بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على أداء سلبي    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    حادث سير مروع يتسبب في وفاة شخصين بعد اصطدام شاحنتين    إطلاق برنامج طلبات عروض مشاريع دعم الجمعيات والهيئات الثقافية والنقابات الفنية والمهرجانات برسم سنة 2025    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    أمن فاس يوقف 6 أشخاص متورطون في الخطف والإحتجاز    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    مجلس جهة الشمال يصادق على مشروع لإعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء بالحسيمة    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    دونالد ترامب يأمر بتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا    الوكالة القضائية للمملكة تعلن استصدار 360 حكما ضد المحتلين للمساكن الوظيفية    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    أسعار الأكباش تنخفض 50%.. الكسابة يحذرون من انهيار القطاع في جهة الشرق    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    مصادر: اغتيال مسؤول كبير بحزب الله    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية بالقدس الشريف    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات تتضمن نظام تصنيف رسمي ومستقل    بنك المغرب يحذر من محتوى احتيالي    المغاربة المقيمون بالخارج.. تحويلات تفوق 9,45 مليار درهم خلال يناير    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان" لفائدة مليون أسرة مغربية    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانقلاب العسكري في تركيا .... قراءة في الحدث وأبعاده.

يصعب تقفي حقيقة واقعةالانقلاب العسكري في تركيا، كل المعلومات المتدفقة،عبر مجاري شبكاتالأخبار والتواصل، مجرد قصاصات وروايات، تحتمل أجزاء منها ملامسة حقيقة ما جرى، لكن ثمة أجزاء يكتنفها الغموض، المفضي إلى الزيف والبهتان، والأسوأ، غموض يزداد عمقا، مع توالي سياسة ردود الأفعال والقرارات العقابية، خارج القواعد الديمقراطية.
إلا أن مستلزمات الثبات على أرضية محددة، يدفعناإلى قراءة واستقراءما وراء الحدث، عبر بوصلة، تمكننا من ضبط أبعاد القصة، بما تختزنه من ممكنات، ومن دلالات.
هذا الزمن لا كالأزمنة، لكنه يذكرنا بالعديد من مفجرات الحرب، ومحفزات السلم عبر التاريخ، ليستحضر أمام أذهاننا أحداثا عرضية، شكلت منعطفا غير وجهة الحضارات الإنسانية المتعاقبة، ومضت بالبشرية من منحى إلى آخر، ومن أطوار إلى أخرى، رغم أنها أحداث غارقة في البساطة، تلك سنة الخالق في خلقه، لمن شاء أن يعتبر...
عبر كل الارتسامات، والوسومات المتداولة في العالم الحقيقي والافتراضي، يجري الحديث عن انقلاب عسكري في تركيا، وقد تملكني هاجس إصرار قوي، للبحث وتقليب هذا المسمى، بين مستلزمات الاصطلاح، وشروط النجاح.
بصريح القول، لا أستطيع الجزم أن الأمر يتعلق فعلا بانقلاب عسكري، ثمة بون شاسع بين ما جرى في تركيا ليلة الخامس عشر من يوليوز/تموز 2016، وبين معنى الانقلاب العسكري، مكتمل الأركان والأوصاف.
لكنني، تفاديا لإغراق المقال في متاهات سجال الاحتمالات، اقتصرت ان يتخذ المقال سبيلا محددا، يعتمد طرحا، يلامس رزم الخيوط، بين مصادرها ومآلها، ليجسد الصورة العامة،حول مجريات الواقعة، التي كادت تعصف بمصير ديمقراطية فتية، بحاجة إلى العناية بدل التخريب والدمار.
ما جرى أقرب بكثير إلى عصيان وتمرد منه إلى انقلاب، جرى الترتيب له على مستويات منخفضةنسبيا في منظومة الرتب العسكرية، وإن كانت الشخصيات الرئيسية قريبة من القيادة العسكرية العليا، لكنها لا تملك ناصية القيادة، فضلاعن ذلك، فهي فاقدة منذ بدايتها للشخصية الكاريزمةالتي يمكن أن تقودها أو توجهها، إلا أن الحديث عمن وراء الحادث، الذي ذهب بأرواح أكثر من مائتي شخص، يطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الجهة التي أقدمت على هذه الخطوة العجيبة، والجهات التي يصب الحادث في مصلحتها، والجهة التي أوكل لها التخطيط، وتلك التي أعطت الإشارة، وتلك التي تكفلت بالتدبير والإدارة...
