ما يقدمه ضابط البحرية الفرنسية المتقاعد، والكاتب المتخصص في تاريخ المؤسسة العسكرية الفرنسية، جورج فلوري، من معلومات جديدة حول قضية اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة بباريس يوم 29 أكتوبر 1965، تعتبر بمثابة قنبلة حقيقية. اعتبارا لما تتأسس عليه من وثائق يقول الكاتب الفرنسي إنه يتوفر عليها وأنه مستعد لتقديمها للقضاء الفرنسي. فهو يعلن معطى غير مسبوق يقول بأن جثة عريس الشهداء المغاربة قد تم إحراقها بضواحي باريس من قبل محترفي إجرام يملك إسميهما وعناوينهما السكنية. هل هي رسالة من فرنسا تتوازى مع رسالة مماثلة سابقة من المغرب ( كتاب ضابط المخابرات المغربي البخاري سنة 2001، الذي يفيد أن الجثة أديبت في حامض خاص بمعتقل التعذيب الشهير بالرباط، دار المقري )، مفادها أنه لا فائدة من البحث عن جثة الشهيد لأنه لا أثر مادي لها؟!.. أم هل هي مجرد مقدمة لخرجة إعلامية لصاحبها، غايته إشهار مشروع كتاب جديد له سيرى النور قريبا؟!.. أم أن في الملف ما فيه من جدية وحقيقة، تتطلب تمحيصا قضائيا مسؤولا من قبل قاضي التحقيق الفرنسي؟!.. كل شئ وارد.. المهم، بالنسبة لنا مغربيا، هو أن نقدم لقراءنا ترجمة لنص الحوار، كما وصلنا عبر الأنترنيت، من باب الإطلاع على تفاصيل القضية كما تفجرت عبر صفحات أسبوعية « جورنال دوديمانش » الفرنسية. متى أصبحت مالكا لهذا الملف الجديد حول المهدي بنبركة؟ كان ذلك في معرض للكتاب منذ 25 سنة. كنت أوقع كتبي، حين اقترب مني شخص لا أعرفه، ووضع أمامي ملفا رماديا مليئا بالوثائق. ولم يضف على أن قال لي: « إنه لك ». قبل أن يستدير ويذهب أدراجه. ما الذي قمت به؟ أول ما أثارني في الملف، تلك التواقيع التي تقول « سري »، الموجودة على صدر كل الصفحات. لقد اكتشفت فيها، أن الدرك، منذ 1965 و 1966، قد جمع عددا من المعلومات من مخبرين متعددين. والملف كله يبرز أن بيير ميسمير، وزير الدفاع حينها، كان على اطلاع مباشر بعمل فرق الدرك في الميدان. ما الذي أثار انتباهكم إذن أكثر؟ منذ البداية وقعت على الورقة الخاصة بجماعة المجرمين الذين شاركوا في العملية. وكل واحد منهم محددة النعوت التي يعرف بها. مثلا، جورج بوشيسش، المعروف ب « جو الضخم »، الذي نقل المهدي بنبركة إلى سكناه بمنطقة ليسون، والذي يضع وشما على ذراعه الأيسر، عبارة عن صورة امرأة جالسة، وخنجر، وعبارة تقول « توتو روبنسون »، مسجد، ثم كتابة أخرى « تألم دون كلام »، ثم عبارة « أنا عطشان ».. ثم مجرم آخر، باليس الذي له « رأس هندي » في مقدمة ذراعه الأيمن... باختصار، حين تقرأ تلك التفاصيل، تجد نفسك غارقا في عالم لقطاع الطرق والمنحرفين. هل هناك معلومات وأخبار حول وفاة بنبركة؟ ٭ نعم، وضمنها هذه المعلومة الغريبة. ففي ذلك الملف، تمة معلومة تفيد أن للدرك مخبرا، قدم لهم عناصر خبر مدققة حول شخصين يشار إلى أنهما قاما بحرق جثة بنبركة. إن الدرك يتوفرون على أسمائهما وعنوانيهما، بل وحتى المبلغ الذي يفترض أنهما توصلا به للقيام بمهمتهما. إنه 5 ملايين فرنك قديم، وهو رقم كبير حينها. ثم في جملتين، في تقرير آخر ملحق، تمة إشارة إلى مرؤوسيهم، أنهم استمعوا للمعنيين بالأمر، فأنكرا ذلك جملة وتفصيلا. ثم بعد عدد من الأوراق، نجد أن نفس الفريق من الدرك سيقوم بتفتيش بيت في منطقة « فيلابي ». وأنهم كانوا مرفوقين بشرطيين من ولاية الأمن. هناك عثروا في ركام كبير من الرماد على « قطعة من الثوب وقطعة من الجلد ».. لم يكن ممكنا حينها إنجاز تحليل للحمض النووي، فتم تسليم الدليلين الماديين إلى فرقة الدرك بمنطقة « مينسي » بالإيسون. هل جددت الإتصال بمصدرك؟ نعم، لقد التقيته زمنا، بعد قراءة الملف. وأثناء حديثي مع مصدري ذاك، أحسست أنه مقتنع تماما أنه تم إحراق جثة بنبركة بمنطقة الإيسون. وأن ذلك هو دافعه لمنحي الملف. وعلى كل، فأنا أثق كثيرا في هذه الفرضية. هل تم الحفر فيها حينها؟ هل لا يزال ذلك ممكنا اليوم؟.. إنني أطرح السؤال.. هل فاتحتم « كوسطنطين ميلنك »، الرئيس السابق للمخابرات، في الأمر؟ نعم، ولقد أكد لي، أن كل ذلك ممكن بجلاء. فأثناء اختفاء بنبركة، تم إخطار ميلنك بالعملية، الذي هو المستشار التقني للوزير الأول ميشال دوبري، الخاص ب « الأمن والإستخبار » من قبل إدوارد بيهر، الذي كان مراسلا لمجلة «نيوزويك» الأمريكية بباريس، والذي كان قريبا من المخابرات الأمريكية « سي.آي. إيه. ». وأن ميلنك هو الذي أخطر ميشال دوبري، الذي أخبر بدوره بومبيدو ثم الجنرال دوغول. مع احتمال أن يكون هذا الأخير قد أخبر قبلا من قبل « فوكار » [ المستشار الخاص بالشؤون الإفريقية في الإليزي، والذي كان مثيرا للجدل ]، ولم يكن ميلنك يرتاح له، مثلما أنه لم يكن يُكِنُّ له أي نوع من الإحترام... لقد كان فوكار يستفيد كثيرا من خدمات عدد من المجرمين.. علما أن دوغول كان قد قال، إنه من الجانب الفرنسي، فإن قضية بنبركة تحيل على عالم من « الوظاعة والحقارة »، مما منحه الفرصة من أجل إدخال تعديلات جوهرية على جسم المخابرات الفرنسية، الذي لم يكن يرتاح له قط. بل إنه قد أعفى حتى الجنرال جاكيي، الذي كان رفيقه في حرب التحرير. كنتم قريبين من بيير ميسمير [ وزير الدفاع سنة 1965- المترجم ] قبل وفاته. هل فاتحتموه في قضية بنبركة؟ نعم، مرارا. وكان دائم التهرب. كان يقول لي إنها قضية من الماضي وأنه لا فائدة من إعادة نكأ الجرح. ذات مرة، حول قضية أخرى، كنت ألح عليه فيها بالسؤال، غضب مني بيير ميسمير، قائلا: « فلوري، إنني لم أكن قط في حاجة إلى أن أتعاون مع قتلة مجرمين. لقد كان عندي ما يكفي من المتطوعين لتلك المهام في الأمن العسكري ». ما الذي قمتم به بخصوص ملف بنبركة؟ لقد أغلقت عليه في بيتي، ولم أفتحه قط. لقد كتبت 54 كتابا منذ 1973، ولم أسع قط إلى الكتابة حول قضية بنبركة، التي هي القضية الأكثر «وساخة» بين كل القضايا التي قاربتها. لقد انتقلت إلى مواضيع أخرى وكنت أعتقد أن تلك القضية طواها النسيان منذ زمن. ثم انتبهت أن قاضيا فرنسيا لا يزال يتتبع الملف المفتوح قضائيا، فتذكرت ذلك الملف الذي في حوزتي. ولقد قضيت وقتا ليس باليسير قبل العثور عليه ضمن أرشيفاتي الخاصة. كان لا يزال هناك، سليما، كاملا، كما هو. أعدت قراءته، فاكتشفت أن العدالة الفرنسية منذ 1966، مهتمة بالمغاربة الذين يحاول عبثا قاضي التحقيق الحالي أن يصدر حولهم مذكرات اعتقال دولية. حينها قررت، بعد إغلاق ذلك الملف الرمادي اللون، أنه ما عاد من حقي أن أحتفظ بهذا لنفسي. هل ستقدمونه للعدالة؟ بطبيعة الحال، إذا ما طلبت العدالة الفرنسية مني ذلك. فعائلة بنبركة لها الحق الكامل أن تقوم بجنازتها وحدادها. إنني أتفهم نجل بنبركة، حين يقول إنه سيقاوم بكل ما يملك من أجل معرفة الحقيقة. إني أتذكر، حين كنت في حرب الجزائر، أنه في بعض البلدات، كانت العائلات جد قلقة من أجل معرفة مصير قتلاها. لقد كان ضروريا التمكن من القيام بالحداد. إن على فرنسا والمغرب أن يفتحا أرشيفاتهما، حتى تطوى هذه الصفحة وأن تتقدم الديمقراطية في الضفتين المتوسطيتين معا. هل لا تزالون على صلة بمصدركم الأول؟ ( بعد صمت طويل ).. كما كان سيقول فوكار: لا، لقد فقدت أثره.