بقدر ما أدخلت الثلوج المتساقطة منذ أيام بكميات كبيرة البهجة على الكثيرين خصوصا في العاصمة، بقدر ما حولت هذه الثلوج حياة آلاف الجزائريين إلى كابوس، يدخل يومه السادس، في ظل ارتفاع سمك الثلوج إلى ثلاثة أمتار ببعض المناطق، ومصرع ما لا يقل عن 30 شخصا. ويقول كبار السن إنهم لم يعيشوا هذا المشهد منذ عام 1949. وكان مشهد سقوط الثلوج بمنطقة بشار الصحراوية قبل ما يزيد عن 15 يوما منظرا ساحرا جدا، كما أشاع في نفوس سكان العاصمة الجزائرية مظاهر البهجة والفرح، وفسح المجال أمام كثيرين لأخذ صور تذكارية، كما انشغل كثيرون بتجسيد رجل الثلج في الشوارع والأزقة. لكن الأمور لم تكن كذلك في المناطق الداخلية للجزائر، حيث أدت العاصفة الثلجية التي تضرب البلاد للمرة الأولى منذ عام 1949 بحسب شيوخ وعجائز كبار في السن، إلى تدخل قوات الجيش الجزائري في القرى والمدن التي تقع في مرتفعات شمال ووسط وغرب البلاد. قطعت الثلوج 150 طريقا، خصوصا في ولايات سطيف والبويرة والمدية وتيزي وزو. كما وصلت درجات الحرارة مستوى ناقص سبع درجات في بعض الولايات خصوصا في الليل، كما حال ولايات الجلفة والبيض وسطيف وباتنة. وفتحت الإذاعة الجزائرية خطوطها لاستقبال نداءات استغاثة لمواطنين يتواجدون في أماكن معزولة، وفي هذا الإطار اتصل مواطن يقطن في قرية "بوجلال" النائية بولاية تبسة الحدودية مع تونس، ليطلب من السلطات التدخل لفك الحصار عن القرية التي تقيم بها 100 عائلة، وقال على أمواج الإذاعة " أرجوكم أنقذونا نحن محاصرون بالثلوج منذ خمسة أيام، وأمي مريضة بالسكري وهي تكاد تموت بين يدي". وفي ولاية سوق أهراس، يعيش 9 آلاف نسمة ببلدية عين الزانة الواقعة بالحدود التونسية حالة عزلة شديدة، وفي شمال ولاية سطيف شرق البلاد، إحدى أكثر الولايات ارتفاعا عن سطح البحر، فقد استعاد السكان هناك أجواء العصور البدائية، وعادوا هناك لاستعمال الحطب والشموع والمدافئ الحديدية. وقال مواطن يقطن بمنطقة ماوكلان عبر الهاتف مع "العربية.نت" إن "سمك الثلوج وصل قرابة مترين، والجميع يشعر بالخوف من هذه العاصفة الثلجية، فكل شيء مقطوع عنا ولا نستطيع الخروج من بيوتنا"، مؤكدا بقوله "نفتقد التدفئة والكهرباء تنقطع ولهذا عدنا لاستعمال الحطب والقمع المطحون ومصباح الفتيلة". الخنازير والذئاب تقتحم القرى بحثاً عن الغذاء وقد تدخلت قوات الجيش الجزائري باستعمال المجنزرات، لفك العزلة عن القرى المعزولة في ولايات كسطيف وجيجل والمدية والبليدة. وقدمت قوات الجيش للمنكوبين وجبة "جندي مقاتل" التي تقدم في العادة للعساكر، أمام الحاجة الشديدة للمؤونة. وتلقت مصالح الدرك الوطني 12 ألف نداء استغاثة على رقم خاص وضعته لاستقبال شكاوى المواطنين، وتبعا لذلك تم إنقاذ 500 امرأة حامل بحوالي 28 ولاية خلال الأيام الأربعة الأخيرة. واهتمت الصحف الجزائرية بمتابعة أخبار العاصفة الثلجية التي تضرب البلاد، وأوردت أن الخنازير والذئاب والثعالب أجبرت على الخروج من جحورها ودخلت المدن بحثا عن الطعام، كما هو الحال في قرى القل بولاية سكيكدة وأعالي برج بوعريريج. وسياسيا، استثمرت بعض الأحزاب في أزمة البرد، حيث بعثت حركة النهضة الإسلامية بمساءلة لوزير الطاقة، يوسف يوسفي، عن سبب إخفاق الحكومة في توفير الغاز والكهرباء والوقود للمواطنين المنكوبين رغم أن الجزائر بلد رائد في إنتاج المحروقات. أما شعبيا، فقد أدى سوء الأحوال الجوية في أماكن كثيرة إلى احتجاجات شعبية بسبب الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي. وشوهدت طوابير طويلة أمام محطات التزود بقارورات غاز البوتان بينما اشتكى كثيرون من المضاربة في أسعارها، حيث ارتفع سعرها إلى حوالي 900 دينار ( قرابة 10 دولار) في بعض المناطق. وأجبر عديد المواطنين على استعمال الجرافات لنقل المرضى كما هو الشأن مع سكان إحدى قرى ولاية تيزي وزو، حيث أظهرت إحدى الصورة المنشورة على "فيسبوك" مجموعة من الشباب وهم يحملون مريضا فوق جرافة وسط أكوام عالية من الثلوج.