المجتمع المحافظ هو المجتمع الذي يتميز بسيادة الفكر الواحد وشيوع ثقافة نمطية في التعامل مع العالم الخارجي من جهة والداخلي من جهة أخرى، هو المجتمع المنغلق على نفسه الذي لا يرى خيرا في اعتناق أفكار خارج الفكر السائد، هو المجتمع الذي يرى العيب في كل ثقافات العالم ويرى الشر في كل أديان العالم ويرى العبث في كل إنسانية العالم إلا نفسه التي يرفع مقامها إلى أقصى الطهرانية، شعب يقدس نفسه إلى مستوى النرجسية تحت شعار الشعب المختار. المجتمع المحافظ يرفض أي سلوك استثنائي لا يعبر عن الفكر الجمعي وتصور الجماعة، وبالتالي أي سلوك فردي يجب أن يتماشى ويتناغم مع سلوك الجماعة بالسلب أو بالإيجاب، والإستثناء معرض للعقاب الجماعي باسم الدفاع عن المقدس الهوية الدين والتقاليد... في بنية المجتمع المحافظ تجد رجال إما سياسة أو دين أو ثقافة في التاريخ هم أساس من استنبتوا عقيدة الإنكماش على الذات ومواجهة كل من يحاول زعزعة الفكر السائد من مكانه التصوري لدى العامة، العامة هم مختبر التجريب، وبالتالي فاتهامات من قبيل خيانة الثقافة والدين شيء وارد في وجه كل من يحاول التغيير والتجديد والإبداع، اتهامات بالجملة تدخل وتستقر في اعماق العامة ضد كل من أراد التعبير خارج السرب، وكل من يحاول التغريد خارج سرب الجماعة فهو كافر زنديق عميل جاسوس ... هي الفزاعة التي ترسل وترفرف في كل تجديد او ابداع في كل محالات الحياة. ولكن الحال نقيض ذلك، فالفزاعة ما هي إلا غطاء بسيكلوجي يدغدغ شعور العامة، وخاصة وكما يعلم العالم نسبة الأمية في هذه المجتمعات تحقق الأولوية ناهيك عن غياب تام لثقافة المطالعة لتصل نسبة القراءة لمعدلات منخفضة لدى الفرد الواحد، حتى قيل أن مجموعة دولة عربية معينة لا يتجاوز معدل القراءة فيها لأصغر حي بمدينة أوروبية، هذا الجانب المظلم في تحصيل العلم، ولاشك أن تشكل الفزاعات ونشوئها تخدم المصالح البرغماتية السياسية المحضة خاصة الطبقة الحاكمة والبرجوازية. والملاحظ أن الفزاعات المحافظة تجتاح الطبقات الإجتماعية خاصة الفقيرة والهشة التي تفتقر لأدنى مقومات الكرامة في الحياة، باعتبارها الفئة المستهدفة، فعوض أن تنتفض الفزاعات الشعبوية ضد الطبقية والظلم والفقر والاستبداد السياسي والتسلط الديني والقهر الإقتصادي والكبت النفسي والجهل المقدس ... تجدها تنتفض ضد تنورة أو قبلة أو فيلم أو مسرحية... مع العلم أن ما يحصل في الخفاء والواقع من تناقضات مع الكلام والنظري هو من صنع هاته الفئة الهشة، إنه التناقض الرمزي والمعنوي والمادي للمجتمعات وتعدد الوجوه والأفعال في الشخصية الواحدة. لكن الملاحظ من الناحية الواقعية أن خريطة التفكير في المجتمع – الفئة الهشة فكريا وماديا- الذي يتغنى بالمحافظة ليس على درجة واحدة سواء في البنية أو التحليل، لا يتقاسم نفس الأفكار الجمعية، مجتمع على الاقل غير مترابط ثقافيا وفكريا، وبالتالي لا يمكن بأي حال القول بأحادية الفكر وإطلاق لفظ المحافظة على عواهنها كما يطلقها تجار الدين والسياسة والإقتصاد الذين يستفيدون من خيرات هاته الفئة الهشة، فتمت تفاوت مجتمعي بين من اجتمعت لديها ثقافة الوعي والفهم والتحليل والقراءة مما جعلها تنتقد المجتمع الذي تعيشه بالوسائل المتاحة... وتبرز التتاقضات الصارخة الذي تعتريه، وبين من اجتمعت لديها ثقافة الأمية والفقر المؤدى إلى التحريض على الكراهية والعنف الرمزي، والنتيجة عنف وتصفية جسدية. ثم عن أي مجتمع محافظ يتحدث الجميع، وما هي الأشياء التي يحافظ عليها ويدغدغ بها شعور الناس حتى يصبح شعورا قوميا أمميا، الملاحظ أن موضوع المحافظة غالبا تطلق فقط على موضوع الأنثى في شكلها الهندسي وطريقة لباسها، فتعلوا أصوات للنقاش والقول بأن المجتمع محافظ، أو موضوع التغاير الجنسي في العلاقات بين نفس الجنس الواحد أو الموسيقى أو السينما والمسرح... لكن تخفت الأصوات كليا عندما تسقط كرامة الإنسان ويطغى الظلم والتسلط السياسي والفقر والأمية ... ازدواجية الخطاب، فلا ترى محافظة تقول نحن محافظون فلنعمل من أجل الكرامة والحرية والعادلة والمساواة وسيادة القانون... فقط المحافظة تتعالى في موضوع الجنس، حتى قيل أن المحافظون يتخصصون فقط في الجنس مع العلم أن الجنس ليس أنوثي فقط كما في ثقافة المجتمع المحافظ بل الجنس أو العهارة يشارك فيه العاهر الذكر والعاهرة الأنثى... حاليا المجتمعات المحافظة تعيش أزمات اقتصادية مادية وفقر ختى التخاع، تعيش أمية متفشية وجهل فادح، تعيش بطالة وأزمة في الشغل، تعيش أدنى سلم اجتماعي ... مما يجعلها لقمة سهلة للإستغلال بيد ميليشيات الداوعش الدينية أو السياسية ... المجتمع الذي يصمت نهائيا باسم المحافظة أمام الظلم الإقتصادي والسياسي والعلمي... ويصرخ فقط ضد أغنية وضد أنثى وضد فيلم .. هو مجتمع فاقد للأهلية لا يستطيع تحقيق النهضة، وفعلا يستحق أن يتم استغلاله من طرف لوبيات الإقتصاد والسياسة والدين. باحث في الفلسفة وتاريخ الأديان بجامعة محمد الخامس الرباط. * Fb :Elmahdi Bouchdouk