هذا العصيان العسكري، يرجح أنه عمل جرى بأيادي، لعبت دورا وظيفيا، لخدمة مؤامرة، ذات خيوط متعددة، تمتد عبر جهات إقليمية،نحو أخرى دولية، لديها أهداف، ربما لا تنسجم حتى مع مايتطلع إليه خصوم العدالة والتنمية، داخل الحلبة السياسية التركية، أولئك الخصوم، الذين أبانوا عن التزام فعلي،جدير بالاحترام، بمبدأ الديمقراطية، ، فيما بدت ورقتهم ضمن معادلة التآمر، عديمة الأثر.
عبر كل التصريحات والإجراءات والتحقيقات الجارية، تشير أصابع الاتهام، ومن كل الاتجاهات، إلى جماعة فتح الله كولن، لتطفو على السطح قائمة من بواعث الاستغراب، حول الطبيعة الفكرية لرواد هذا العصيان العسكري، والمدني إلى حد ما، ما يدفعني دفعا نحو الشعور بالريبة والشكك، إزاء منحى لا يعبر عن الحقاق كما هي، بل يزيدها قتامة وغموضا.
فإذا كنا على دراية بالتموجات الإيديولوجية وفسيفساء الطبقات المتحكمة والحاكمة، التي تطبع نزعات الأنظمةو''الحلبة السياسية المظهرية'' في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، فإن هذا العصيان/التمردلم يكن لينتصر للتيار العلماني أو اليساري أو حتى الليبرالي، ولم يكن في مواجهة المد الإسلامي بالمعنى المناسب للكلمة، فجماعة فتح الله كولن تتقاطع على مستوى القيمالفكرية التي تروج لها مع باقي مكونات التيار الإسلامي، ممن دخلوا غمار السياسة، بل يمكن اعتبار الجماعة قاعدة خلفية، ساهمت بقدر غير يسير في سطوع نجم العدالة والتنمية التركي منذ بدايته، وإن كان ذلك محصورا في الشق الاجتماعي والاقتصادي.
لذلك، يكاد يبدو من ظاهر الواقعة أن الهدف يقتصرعلى محاولة وأد ''الحلم''الأردوغاني، وهذا الطرح يصعب استساغته، إذا ما اقتصرنا في حصر مسؤولية ما جرى في جماعة كولن، أو إن صح التعبير، في شخصيات مرموقة، محسوبة على جناح فتح الله كولن.
الطرح يدفعنا إلى تساؤلات ، حول مدى منطقية تورط جماعة كولن في المؤامرة، باعتبارها افتراضا، كيانا موازيا، وذلكعلى النحو التالي :
كيف لجماعة غير رسمية من الناحية المؤسساتية، ولا تتمتع بمد شعبي بالمعنى الكمي،الذي يمنحها الثقل المعنوي اللازم، حتى تسعى إلى قلب نظام الحكم، أو قلب الطاولة على حكومة، منتخبة ديمقراطيا، دون أن تكون مسنودة في محاولتها هاته، من أطراف سياسية مناوئة للحكومة؟، حتى لو افترضنا تمتعها بقوة اختراقعبر كوادر،فيأهم مفاصل الدولة؟...
كيف لجماعة تحصر دورها في الجانب التربوي والاجتماعي والاقتصادي، معروفة بنزوعها التصوفي الخاص والمتميز، تتبنى فكر الفرقة الماتريدية المعروفةالمنهج، ترفض استغلال الدين في السياسة، حسب ما تروجه في أدبياتها، أن تغامر بهذه الدرجة من التهور والهذيان، لتصفية حسابات شخصية ناقمة، في وجه تيار يشاطرها المرجعية الإيديولوجية، حتى لو اختلفا من ناحية المنهج والأهداف...
لكن كل هذه التساؤلات، قد لا تشفي غليل التحليل، لفهم خيوط المؤامرة، إذا استحضرنا العوامل الخارجية المفترضة، للدفع نحو هكذا تحرك، في ظل ما تشهده المنطقة من تخبط ومن حروب فتاكة.
إقليميا، لدينا تيار سلطوي تحكمي نافذ، يجمع بين الاستبداد والانتهازية، يعيش أفضل أوقاته اليوم، يسلب من الشعوب هويتها، وينتزع منها كينونتها، ترى في المطالبة بالديمقراطية خيانة عظمى، والدود عن واقع الاستبداد، ومنهج النهب والفساد وتوزيع المغانم رجاحة فكر وسداد رأي، وقد التحقت بهذا التياربعض الهامات، ذات النزوعات الإيديولوجية المتياسرة، تشاطر رواد هذا التيار هما مشتركا أساسيا، يتمثل في معاداة المد الإسلامي،الذي يهدد نفوذهم وجبروتهم، هذا التيار يتواجد تقريبا في كل الأقطار العربية والإسلامية، من محيطها إلى خليجها، حيث تعود جذور تشكيل هذا التيار إلى تراكمات، وترسبات لمسلسل من الإخفاقات والانفصام السياسي والهوياتي، الذي أصاب الكيانات المجتمعية العربية والإسلامية، واستطاع أن يحقق التوازن القسري، لضمان التحكم في آمال الشعوب، وفق معايير ميزان، تضبطه قوى تحكم عالمية، وباتتتشكل اليوم دورا وظيفيا، في تنفيذ أجنداتها الماكرة...
