محمد المستاري** من المهم جدا أن تكون هناك التفاتة حكومية اتجاه فئة معوزة، شأن فئة النساء الأرامل في وضعية هشة، نظرا إلى الأوضاع السوسيو- اقتصادية الصعبة التي يعشنها بعد فقدان الزوج، خصوصا إذا تعلق الأمر بنساء مترملات حاضنات لأكثر من ثلاث أبناء قاصرين؛ وأيضا بالنسبة إلى اللواتي يتكلفن بأطفالهن المصابين بإعاقة؛ لما يقتضيه ذلك من ثقل المصاريف، وما يستلزمه من تعاظم المسؤولية… ونحن في هذا السياق، إذ نستحضر هذا الموضوع، نظرا إلى جدليته، فالحكومة من جهتها، تؤكد في أكثر من سياق ومناسبة، أنها استطاعت أن تدبر هذا الملف بإستراتيجية ناجعة، في حين أن عددا من النساء المترملات يصرخن بأصوات متعالية أنهن يعشن واقعا بئيسا وأوضاعا اجتماعية مزرية، هذا بالإضافة إلى وجود شهادات عديدة من هاته الفئة، تؤكد أنها غير مستفيدة أصلا!! فهل فعلا استطاعت الحكومة أن تعالج مشكلة أوضاع النساء المترملات؟ وهل قيمة الدعم الممنوح لهن كاف لضمان كراماتهن، خصوصا في إطار غلاء المعيشة على إثر الزيادات المتوالية في الأسعار؟ أليس في شروط الاستفادة من هذا الدعم الممنوح إقصاءً تعسفيا لكثير من النساء المترملات، من اللواتي لا يستفدن لكونهن غير حاضنات؟ وماذا عن نساء مترملات حاضنات لأكثر من ثلاث أطفال لا يملكن السكن؟ هل الدعم الممنوح لهن والمحدد ضمن شروط الاستفادة في سقف لا يتعدى 1050 درهما للأسرة الواحدة، حيث تكون الاستفادة على ثلاثة أبناء –قاصرين- فقط، كاف لحفظ كراماتهن واحتضان أطفالهن؟ هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى كثيرة تتناسل حول هذا الموضوع، لكن، عند محاولة البحث فيها والإجابة عنها، نكون أمام حقيقة واحدة مرة، لا يتذوق مرارتها إلا نساء مترملات حاضنات لأطفالهن اليتامى، في وضعيات هشة، وتتمثل هذه الحقيقة في كون الحكومة لم تتعدَ مقاربة التدابير السطحية بخصوص هذه الفئة، وذلك للاعتبارات التالية: أولا: بالنظر إلى قيمة الدعم المادي الذي تقدمه الحكومة للنساء الأرامل في وضعية هشة، نجد أنه في واقع الأمر لا يعدو أن يكون ب «ذر الرماد في الأعين»، بل أكثر من ذلك، قد يدفع بنا إلى الاعتقاد أن الحكومة تحاول أن تكسب هذه الشريحة من المجتمع لتربح أصواتها سياسيا وتربح ملفا عند مساءلة ومناقشة الحصيلة! إذ ماذا تعني قيمة 350 درها للطفل الواحد، – مع أن مجموع الدعم المباشر لا يتعدى سقف 1050 درها في الشهر للأسرة الواحدة-، في ظل زيادات توصف ب «الصارخية» للأسعار وغلاء المعيشة؟ أليس لهذا الغلاء الذي تنامى في عهد حكومة بنكيران، تداعيات سلبية على فئة النساء الأرامل وغيرهن من الفئات الاجتماعية المعوزة الأخرى؟ ألا يعني هذا -على سبيل المجاز- أن الحكومة تُهْدِي لمثل هاته الفئات المعوزة النعل (حينما تمنحها فُتَاتا بسمى الدعم) وتجرد لها السروال (على إثر ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة)؟ ثانيا: كون الحكومة تُقصي الكثير من النساء الأرامل إقصاءً تعسفا، وذلك حينما تستثني النساء المترملات غير الحاضنات من الدعم، رغم أن الكثير منهن يعشن أوضاعا مزرية وحالات يرثى لها، (تعايش مع المرض، تقدم في السن، وما إلى ذلك…). ثالثا: بالرجوع إلى الإطار القانوني المنظم لشروط الاستفادة من هذا الدعم المباشر للنساء الأرامل، نتوقف عند الكثير من المفارقات التي تكشف حقيقة هذا الوهم أو الدعم الذي ليس أكثر من فُتَات. فمثلا، يمكن التغاضي عن هذا الشرط من شروط الاستفادة (على المترملة المستفيدة التكفل بأطفالها إلى غاية بلوغهم 21 سنة، والمشروط بمتابعة الدراسة أو التكوين المهني بالنسبة للأطفال البالغين سن التمدرس)، لكن ما يدفع إلى الاستغراب، هو بمجرد استفادة طفل يتيم من منحة دراسية يتم إقصاؤه من الدعم! هذا مع أن قيمة الدعم والمنحة الدراسية معا هزيلين جدا، ليس من شأنهما أن يسدا حاجة أرملة في وضعية هشة لتكفل وتدرس بها طفلها. ولعل من هنا تظهر المفارقة، ألم يستفد ابن عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة ومالك الكثير من المؤسسات الخصوصية، الذي يعيش في وضعية الترف والامتيازات الخيالية وليس في وضعية الهشاشة من منحة دراسية لمتابعة الدراسة بفرنسا تقدر ب 5000 درهما شهريا، ما يوازي راتب موظف في السلم العاشر؟! وألم تستفد بنت عزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، من السكن في الحي الجامعي لمتابعة دراستها بالرباط؟ رابعا: الحكومة حينما تمتثل لإملاءات صندوق النقد الدولي وتنبطح كليا أمام قرارات الباطرونا، فتشرع في تمكين الخواص من المؤسسات العمومية للدولة، بدءا من التعليم إلى الصحة، تكون حقيقة قد أضرت بهذه الفئة الهشة وغيرها من الفئات المعوزة الأخرى، ويبقى تشدقها بتمكين هذه الفئة من الدعم مجرد وهم. لهذه الاعتبارات، وأخرى كثيرة، يتعين على الحكومة الاستدراك في نسختها الثانية، بتفكير جدي في اتخاذ إجراءات وتدابير فعلية بخصوص ملف النساء الأرامل في وضعيات هشة، حتى تضمن لهذه الفئة المعوزة حقها في العيش الكريم لتحس بشيء يسمى الانتماء للوطن، وحتى يحس أطفالها اليتامى بأن هناك وطنا يرعاهم ويكفل حقوقهم… ولعل هذا التفكير الجدي يكمن في إعادة النظر في أجور الوزراء والبرلمانيين وفي معاشاتهم الخيالية. —————————– **باحث في علم الاجتماع [email protected]