكيزوفرينيا صارخة، فالمجتمع المدني المغربي بأطيافه الحقوقية والصحفية والسياسية والثقافية يكون متواطئا عندما يرتدي محمد زيان عباءة الحزبي والسياسي، لكنه يصير راقيا ومتمدنا ومؤمنا بالحداثة عندما ينافح عن زيان محل الشبهات الأخلاقية. وفي سياق تناقضات الرجل الكثيرة، رابَطَ نشطاء فايسبوك أمام شريط الفيديو الطويل جدا، وهم يمنّون النفس بأن يتحلى محمد زيان بالجسارة والبسالة ويجيب عن سؤال محوري ومفصلي في هذه القضية: هل شريط المنشفة صحيح؟ وهل السيدة التي تظهر وهي تجفف ظهر النقيب السابق من جهة الأسفل هي إحدى موكلاته كما تم الترويج لذلك إعلاميا؟ لكن للأسف، استنكف محمد زيان عن الجواب المباشر وأدخل متتبعي الشريط في متاهة يستشف منها شيء واحد هو صحة الشريط المنشور. فقد ادعى بادئ الأمر أنه لن يخوض في موضوع الفيديو الفضائحي، قبل أن يردف حديثه بأن وهيبة "قادة بشغلها" وأنها سوف تعرضه على الخبرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم عاد مرة ثالثة للحديث عن " استجداء زوجته وأولاده بأن لا يسجلوا شكاية في الموضوع! شكاية ضد من؟ وما هي الأفعال الموجبة لهذه الشكاية؟ هل لأن الصحافة تجاسرت ونشرت أعضاءه الحساسة بدون ترخيص مسبق من العائلة؟ ولم تقف تجليات التناقض عند هذا الحد، بل لامست في كثير من الأحيان سقف الجهل القانوني، خصوصا عندما انخرط محمد زيان المحامي يتحدث عن مؤسسة قاضي التحقيق وأوامره المقيدة والسالبة للحرية، والتي أدرج ضمنها بشكل خاطئ تدبير الحراسة النظرية التي هي من صلاحيات ضباط الشرطة القضائية وليس قضاة التحقيق. أكثر من ذلك، انبرى محمد زيان يتحدث عن الحراسة النظرية كإجراء مسطري تصل مدته إلى شهرين قابلة للتمديد! والحال أن الاعتقال الاحتياطي الذي يقرره قاضي التحقيق هو الذي تصل مدته إلى شهرين قابلة للتمديد خمس مرات في الجنايات. ولعلّ المؤسف حقا في هذا الخلط غير المبرر، أن محمد زيان رفع نبرة صوته عاليا ليزعم بأنه هو من ساهم في إخراج قانون المسطرة الجنائية للوجود. فهل من يصدر القانون لا يميز بين الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي؟ وهل فقهاء التشريع والقانون لا يفرقون بين آجال وشروط وشكليات إجراءات البحث التمهيدي وتدابير التحقيق الإعدادي؟ وحده محمد زيان، دون غيره، هو من ظهر يقوم بذلك في شريط يوم أمس. حملة ازدراء.. مشفوعة بالسخرية وجد الكثير من رواد الفضاء الأزرق في شريط محمد زيان مناسبة مواتية لممارسة التدوين الساخر، والترفيه عن النفس عبر آلية التنكيت الفايسبوكي، خصوصا بعدما اقترح النقيب السابق على جهات لم يسميها "المبادرة بضبطه متلبسا بمضاجعة (معزة)". فقد كتب أحد المعلقين تعليقا ساخرا تحت عنوان "زوفيليا محمد زيان" جاء فيه " من سوء حظ المحامي زيان أن العنزة أو المعزة حسب تعبيره لا تستطيع تجفيف جسده بالفوطة كما فعلت السيدة التي ظهرت معه في الشريط". أما مدون آخر، فقد كتب" لقد آن الأوان لكي يغير محمد زيان شعار حزبه من (الأسد إلى المعزة)، وذلك حتى يتسنى تحقيق التناغم والانسجام والاتساق بين تطلعات وأماني المنسق الوطني للحزب وبين شعاره الانتخابي". ولم تقتصر حملة التدوين الساخر على شعار الحزب فقط، بل امتدت لتشمل أيضا حتى الأهداف الانتخابية