(اصطفاف قيادة "الإخوان" إلى جانب الولاياتالمتحدة وتوابعها الإقليمية في مواجهة إيران يقود إلى انشقاق على أساس طائفي في الصف الإسلامي أخطر على الأمة من الافتراق بين التيارين القومي العربي والإسلامي) بقلم نقولا ناصر* بغض النظر عن النتائج "المصرية" التي سوف تتمخض عنها المواجهة التي انطلقت يوم الأحد، الثلاثين من حزيران / يونيو بين التيار الإسلامي الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر وبين التيار القومي العربي بأطيافه اليسارية والإسلامية والليبرالية والوطنية، فإن هذه المواجهة سوف تكون لها مضاعفاتها السلبية لفترة طويلة مقبلةليس فقط على العلاقة بين التيارين في الوطن العربي الأكبر، بحكم الموقع المركزي لمصر في المعادلة العربية، بل وكذلك على قضايا الأمة الرئيسية بحكم الدور القيادي للتيارين في تعبئة الجماهير ضد الأعداء التاريخيين للأمة. لقد كان ائتلاف الأمر الواقع للتيارين القومي العربي والاسلامي طوال العقدين المنصرمين من الزمن حاضنة موضوعية للحشد الجماهيري في مواجهة دولة الاحتلال الاسرائيلي وراعيها الأمريكي ومخططاتهما لإعادة رسم الخريطة الإقليمية، وعاملا حاسما في دعم المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين، بقدر ما كان هذا الائتلاف عاملا حاسما أيضا في الانتصار الذي لم يكتمل بعد للحراكات الشعبية التي أطاحت برأسي اثنين من أهم المرتكزات الأمريكية في المغرب العربي، في تونس ومصر. لكن الافتراق بين التيارين الذي أعقب احتكار التيار الاسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في تونس ومصر دق اسفينا ما زال يوسع الهوة بين التيارين حد الاقتتال الدموي الذي يمزق الآن الوحدة الجماهيرية، ويفرق الصفوف الوطنية، ويعزز التحالف الصهيوني - الأمريكي ويغنيه عن التدخل العسكري المباشر، بخاصة في الأزمة السورية. وقد استفحل هذا الافتراق بعد اصطفاف التيار الإسلامي في الأزمة السورية، منتشيا بوصوله لأول مرة إلى السلطة، إلى جانب القوى الغربية والإقليمية العربية وغير العربية التي كانت مؤتلفة في خندق "أصدقاء إسرائيل" قبل أن تتحول هي ذاتها إلى الائتلاف في خندق ما يسمى "أصدقاء سورية". لقد التقى التياران على قاعدة العداء للسياسية الخارجية الأمريكية التي حولت الولاياتالمتحدة إلى قوة احتلال مباشر في العراق وأفغانستان وهيمنة اقتصادية وسياسية وعسكرية في معظم الوطن العربي والإقليم وراعية رئيسية للاحتلال الصهيوني ودولته في فلسطين، وافترق التياران عندما خرج التيار الإسلامي على هذه القاعدة، التي أصبحت معيارا للحكم على وطنية وجماهيرية كل منهما. فاصطف إلى جانب الاستراتيجية الأمريكية الإقليمية أو تقاطع معها بعد وصوله إلى السلطة، فعادى من عاداها وسالم من سالمها، كما اتضح أولا من انخراط التيار الإسلامي "الإخواني" في "العملية السياسية" التي هندسها الاحتلال الأمريكي للعراق، وثانيا في "احترامه" لمعاهدة الصلح المصري المنفرد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي واتفاقيات كامب ديفيد الحاضنة لها التي لم تنجح واشنطن في إبرامها إلا على حطام هزيمة التيار القومي في مصر والمنطقة، وثالثا في التنسيق مع الواجهة العربية الخليجية للهيمنة الأمريكية في الثورة المضادة على الثورات الشعبية ضد أنظمة الحكم العربية التي كانت مدعومة من الولاياتالمتحدة في تونس ومصر واليمن، ورابعا في منح واجهة إسلامية خادعة للغزو الأجنبي بقيادة أمريكية لليبيا وللحرب الأمريكية المحتدمة حاليا على سورية، وفي هذا الاصطفاف "الإسلامي" فقط يجب البحث عن أسباب ما يحلو لبعض السياسيين والإعلاميين وصفه ب"ثورة ضد الإخوان" في مصر الان. وقد لمس أحد الرموز المخضرمة للتيارين ووحدتهما، المهندس الأردني ليث شبيلات، هذه الأسباب في زيارته الأخيرة لمصر عندما حمل "الإخوان" المسؤولية عن "حدوث انقسام خطير وسط الشعب المصري"، ووصف رعاية نظامهم الحاكم لما سمي مؤتمر "نصرة سورية" ودعوة هذا المؤتمر إلى "الجهاد" في سورية ب"الكارثة" ووصف المؤتمر ذاته ب"الطائفي"، وعد كل ذلك يصب في خانة الاستراتيجية الأمريكية، و"حيث تتواجد أمريكا سنجد الخراب" كما قال. وإنها لمفارقة حقا أن يجد التيار القومي العربي في العداء للاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي تناقضا رئيسيا يضعه في خندق واحد مع حكم الثورة "الإسلامية" في إيران يطغى على تناقضه الثانوي مع هذه الثورة التي تواصل سياسات الشاه وأطماعه في العراق والخليج العربي بحجة الهيمنة الأمريكية عليهما، بينما يقود اصطفاف التيار الإسلامي بقيادة "الإخوان" إلى جانب الولاياتالمتحدة وتوابعها العربية والإقليمية في مواجهة إيران إلى انشقاق على أساس طائفي في الصف الإسلامي أخطر على الأمة وقضاياها ومستقبلها من الافتراق بين التيارين القومي والإسلامي في الوطن العربي. ويقف المراقب العربي والإسلامي متسائلا عن المستفيد من شق الصفوف الإسلامية على أساس طائفي، ومن الافتراق بين التيارين القومي والإسلامي في الوطن العربي، ومن دق الأسافين بين مصر وبين سورية وكل منهما عمق استراتيجي للأمن الوطني لكل منهما بغض النظر عن الأنظمة الحاكمة فيهما، ومن تعظيم الاختلافات بين المقاومة "الإسلامية" في كل من فلسطين ولبنان، وبين كل من المقاومتين وبين حاضنتهما الطبيعية في سورية، ومن "شيطنة" حزب الله في لبنان وحركة "حماس" في مصر، ومن التعتيم على المقاومة الوطنية التي يقودها القوميون العرب في العراق والتعتيم عليها، وهذه وغيرها جميعها ظواهر نتجت مباشرة عن الاصطفاف "الإخواني" مع الولاياتالمتحدة وتوابعها في شبه جزيرة العرب. وهذه جميعها ظواهر تثير أيضا سؤالا جادا عما إذا كانت الولاياتالمتحدة قد اختطفت قيادة التيار الإسلامي فعلا قبل أن يختطف هذا التيار بدوره ثمار الحراكات العربية الشعبية التي انطلقت في الأصل ضد أنظمة حكم محسوبة على الولاياتالمتحدة وتوابعها العربية والإقليمية، ولذلك تقع على آذان صماء كل الدعوات العربية والإسلامية المخلصة للحوار بين التيارين القومي العربي والإسلامي درءا للفتنة الطائفية المستفحلة وطنيا وعربيا وإقليميا. * كاتب عربي من فلسطين * [email protected]