لطالما و نحن صغار – بل و حتى كبار - سمعنا أمهاتنا و جداتنا يرددن بكل ثقة عبارات تبعث على الحيرة و التعجب من قبيل : " أولدي , ما تمسحش قاع الكوكوط راه غادي تسب الشتا فعرسك ... عنداك يضربوك بالشطابة راك تبقى بلا زواج .... عنداك ضربك مك بالمغرفة راه تسلخك مراتك ... " عبارات إن دلت على شيء فإنما تدل على تغلغل الشعوذة في ثقافتنا الشعبية و التي تجعل من الخرافة مصدرا لتحليل مجموعة من الأحداث و السلوكيات التي غالبا ما تبتعد عن المنطق البشري الآلاف الكيلومترات . فالخرافة تقول على أن هطول أمطار الخير ليلة زفافك دليل قاطع على أنك كنت من هواة " لحيس الكوكوطات " أيام ريعان شبابك , أما إن شاءت الأقدار و تأخر فارس أحلامك عن طرق " باب داركم " فاعلمي أن ضربة مكنسة أيام الطفولة كانت السبب وراء عنوستك , في حين إذا ما كانت أمك عصبية المزاج لدرجة ضربها لك بأواني مطبخية فكن على يقين أن زوجتك المستقبلية لن تدخر هي الأخرى جهدا في استكمال ما بدأته أمك .... بالتالي , و عن طريق تحليل " ميطا سيكولوجي " برعت فيه نسوة المغرب الحبيب , تم ربط الأقدار و الحياة البشرية بخرافات أقل ما يمكن القول عنها أنها أوهن من خيوط العنكبوت . ما يثير الدهشة و الاستغراب, هو المرور من العالم النظري نحو المجال العملي, فلقد جرت العادة أنه بمجرد مرور يومين على زفاف العروس , يتم ربط المسكينة بأغصان من شجرة العنب من طرف أم العريس حتى تلد في أقرب الآجال – أي بعد 9 أشهر - " التريكة " الصالحة و تملأ المنزل صبيانا و بنات ... في حين إذا ما تأخر إنجابها ستكون مرغمة لشد الرحال صوب مختلف الأضرحة الموجودة و الغير موجودة قصد التمسح بقبور الأولياء و الصالحين عل الفرج يأتي من جثث فارقت الحياة منذ قرون غابرة . تغلغل الخرافة بهذا الوطن الحبيب إلى حد التمجيد لم يأتي من فراغ, بل له أسباب و مسببات , فالفراغ الروحي و التنشئة الاجتماعية الاعتباطية والغير سوية التي تلقاها الجيل الأول و الثاني المبنية على تقديس و التمسك بعادات الأجداد كانت السبب وراء ما يعيشه الكثيرون الآن سواء في البدو أو في الحواضر, فالظاهر إذن أن الإشكال هو نتيجة حتمية لتراكمات و ترسبات تاريخية و اجتماعية محضة , وبالتالي يمكن الجزم على أن الخرافة أضحت ثقافة مستقلة بقاموسها وعدتها ورصيدها الفكري و اللغوي مادامت مغروسة في لاوعي المواطن المغربي بشتى أصنافه و طبقاته سفيان الحداني .