لأول مرة تضمن مخطط حكومي اعترافا صريحا بأن الوضع المالي الذي تعيشه البلاد صعب ويبعث على القلق، وقالت الحكومة إن سنة 2017 ستختتم "بصعوبات حقيقية"، في حين تبدو سنة 2018 أكثر تعقيدا، وهي عبارات توحي بأن الحكومة تريد تحضير الجزائريين لقرارات صعبة، وقد تظهر ملامحها في مشروع قانون المالية للعام المقبل. أكدت الحكومة في مخطط عملها، الذي صادق عليه مجلس الوزراء الأربعاء الماضي، وسيحال على البرلمان في غضون أيام، بأن الأوضاع "لا تبشر بالخير" انطلاقا من تحاليل اقتصادية تستبعد أي تحسن محسوس لأسعار النفط على الأمدين القصير والمتوسط، ما يعني أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر منذ 2014 ستستمر على الأقل لعامين آخرين. واعترفت الحكومة بأن المخطط الرئاسي الجديد الذي وضع لتمويل المشاريع التي تضمنها برنامج العهدة الرئاسية الرابعة قد اصطدم بالإنهيار الشديد لأسعار المحروقات في السوق الدولية، حيث تراجع مستوى الإيرادات الخارجية للبلاد بنسبة تفوق 50 بالمائة وكذا تراجع الإيرادات الجبائية للدولة. حيث سجل عجزا تجاريا هاما (تجاوز 20 مليار دولار في 2016) وعجزا مستمرا لميزان المدفوعات، تجاوز 26 مليار دولار، وهي أوضاع ساهمت في تراجع احتياطات الصرف المستجمعة خلال السنوات السابقة. حيث انتقلت من 193 مليار دولار في 2014 إلى 105 مليار دولار في يوليوز الماضي. سنة 2018 ستكون أكثر تعقيدا وأقرت حكومة احمد اويحيي بصعوبة الوضع المالي الذي تواجهه البلاد، وقالت بأن الوضعية المالية العمومية "تبعث على الإنشغال"، حيث ترتبت صعوبات مالية متكررة جراء تراجع الجباية البترولية، مما أدى إلى استهلاك مجمل ادخار الخزينة الذي كان يحتضنه صندوق ضبط الإيرادات الذي استنفذ منذ فبراير الماضي، كما أصبحت الخزينة تلجأ إلى موارد أخرى تكميلية منذ السنتين الأخيرتين. وأكدت الحكومة، أنه برغم بعض التدابير التي تم اتخاذها، على غرار القرض وطني، والمدفوعات الاستثنائية للأرباح من قبل بنك الجزائر، والقرض الخارجي الذي حصلت عليه الجزائر لدى البنك الإفريقي للتنمية بما يعادل نحو مائة مليار دينار. إلا أن الوضعية متوترة بشدة على مستوى ميزانية الدولة، حيث من المتوقع في الوضعية الراهنة أن تختتم سنة 2017 بصعوبات حقيقية، في حين تبدو سنة 2018 أكثر تعقيدا. وقد تضطر الحكومة في الأشهر القادمة لاتخاذ قرارات صعبة اقتصادية واجتماعيا بخفض مستوى الإنفاق، وتمديد التجميد ليشمل مشاريع اقتصادية واجتماعية، ورفع أسعار بعض المنتوجات والسلع، دون احتساب عامل التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطنين وساهمت في ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية سواء المنتجة محليا أو المستوردة، وسيكون مشروع قانون المالية للعام المقبل "بارومتر" يسمح بمعرفة توجهات الحكومة والقرارات التي ستتخذها لمواجهة الأزمة المالية. واعترفت الحكومة، في مخططها بان "مخاطر الأزمة المالية تلقى بظلالها على البلاد" ما لم تطرأ أوضاعا جديدة، وتتمثل هذه المخاطر، سواء في العجز عن ضمان الإنفاق العمومي، مع كل ما يترتب عن ذلك من نتائج اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية وخيمة للبلاد، أو الدخول حينها في مسار فقدان السيادة الاقتصادية، انطلاقا من اللجوء المكثف إلى الاستدانة الخارجية، مع عدم القدرة، في المدى المتوسط، على الوفاء بخدمة هذه المديونية، الأمر الذي يفرض اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية مقابل تدابير اقتصادية واجتماعية صارمة، مع العلم أن الجزائر قد شهدت هذه الوضعية في سنوات التسعينيات. لا زيادات في الأجور ولا مزايا اجتماعية جديدة ولمواجهة تداعيات الأزمة المالية، أكدت الحكومة مواصلة مسعى ترشيد النفقات المالية من خلال تحديد أقصى لنفقات التسيير على مستوى إيرادات الجباية العادية فقط، أي بمعني أخر لا زيادات في الأجور خلال العامين المقبلين بالنسبة للقطاع العمومي، كما تعتزم الحكومة إصلاح سياسة المساعدات العمومية، والالتزام بتعليمات الرئيس الذي منع من كل لجوء إلى الاستدانة الخارجية، حيث كلف الحكومة بالعمل، من باب الاستثناء، على ترقية التمويلات الداخلية غير التقليدية، التي يمكن تعبئتها خلال فترة انتقال مالي. وقالت الحكومة أن إدخال التمويل غير التقليدي هو موضوع مشروع قانون يتضمن تعديل قانون النقد والقرض. وسيتم تنفيذه على سبيل الاستثناء لفترة انتقالية مدتها 5 سنوات ما سيسمح للخزينة العمومية بالاقتراض مباشرة لدى بنك الجزائر، من أجل مواجهة عجز الميزانية، وتحويل بعض الديون المتعاقد عليها لدى البنوك أو مؤسسات عمومية، وتموين الصندوق الوطني للإستثمار. وبالموازاة مع ذلك، ستستمر الدولة في تجسيد خريطة طريقها من أجل ترشيد النفقات العمومية قصد استعادة توازن الميزانية في أجل خمس سنوات. وسيتم انتهاجهما معا لاستبعاد خطر انزلاق تضخمي.