أسعد الموسوي عند بداية الألفية الثالثة، قررت أطراف الإستكبار العالمي تغيير خارطة الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت الخارطة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية مستهلكة، والنظم السياسية الجاثمة على شعوب المنطقة بالية، بحاجة الى إعادة ترميم وتجديد، كي تبقى هذه الأنظمة- بشكلها الجديد- خانعة لقوى الإستكبار، ومصدا للحركات التحررية الهادفة للتخلص منها، وتبقى دول المنطقة سوقا كبيرا للشركات الرأسمالية، ومنبعا لا ينضب لنهب خيراتها، فكانت إنطلاقة ذلك المشروع من العراق. تغيرت المعادلة السياسية في العراق بعد عام 2003، وإنطلق معها الشروع بتنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد، القائمة على تقسيم المقسم وإضعاف الضعيف، ورسم خرائط وتقسيمات جديدة، مبنية على أسس طافية وقومية، وتوفير الدعم اللازم لهذا المشروع بالمال والإعلام والسلاح، وتسهيل مهمة الأفراد للقيام بهذا المشروع، فظهرت معالم الحرب الطائفية في العراق عام 2006، وتسارعت الخلافات السياسية على أسس طائفية وصولا الى دخول داعش وإحتلاله ثلث العراق عام 2014، رافق ذلك أحداث مهمة غيرت معالم الشرق الأوسط، تغيرت فيها الأنظمة السياسية في مصر وليبيا وتونس إضافة الى الحرب الطاحنة في سوريا. كان العراق في الفترة الماضية الملعب الرئيسي لفرض الأجندات الجديدة، وحلبة للصراع بين الأطراف الاقليمية، كل يريد كسر خصمه والفوز بأكبر المغانم في قلب العالم، وإنعكس هذا الصراع على الأداء السياسي للحكومات العراقية المتعاقبة، فكان الفساد السياسي حليفا لها، وتوقف عجلة التنمية وإنتشار البطالة بصورة كبيرة، وإنقسام مجتمعي حاد وصل حد التقسيم الطائفي والعرقي تبعا للجهات الداعمة لكل طرف، وتدخل أقليمي واضح في رسم معالم الهوية العراقية، أعطت أنطباعا واضحا عما ستؤول له خارطة الشرق الأوسط الجديد، التي ستفضي الى صراع إقليمي وطائفي، يستنزف خيرات البلاد، ويحيل أرثها التاريخي الى ركام. قبال ذلك كان هناك مشروع مقاومة لما يحصل في الساحة العراقية، كان الإنتصار على داعش أبرز معالمه، والسيف الذي قطع أوصال المشروع الجديد، وفتح مرحلة جديدة في تاريخ العراق والمنطقة، إضافة الى الدعوات الحقيقية لإبعاد العراق عن صراع المحاور، وعدم جعله أداة طيعة تقاتل بالإنابة طرفا على حساب طرف آخر، وأن يكون العراق ساحة للقاء بدل أن يكون ساحة للصراع، لكن هذه الدعوات لم تلق في البداية آذانا صاغية، بسبب عوامل كثيرة أهمها عدم التوافق السياسي بين المكونات العراقية، وضعف الأداء الحكومي، وعدم توفر قادة قادرون على خلق تفاهمات مع القوى المتصارعة، الراغبة بالوصول في صراعها الى حافة الهاوية. بعد عام 2018 ظهرت مفاهيم سياسية جديدة في الواقع العراقي، حاملة شعارات وطنية ومصالحة مجتمعية، تفاعلت معها الجماهير العراقية، وكانت خياراتها في الإنتخابات البرلمانية، أيقنت بعدها الأطراف المتصارعة إن محاولة جر العراق الى المعسكر الشرقي، تحت شعارات تصدير الثورة ومحاربة الإرهب لا تجدي لإبعاد العراق عن عمقه العربي، الذي حاولت الأطراف العربية مدعومة بالمحور الغربي والشعارات الطائفية جره إليه، قبال تخليه عن العمق الإسلامي والعقائدي لغالبية شعبه الرافض للهمينة الغربية، ومحاولة التصالح مع إسرائيل، وجعله كماشة النار كما فعل النظام السابق، حين أدخله في حروب عبثية لم يجن منها العراق إلا الخراب. مرت الأحداث وثبت صدق الدعوات، الداعية الى جعل العراق ساحة للتلاقي وتبادل المصالح بين دول المنطقة، وظهر أن هناك رجال دولة وتجار أزمة، فأما رجال الدولة فكان هدفهم وضع العراق في حجمه الطبيعي المؤثر في المنطقة، وجعله لاعبا كبيرا فيها وليس ملعبا للصراعات الإقليمية والدولية، وأن يكون محورا للأحداث المهمة فيها، وأما تجار الأزمات فكان هدفهم المنافع الشخصية والحزبية والظفر بكرسي السلطة، على حساب مصالح الدولة ورفاهية شعبهم، لايضره أن يكون ذيلا لهذا الطرف أو ذاك، وتحقيق أهدافه المشبوهة على حساب تطلعات العراقيين، تحت عناوين براقة وشعارات مقدسة. تسارع الوفود الى بغداد، وعقدها الإتفاقيات الإقتصادية والسياسية، وتبادل الرسائل بين الأطراف الإقليمية بواسطة العراق، يثبت أن العراق ماض في أخذ دوره المتميز في المنطقة، وأن هذه الدول لم تأت اليه، إلا بعد إن وجدت أنه سيكون ساحة للتلاقي وتبادل المصالح ورسم معادلة إقليمية جديدة، سيكون للعراق الدور الأبرز فيها.