مرت ثماني سنوات على خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وهي ثماني سنوات كافية لكي تقنع مكونات الحقل الثقافي المغربي بأن المغرب كان على صواب عندما اختار طريقا سلسة في التعامل مع مكوناته، وكان على صواب بالرغم من كل نزوعات التضخيم والتهويل من خطوة ثقافية بينت الأيام أنها كانت الأسلوب الأمثل في السير في طريق غير الطريق المفضي إلى الباب المسدود.. لقد تملكت، ربما عن صدق وعن بناء ثقافي، بعض الأوساط تخوفات غير مبررة ولا تاريخية من «اعتراف» المغرب بثقافته وبتكوينه وبجيناته الثقافية الأمازيغية، وربما كان مرد ذلك، في جزء كبير منه، إلى اعتبار الدعوات المنغلقة لبعض الأوساط الضيقة واللاأمنية، يهدد الوحدة الوطنية. لقد قطعنا أشواطا كبيرة بعيدا عن الخوف، وعن اجترار الاستيهامات، وأصبحنا اليوم على بعد معقول من استيهاماتنا المشتركة.. في ذكرى التأسيس كان مفيدا للغاية أن ننتبه إلى إطلاق القناة الأمازيغية وإدماج الأمازيغية في منظومة التربية الوطنية، وتفعيل اللجنتين المشتركتين ما بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارتي التربية الوطنية والثقافة، وما جري بخصوصها من محادثات بين الوزير الأول عباس الفاسي وعميد المعهد أحمد بوكوس. نحن أمام اختيارات حكومية واضحة حول الموضوع، كما نحن أمام لقاء بين مكونين من مكونات القرار الثقافي بخصوص هذه القضية.. الشيئ الذي يجعل المسافة التي قطعناها مسافة في الاتجاه الصحيح. هل ما زال أمامنا طريق لنقطعه؟ من المؤكد، هل نقف في وسط الطريق؟ أبدا، نحن نتحرك، لأن تاريخنا بدأ يتحرك بكل أطرافه، لقد ظل جزء من النخبة التقليدية يعتبر، بمبالغة، أن الأصل اللاهوتي للعربية يقضي بأن نغلق اللغة على باب واحد واتجاه واحد، ولم يكن من الصدفة أن ارتباط لغة معينة بالسلطة كان وراء التأزيم والتخويف، إلى أن تبين بأن التعدد اللغوي المغربي حقيقة تاريخية، كما هي حقيقة تستعصي على التنميط، ولو كان ذلك باسم الهوية نفسها، مهما كانت مصادرنا. وتبين أيضا بأن الهويات القاتلة لا يمكنها أن تنتج مغربا جديدا.. والذين يعرفون الأستاذ محمد الشامي، الذي نال الجائزة التقديرية للثقافة الأمازيغية التي نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حفل توزيع جوائزها يوم السبت بالرباط، يعرفون أيضا المسافة التي قطعناها بمساعدة الكثير من العقلاء والمتزنين والوطنيين الذين يأخذون بجد ثراءنا المغربي ونبوغنا الجماعي.. وما من شك أن أحمد بوكوس كان على حق، وهو يردد بأن «الخطاب الملكي - الذي ألقي بأجدير - يعد بحق حدثا وازنا طبع بصماته على التاريخ الحديث للمغرب، البلد الذي يشق طريقه بعزم نحو الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، بما فيها الحقوق اللغوية والثقافية». وكان من جميل الصدف أن يتزامن خطاب بوكوس مع تأكيد أحمد حرزني بخصوص الذاكرة الجماعية، فقد أكد رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في نفس اليوم بالرباط أن من شأن بناء تصور توافقي يضمن مساندة مجتمعية عريضة لمشروع حفظ الذاكرة أن يساعد المجلس على الإسراع في عملية أجرأة مشاريعه ذات الصلة بالثقافة الجماعية التي نريد.. ويلزم علينا بالفعل أن ننقذ الذاكرة، كفعل ثقافي وكشهادة سياسية من استعصاءات السياسة السابقة، وحسابات الإستعصاء التاريخي، وكمثال على ذلك المصالحة مع رموز الثقافة الأمازيغية وأبطالها، وأولهم عبد الكريم الخطابي، بطل القوى التحررية.. لقد استطعنا أن نبني نموذجا للخروج من الأفق المسدود الذي عانته دول في مثل حالتنا، تخرج من سنوات الرصاص، مع ما يصاحب ذلك من سنوات...قلم الرصاص والمحو..، إلى سنوات التفكير الجماعي في كيميائها وفي جراحها وفي مركباتها وفي قلقها وفي اعتواراتها اللامحتملة، وعلينا أن نقول للتاريخ بصيغة جماعية تنتصر إلى كل بؤر الضوء فينا وبؤر التوتر الوجودي الخلاق..