الطريف أن هذا التيار، المتعدد في مشاربه، ظن غباء وبلادة، خلال بداية الواقعة، أن العملية بالفعل تتعلق بانقلاب عسكري، لن يخطأ المرمى، وراحت زبانيته تكشف عن وجهها الثعلبي الماكر، من خلال التشفي وتأييد ''الثورة''في وجه ''التجربة الأردوغانية''، وحين انكشفت المصيدة، راحت تروج لانقلاب مفبرك، أردوغاني الصنع، لتتضح الصورة، بأن الأمر ربما أبعد من كل هذا وذاك، فلا خصوم أردوغانكانوا على حق، ولا الموالين له كانوا على صواب...
استقراء لما وراء الحدث، القوى الإمبريالية المحكمة في دواليب السياسة والاقتصاد العالميين ضالعة في الحدث، من ناحية توفير الدعم والتحريض، من وراء ستار التيار السلطوي،ولعل بؤر التوتر، في كل من سوريا، العراق، ليبيا واليمن شاهدة على المخطط المبني على مبدأ الفوضى الخلاقة، وخلط الأوراق وصناعة الحروب وخوضها بالوكالة، حيث تتدخل عبرها كل الأقطاب المتصارعة في العالم، بصغيرها وكبيرها، وتكتب تاريخ مجدها الوهمي بمداد من دم،من خلال جرائم عنف وإبادة...
إن ما ثم تدبيره في تركيامجرد مغامرة في الهواء، حتى وإن كان المتمردون موظفين سامين، لهم من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهم لوضعهم في خانة النخبة، لكن اندفاعهم وتخطيطهم الاستراتيجي كانا على درجة من السذاجة والغباء، لذلك، فالمنحى المتهور الذي اتبعه المتمردون يعود إلى أربع عوامل رئيسية :
- اعتقدالمتمردون بأنهم مسنودون، سندا حقيقيا، من جهات داخلية، وبالخصوص جهات خارجية، قادرة على تزكية خطوتهم العصيانية، من أجل الارتقاء بها إلى انقلاب عسكري مكتمل الأركان، لتسطو بذكاء ماكر على دواليب الدولة وإزاحة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا : هذا المعطى أزاح من حساباتهمبكون هذه الجهات تشتغل بمنطق مغرق في المكر، بحيث تنقطع كل الأوصال التي تربطها بالمتمردين، بمجرد فشل المحاولة، فيما تتمكن من ركوب الموجة حين تتأكد من أن المؤامرة قد حققت أهدافها الأولية، لتوزع ما تبقى من أدوار، على أدرع أخرى، قد تكون محلية وإقليميةودولية، في المجال الإعلامي، والاستخباراتي والسياسي، عبر زخم يتعاظم مع تفاعل مماهي من قبل عامة الناسمع تطور الأحداث...
- اعتقدوا أن العملية ستنجح ما داموا يملكون قوة جوية قادرة على دب الرعب في الناس، وقوات عسكرية متنوعة على الأرض، مع اعتماد مبدأ الصدمة والترويع : هذا الطرح بدا من السذاجة بما كان، حين أغفل مدبرو العصيانمن حساباتهم دور القوة الناعمة، المتمثلة في تكنولوجيا التواصل، التي باتت وسيلة خطيرة لقلب مسارات الأحداث، فضلا عن دور أجهزة الاستخبارات، الأكثر قدرة ضمن باقي مؤسسات الدولة، على احتكار المعلومة وتدوريها، ومبارزة الخصوم بها وعبرها، بأساليب وأدوات، أغلبها لا يخطر ببال...
- اعتقدوا أن شعب تركيا في 2016 لا يقل وهنا وضعفا وسخطا وعشوائية في الرأي، قياسا مع وضعه إبان الانقلابات السابقة، 1960،1971، أو حتى 1997 : هذا الانطباع أزاح من حسابات هؤلاء المتمردين تفاعل وانفعال الشعب التركي،هذا الشعب الذي لمس حسنات السياسات العمومية الحالية، التي جاء بها حزب للعدالة والتنمية خلال ترأسه للحكومة، منذ منتصف 2002، وراح يقطف ثمارها اليوم، وبالتالي، تشكلت لديه ثقة في حكومة تدافع عن ثوابت دولة، وفق منهج ديمقراطي واضح رغم بعض المؤاخذات، لكنه يراعي حق شعب مسلم في غالبيته،له إرادة عاقلة وناضجة، مؤمن بعلمانية الدولة وبحق الجميع، بما فيها الأقليات بكل فسيفساءها، في الحرية والكرامة، حكومة صادقة، غير سارقة، ولا منبطحة تحت وصاية مخزية،خلافا لبعض الشعوب المتخلفة، التي تجد حكوماتها بارعة في إعطاء دروس في الديمقراطية إلى الغير، في حين تعكس ممارستها السياسية أبشع مظاهر التخبط والانتهازية والانزواء، فهذه الشعوب هي الأكثر قابلية للتعايش بل التأقلم مع الفساد، والظلم والاستبداد، وهكذا، فقد تكونت لدى الشعب التركي مناعة سياسية، ورغبة واستعدادالا يقاوم للدود عن وضع سياسي،يخدم غاية رفاهيته، بعدما أرسى أسس العدالة الاجتماعية.
- إن شعبا داق طعم الديمقراطية، ولمس محاسن حسن اختيار النخبة السياسية، لا يمكن الغدر بإرادته، وإذا كان لدى جماعة كولن أو غيرها، رغبة جامحة ''افترضا''، للنيل من خصومها في العدالة والتنمية ، ولو كان غرضهم حماية العلمانية والديمقراطية في تركيا، فإن السبيل الوحيد والبسيط أمامها، يكمن في خلق جماعات ضغط ولوبيات، قادرة على التأثير في إرادة الناس، لتغيير مواقفها من الحكومة القائمة، وتجسيد ذلك عبر صناديق الاقتراع، السبيل الوحيد لتحقيق تغيير الوجوه والأحزاب في المجتمعات الديمقراطية.
كل هذه الهالة وما آلت إليه الوقائع، لا يمكن أن تخفي علينا السيرورة التاريخية لواقع الحال، السياسي والسوسيو اقتصادي التركي، باعتبار ذلك مرتكزا طبيعيا لكل التطورات المحتملة، فكل المتتبعين يدركون أن جماعة كولن جماعة اجتماعية وخدماتية،حديثة النشأة بمعيار عامل الزمن، قياسا مع ما كان يعرف في تركيا خلال بداية القرن الماضي، كجماعة الاتحاد والترقي، وحركة التتريك، والدولة العميقة، وهي مسميات وتحركات لمتنفذين، متطرفين سياسيا، لهم أجندات محلية وأخرى أجنبية تابعة، حركوا عجلة السياسة التركية نحو وجهات متعددة، قسرا وقهرا، وصنعت نخبة التحكم والتسلط، وتركت بصمات كبيرة وغائرة في ذهنية الشعب التركي، وكان النزاع مع الكرد والعداء المستتب للإسلاميين السمة البارزة فيه، بدعوى حماية العلمانية التركية...
لكن اليوم، لم يعد انشغال الشعب التركي، بحماية العلمانية الأتاتوركية بهذا المنطق الأرثودوكسي، بل بات منشغلا أكثر فأكثر بحماية الديمقراطية الفتية، ولا يمكن لعاقل أن يصدق بأن الانقلابيين العسكريين، يقدمون على فعلتهم من أجل حماية الديمقراطية، علي أن أكون أهبلا ومخبولا، حتى أصدق قائدا عسكريا، ترعرع تفكيره في براثن التراتبية، المرادف الطبيعي، نفسيا وسلوكيا، لمعنى الاستبداد، كي يلقن المدني أصول الديمقراطية، ويشعره بأن تدخله إنما لتحصين الديمقراطية، هنا يكمن جوهر الإشكال، الذي أسقط المتمردين في خيانة عظمى لشعب، نفذت إلى كيانه قيم الديمقراطية، وراح يتلمس خطاه نحو الديمقراطية الحقيقية.
