كثر الحديث هذه الأيام حول قنينات الغاز «البوطا غاز»، فما بين تصريحات وزراء الحكومة حول التكلفة الثقيلة التي يتحملها صندوق المقاصة من أجل دعم الغاز، والتي وصلت إلى 14 مليون دولار سنويا، أي 1400 مليار سنتيم، وبين مهنيي القطاع الذين يهددون بشل هذا القطاع واختفاء « البوطا » من الأسواق إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم. فما بين هذا وذاك، أصبح المواطن البسيط مهددا في عيشه، حتى تزداد مشكلة « البوطا » إلى مشكلة الدقيق والقمح، والمحروقات… لتزداد حياته سوءا وبؤسا. حرب « البوطا غاز »، اشتعلت مجددا، بين الحكومة وبين مهنيي القطاع، الذي هددوا بشن إضراب يشلّ حركة القطاع، ويؤثر على توزيع البوطا، خصوصا مع ترويج إشاعات تفيد بأنه إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم، فستختفي « البوطا » من الأسواق خصوصا وأننا على أبواب شهر رمضان. مصادر مطلعة ، كشفت أن مهتيي القطاع ، راسلوا لحسن الداودي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العام والحكامة، مراسلة كتابية توخوا من خلالها إعادة فتح باب الحوار، مهددين باختفاء « البوطا » في رمضان. الداودي أكد في تصريح نقلته جريدة « الصباح » في عددها الصادر اليوم، بأن الحكومة استجابت لمطلب مهنيي القطاع، بأن حذفت أداء الرسوم، لكنها لا تستطيع تلبية كل المطالب التي لها علاقة بتنفيذ قانون مالية 2019، واعدا إياهم بإمكانية مراجعة مطالبهم عند تحضير قانون مالية 2020. لحسن الداودي، أوضح أيضا، في تدوينة له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فايسبوك »، بأنه لن يتم اتخاذ قرار رفع الدعم عن قنينات الغاز، إلا بعد ضمان عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطن وخصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة، من خلال السجل الاجتماعي الموحد.. ». من جهته، قال عزيز رباح وزير الطاقة والمعادن، بأن دعم الدولة لقنينات غاز البوتان يصل إلى 1400 مليار سنتيم سنويا. الرباح أكد في لقاء مع وسائل الإعلام نظمته الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية نهاية الأسبوع الماضي، على أنه لكي يشتري المواطن قنية الغاز « بوطا غاز » ب40 درهما، فإن الدولة تدفع سنويا 1400 مليار سنتيم كدعم لهذه القنينة. وأوضح الرباح، بأن الدولة تدفع هذا الدعم لعموم المغاربة، سواء أصحاب الفنادق، المطاعم، المصانع، الفلاحين… كل هؤلاء يستفيدون من الدعم التي تخصصه الدولة لقنينات الغاز « بوطا غاز ». وأشار الوزير، إلى أن هذه الكلفة المالية الثقيلة، يمكن أن توظف في مشاريع أخرى، متسائلا: « ألا تعني 1400 مليار سنتيم، 1400 مشروع.. 1400 مدرسة.. 1400 تعاونية فلاحية… 1400 مصنع ». وأبرز الرباح خلال هذا اللقاء، بأن إنفاق كل هذه الأموال على مشاريع مهمة تعود بالخير على المواطن وعلى البلد، من خلال تشغيل أعداد كبيرة من اليد العاملة، خير من الاستمرار في دعم البوطا، هذا الدعم الذي لا يستفيد منه فقط الفقراء. وأكد الرباح، على أن التفكير الجماعي اليوم، هو كيف نعالج هذه القضية بالكفاءة الطاقية، كاعتماد الألواح الشمسية مثلا ، مضيفا: « نفكر اليوم، كيف نعوض قنينة الغاز هاته، بالألواح الشمسية، ونفكر أيضا في كيفية أن تذهب أموال الدعم مباشرة الى الفقراء والمحتاجين، حتى تستمر الحكومة في مساعدة الضعفاء، لأن الدولة اذا استمرت في دعم البوطا، فسيكون ذلك على حساب الفقراء، ونصبح أمام حلول بديلة أخرى، كالعمل 10 ساعات بدل 8 ساعات، وعوض مصنع واحد يجب أن يكون هناك 20.. ». أما مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، فأكد، على أن إحداث السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد يرسي ضمانات استهداف المستحقين، للرفع من مردودية الدعم. وأبرز الوزير الخلفي، بأن المغرب راكم تجربة معتبرة في مجال الدعم الاجتماعي تمخضت عنها بلورة شبكة من المعايير الدقيقة المرتبطة بالأشخاص والأسر، إلى جانب المعايير الموضوعية المنفصلة عن وضعية الأسر، تتعلق أساسا بالمجال الجغرافي ومدى الولوج إلى الخدمات وبالاعتبارات الديمغرافية والسوسيو-اقتصادية، ما سيمكن من تحديد الأشخاص المستحقين للدعم. تقترب الحكومة إذن من رفع الدعم عن غاز البوتان، ليحل محله الدعم المباشر للفقراء من خلال استهدافهم عن طريق سجل اجتماعي موحد، لتطرح مجموعة من الأسئلة: هل ستستطيع الحكومة أن تصل إلى كل أسرة فقيرة معوزة وتزودها بالدعم اللازم؟.. هل سيستطيع فعلا أن يغطي سجلّها الموحد كل المناطق والقرى النائية هناك في الجبال والبراري، والثغور والقفار؟.. ألن تدخل المحسوبية والزبونية في هذا السجل الاجتماعي الموحد؟ هل سيتستفيد الفقراء وحدهم من هذا الإجراء؟… والسؤال الأهم، ألم تجد الحكومة اي حل آخر سوى رفع الدعم عن غاز البوتان، لتخلق التوازن الإقتصادي في البلد، أم أن الفقير المعدم هو دائما من يدفع الثمن؟