المغرب 24 : محمد بودويرة أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن الزيارة التي يقوم بها حاليا للمغرب البابا فرانسيس تأتي “في سياق يواجه فيه المجتمع الدولي، كما جميع المؤمنين، تحديات كثيرة”. وأوضح جلالته في خطاب تاريخي القاه امام الالاف بحضور البابا فرانسيس، أن هذه التحديات التي تعد من نوع جديد، تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر، فضلا عن أطروحات دنيئة أخرى، مشيرا، إلى أن المملكة المغربية حريصة على الجهر والتشبث الدائم بروابط الأخوة، التي تجمع أبناء إبراهيم عليه السلام، كركيزة أساسية للحضارة المغربية، الغنية بتعدد وتنوع مكوناتها، وذلك في عالم يبحث عن مرجعياته وثوابته. وأشار صاحب الجلالة إلى التلاحم الذي يجمع بين المغاربة، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم، موضحا أن ''هذا التلاحم هو واقع يومي في المغرب. وهو ما يتجلى في المساجد والكنائس والبيع، التي ما فتئت تجاور بعضها البعض في مدن المملكة''. وقال جلالة الملك في خطابه التاريخي “وبصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية. وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين، على اختلاف دياناتهم”، مضيفا “وبهذه الصفة، لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين. فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية..وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب”. واستطرد صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالقول : “إننا في بحث متواصل عما يرضي الله، في ما وراء الصمت، أو الكلمات، أو المعتقدات وما توفره من سكينة، وذلك لتظل دياناتنا جسورا متميزة ونيرة، ولكي تظل تعاليم الإسلام ورسالته منارة خالدة”. ولفت جلالته أن ''الحوار بين الديانات السماوية، يبقى غير كاف في واقعنا اليوم''، مضيفا “ففي الوقت الذي تشهد فيه أنماط العيش تحولات كبرى، في كل مكان، وبخصوص كل المجالات، فإنه ينبغي للحوار بين الأديان أن يتطور ويتجدد كذلك”. لقد استغرق الحوار القائم على “التسامح” وقتا ليس بيسير، دون أن يحقق أهدافه، يقول جلالته الذي إستطرد بالقول “فالديانات السماوية الثلاث لم توجد للتسامح في ما بينها، لا إجباريا كقدر محتوم، ولا اختياريا من باب المجاملة؛ بل وجدت للانفتاح على بعضها البعض، وللتعارف في ما بينها، في سعي دائم للخير المتبادل؛ قال تعالى: “يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، صدق الله العظيم”. وفي السياق ذاته قال صاحب الجلالة: “فالتطرف، سواء كان دينيا أو غير ذلك، مصدره انعدام التعارف المتبادل، والجهل بالآخر، بل الجهل، وكفى. ذلك أن التعارف المتبادل يعني رفض التطرف، بكل أشكاله؛ وهو السبيل لرفع تحديات هذا العصر المضطرب. واستدل الملك بقوله تعالى: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات”، صدق الله العظيم”. ولمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإن الحل لن يكون عسكريا ولا ماليا؛ بل الحل يكمن في شيء واحد، هو التربية، يقول جلالة الملك، مضيفا “فدفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل. ذلك أن ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوما الدين. واليوم، فإني بصفتي أمير المؤمنين، أدعو إلى إيلاء الدين مجددا المكانة التي يستحقها في مجال التربية”. وقال جلالته “ولا يمكنني وأنا أخاطب هؤلاء الشباب، ألا أحذرهم من مخاطر التطرف أو السقوط في نزوعات العنف، فليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين”، مضيفا “لقد حان الوقت لرفض استغلال الدين كمطية للجهلة، وللجهل وعدم التسامح، لتبرير حماقاتهم. فالدين نور ومعرفة وحكمة. والدين بطبيعته يدعو إلى السلام، ويحث على استثمار الطاقات في معارك أكثر نبلا، بدل هدرها في سباق التسلح، وأشكال أخرى من التسابق الأعمى”. “ولهذا الغرض، -يقول صاحب الجلالة- أحدثنا مؤسسة محمد السادس للعلماء. وفي نفس السياق، استجبنا لطلبات العديد من البلدان الإفريقية والأوروبية، باستقبال شبابها في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات”، مضيفا “بصفتنا أمير المؤمنين، فإننا نتقاسم والحبر الأعظم، الإيمان بنفس القيم الروحية الفاعلة، التي تنشد خدمة الصالح العام”.