في المحصلة، شاء القدر أن يشكل العصيان العسكري التركي منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية في تركيا، وربما إقليميا، لكنه يستبطن الكثير من الشكوك والمخاطر المحدقة :
- السيد أردوغان خرج من هذا العصيان والتمرد، الذي روج له انقلابا عسكريا، بمنزلة الزعيم القوي، لكن خروجه مستأسدا، ينطوي على خطر يهدد خروج الديمقراطية التركية الفتية من عنق الزجاجة سالمة، حيث أن قيم الديمقراطية تقتضي عدم الانجرار وراء نشوة الانتصار على خصم، سواء كان خصما حقيقيا أم هلاميا، والنزوع نحو مغامرات انتقامية شخصية، وما يستتبع ذلك من خطوات سعى إلى تخريب حياة أطر وكوادر في المجتمع، عقابا لنواياها، مما قد يجعلها أكثر جنوحا نحو الاحتقان ورد الانتقام، فنحن لسنا أمام متابعة لمئات، بل لعشرات الآلاف، وربما لمئات الآلاف، والأدهى، أننا أمام محاولة للنيل من بنيات اجتماعية واقتصادية متعددة ومتشابكة، وهي خطوات ليست ديمقراطية بأي حال من الأحوال، وما دامت تحاكم النوايا والمواقف.
- إن معالجة العصيانأو التمرد، تقتضي بداية الخروج من الحالة النفسية الفردية والجماعية، التي يعيشها الشعب التركي والحكومة التركية، واحترام القانون في معاقبتهم، وإشراك كافة الفاعلين في الحلبة السياسية في تدبير الأزمة، والتحقيق العميق فيما جرى،والتعاطي مع ما قد يجري بمسؤولية وتوازن، إذا كان الغرض من الخطوات الواجب اتخاذها صيانة الديمقراطية فعلا، حتى لا يرقى التفاعل إلى السقوط في براثن تصفية الحسابات، التي باتت طبولها تقرع بقوة وحشد، وكل معاقبة سريعة، خاصة عبر إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، لن تكون حلا ديمقراطيا على الإطلاق.
- ينبغي أن يدرك سياسيو العدالة والتنمية التركي أن خروج الشعب، تلبية لنداء الرئيس، قد يكون ردا للجميل، وإيمانا بما قدمه الزعيم لخدمة شعبه،لكن قطعا، جاء اصطفاف كل فسيفساء الشعب ضد المحاولة التمردية، دفاعا عن الديمقراطية، وتحصينالها، من براثن الاستبداد، التي لا تنبث إلا الفساد والصراع، وضياع الناس، فرادى وجماعات.
- لا يمكن أن تكون السياسة في تركيا حكرا على العدالة والتنمية، ولا ينبغي لها ذلك، ولا يمكن أن يبقى الحزب قويا مستأسدا على غيره من باقي الأحزاب السياسية، يقتات من وهنها.
- ينبغي على النخبة السياسية التركية أن تدرك أن المستهدف الأول من واقعة التمرد والعصيان، أو ما درج على تسميته انقلابا عسكريا، يتمثل في نجاح الشعب التركي، في صناعة نخبة سياسية جديرة بالمسؤولية التي على عاتقها،حيث دبت قيم الديمقراطية في مفاصل الشعب،وجعلته في وضع الاستعداد لحمايتها، لكن على الجميع أن يدرك أن المؤامرت لن تهدأ، بل ستشتد وستستعر، خاصة في ظل حكومةالعدالة والتنمية، ورئيس يروم في خطاباته، وربما في توجهاته الاستراتيجية، إلى مساندة الأمة الإسلامية في همومها، وهي خطوط حمراء، وضعت أسسها قبل المد الإمبريالي الغربي على الشعوب المتخلفة، وعقب سقوط الرجل التركي مريضا، لقرن من الزمن، إلى حين اندحاره.
- ثمة هندسة دستورية وقانونية ومؤسساتية، قادرة على تحصين الديمقراطية الفتية في تركيا، يكفي وضع أسسها وعوامل نجاحها بذكاء وبعد نظر، لتحقيق المعجزة الديمقراطية، داخل مجتمع، لا زال يمني النفس، للتغلب عنموبقات الوهم والضياع، حيث إقحام الدين الإسلامي الحنيف في تبرير جرائم الظلم والطغيان، ظل طوال التاريخ سلعة رائجة.
خلاصة القول :
لأن الجهل منبث الظلم والفساد والاستبداد، فإن الشعب المتعلم منبث للديمقراطية، وحين يتذوق الشعبطعم الديمقراطية الحقيقية، يصير من المستحيل خداعه، أو بيعه وهم التغيير عبر الانقلابات والمؤامرات والدسائس ونحوها، لأن التغيير لا يتحقق إلا عبر صناديق الاقتراع، عبر انتخابات شفافة، يخوضها المتنافسون، لينتصر من يقدم الأفضل للشعب، خادما له، لا لغيره...
عبد الإله الخضري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.