لمحمد زيان. فقد طالب هذا الأخير بالتصويت عليه "لاسترجاع كل المغربيات من مختلف بقاع العالم"، وهو المبتغى الذي أعزاه نشطاء المنصات التواصلية إلى رغبة النقيب السابق في استرجاع الشرطية وهيبة من مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، أملا في إحياء ما وصفوها ب" غزوة المنشفة". وفي سياق ذي صلة، تجاوزت التدوينات المنشورة سقف الهزل الافتراضي لتمتزج بكثير من تعليقات السخرية السوداء، خصوصا عندما خيّر محمد زيان عموم المغاربة بين ثورة بيضاء عبر صناديق الاقتراع، وبين ثورة شعبية مقوضة لأركان ومرتكزات النظام العام. وقد شبّه أحد المعلقين كلام محمد زيان بما قاله زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن عندما خيّر العالم بين فسطاطين، فسطاط الخير وفسطاط الشر. أما مدون آخر، فقد كتب تعليقا يقول فيه " إن محمد زيان لا يحتاج لثورة بيضاء ولا سوداء ولا أرجوانية، وإنما هو بحاجة لثورة أخلاقية يقطع فيها مع نزواته الجنسية، ويضع فيها حدا لبرنامج انتخابي يراهن فيه على شريط إباحي يٌطبّع مع الخيانة الزوجية والإخلال العلني بالحياء". ولم تستفز مداخلة محمد زيان الفايسبوكية رواد الإعلام البديل فقط، بل استرعت انتباه العديد من زملائه المحامين ممن كانوا ينوبون أو يؤازرون في ملفات قضائية في مواجهته. فقد كتب الأستاذ محمد الهيني، القاضي السابق والمحامي بهيئة تطوان " على زيان أن يستر فضيحته بعيدا عن ضحايا بوعشرين. زيان انتفض ويا ليته انتفض دفاعا عن حقوق وحريات الناس، لقد انتفض لستر العورة لكن انتفاضته بعيدا عن لغة الفضيلة أو الرذيلة كانت تشهيرا لنفسه قبل أن تكون تشهيرا لموكلاتنا ضحايا بوعشرين". قبل أن يستطرد تدوينته " من حق زيان أن يقاضي من مس شرفه أو خدشه، بالقانون وليس بالهرطقات الإعلامية، كما أن ذلك لا يسمح له بالمس بالضحايا أو بالمس بالمؤسسات بدون دليل، لأن حديثه عن طلب إلغاء مؤسسة بعينها هو جنوح للجنون والتطرف". أما الأستاذ عبد الفتاح زهراش، محامي ضحايا توفيق بوعشرين، فقد خصّ بدوره موقعا إخباريا وطنيا بحوار صحفي، اعتبر فيه نفسه غير معني بما جاء في شريط محمد زيان، إلا في الشق المتعلق بما وصفه " بالكذب والبهتان الذي انخرط فيه النقيب زيان في حق ضحايا ملف توفيق بوعشرين"، مفندا في هذا الصدد "جميع ادعاءات الفبركة التي دفع بها محمد زيان، وكذا مزاعم التضييق المهني عليه"، مذكرا إياه بالتجاوزات والجرائم التي كانت موجبة لمتابعته قضائيا وتأديبيا، ويذكره أيضا بماضيه الأسود في مجال انتهاك حقوق الإنسان، خصوصا في قضية النقابي نوبير الأموي. وفي الختام، يلاحظ أن محمد زيان حشد فقط السخرية والاستهزاء من وراء خرجته الفايسبوكية دون أي شيء آخر. فلا أحد من المعلقين والمدونين أثنى على مشاريع ثورته الشعبية البيضاء، ولا أحد اقتنع بتبريراته التي ساقها حول شريطه الإباحي، ولا أحد تماهى مع مقترحاته بشأن حل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. لكن في المقابل، الجميع ازدرى واستهجن تهديدات محمد زيان الواهية باللجوء إلى كامالا هاريس نائبة جون بايدن للضغط على المغرب في قضية وهيبة خرشش، مثلما استهجن المغاربة تهديداته السابقة باللجوء للأمم المتحدة في قضية توفيق بوعشرين.