بقلم د. سالم الكتبي لم يكن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين الاماراتوروسيا، الذي وقعه مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سوى تتويج لتعاون عميق قائم بين البلدين، وتأكيد لعلاقات الصداقة المتنامية التي تربط قيادتي البلدين وشعبيهما منذ سنوات مضت. الرئيس الروسي قال أثناء استقبال ولي عهد أبوظبي في الكرملين: "دولة الإمارات العربية المتحدة شريك وثيق لنا منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط، واليوم سنوقع على إعلان الشراكة الاستراتيجية، لتكون خطوة أخرى في سبيل تعزيز العلاقات بيننا". وبالتالي فإن هذا الاعلان لا يعكس تطوراً مفاجئاً في العلاقات الثنائية بل يعبر عن توجه مستمر في تطوير العلاقات والاستفادة المشتركة مما يمتلكه الجانبان من مقدّرات وموارد وقدرات ذاتية شاملة. من حيث الأرقام، كركائز لهذه الشراكة، فإن الامارات تحتل قائمة الدول العربية من حيث الاستثمارات المشتركة مع روسيا، ووفقاً لبيانات عام 2017، فإن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين قد بلغ 3مليار دولار سنوياً، كما بلغت الاستثمارات المشتركة بين البلدين نحو 18 مليار دولار، تتركز في قطاعات البتروكيماويات والصناعات التحويلية والاستثمار الزراعي والتكنولوجيا المتقدمة، وهناك أيضاً أكثر من 3000 شركة روسية تعمل في دولة الامارات، كما استحوذت مجموعة "مبادلة"الاماراتية العملاقة على 44% من أسهم شركة "غازبروم نفط – فوستوك"، التي يبلغ حجم الاحتياطي النفطي المؤكد والمحتمل في حقولها نحو 300 مليون برميل نفط. هناك أيضاً تعاون عميق في المجال السياحي حيث بلغ عدد السائحين الروس الذين زاروا الامارات في عام 2017 نحو مليون سائح. التبادل التجاري بين الاماراتوروسيا تضاعف في السنوات والأخيرة ومرشح لطفرات هائلة في غضون السنوات القلائل المقبلة في ظل ارتباط البلدين باتفاقية الشراكة الاستراتيجية. وإذا كنا نرى دوماً أن المصالح المشتركة للدول والشعوب هي البوصلة والضمانة الأساسية لنجاح أي تعاون استراتييجي بين الدول، فإن هناك قاعدة ارتكاز مهمة لهذه العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين الاماراتوروسيا، أولها تقارب الرؤى إزاء قضايا وملفات حيوية بارزة مثل مكافحة الارهاب، فهناك موقف ثابت وحاسم للدولتين بشأن ضرورة استئصال الارهاب والتطرف من جذورهما، باعتبار الارهاب تهديداً عالمياً يستهدف كل دول العالم من دون استثناء، لذا فإن الدعوة التي صدرت خلال اجتماع الرئيس الروسي وولي عهد أبوظبي بشأن الدعوة لبناء تحالف دولي واسع ضد الارهاب، تمثل ترجمة لرؤية البلدين بشأن توحيد جهود العالمية وضرورة الاصطفاف الدولي في مكافحة هذه الظاهرة. إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين يشمل مجالات عدة هي: المجال السياسي والأمني والتجاري والاقتصادي والثقافي، إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية، أي أنه شراكة استراتيجية في جميع مجالات وآفاق التعاون القائمة بين الدولتين، بما يعكس رغبة قوية من جانب قيادتي البلدين في توفير فرص وهوامش حركة أوسع أمام تطور علاقات البلدين في المستقبل المنظور. من الناحية الاستراتيجية، فإن الامارات كاقتصاد صاعد ودولة باتت تمتلك من القوة والتأثير ما يجعلها تسعى لتعزيز التعاون مع الدول الكبرى المؤثرة عالمياً، ولاسيما تلك التي تمتلك حضوراً تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فروسيا دولة كبرى ورقم صعب في معادلات الأمن والاستقرار الدوليين، وبناء علاقات تعاون قوية معها يدعم فرص تحقق المصالح المشتركة للدول والشعوب. ولو نظرنا من حولنا على خارطة المنطقة، سنجد أن روسيا لاعب رئيسي في سوريا، وعادت بقوة إلى الساحة الشرق أوسطية عبر هذه البوابة، التي تمتلك معها علاقات تحالف قديمة، كما أن روسيا تتعاون بشكل وثيق مع إيران، وينظر إليها عالمياً باعتبارها احد حلفاء النظام الايراني، ولكن الواقع يقول أن الرئيس الروسي يتعامل وفق نهج براجماتي، لا أيديولوجي، وينظر إلى مصالح دولته وشعبه ويضعهما فوق أي اعتبار آخر، وقد اثبت ذلك مرارً ومنها في تسوية التوترات مع تركيا، وفي هدوئه في الرد على الاجراءات التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي حيال روسيا أثناء ما عرف بأزمة تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكيربال، ما يعني أن حجم المصالح سيكون له القول الفصل في علاقات روسيا مع أي طرف اقليمي أو دولي. والمؤكد أن هذا النهج الاماراتي في العلاقات الدولية سيؤتي ثماره وينعكس ايجاباً على أجواء الأمن والاستقرار الاقليمي في منطقة الخليجي العربي والشرق الأوسط، فروسيا ليست لاعباً استراتيجياً في المجال السياسي والأمني والعسكري فقط، بل لاعب اقتصادي دولي مهم للامارات بحكم مكانتها وتأثيرها في أسواق النفط العالمية، ومن ثم فإن ترابط المصالح وتداخلها بين السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والاستثماري سيسهم من دون شك في تعميق المصالح وتشعبها بما يصب في مصلحة شعبي البلدين ويعزز الأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي.