مازال عدد كبير من عمال شركات المناولة التي تعمل مع المجمع الشريف للفوسفاط، يضربون عن العمل بمدينة خريبكة، مطالبين بالادماج كلية في المجمع والرفض البات لإعادة توقيع عقدة العمل مع شركات المناولة. شاب من المضربين والذي عاد مؤخرا إلى مزاولة عمله صرح لنا بأن النقطة التي جعلت العاملين يدخلون في الاضراب هي إقدام المجمع الشريف للفوسفاط على إدماج كل العمال السابقين (800 عامل) الذين كانوا يعملون لدى شركة «لاسميسي» وهي الشركة التي تتعاقد مع شركات الوساطة لدى المجمع الفوسفاطي. مشكل الادماج هذا كان موضوع لقاءات بين العمال والمسؤولين في المدينة، بالاضافة إلى مسؤولي المجمع الفوسفاطي. وحسب معلومات من داخل العمالة، فإن مندوب الشغل ومندوب وزارة الطاقة والمعادن وغيرهم من المتدخلين، بالاضافة إلى السلطات، أوضحوا للعمال بأن مسألة الادماج ليست حقا من حقوقهم وليست فرضا على المجمع الفوسفاطي لأن العاملين لهم عقد عمل مع شركات المناولة وليس مع إدارة الفوسفاط. خلفية مطلب الادماج لدى العمال، كما أوضح لنا بعض زملائهم، تعود بالأساس إلى ما يعتبرونه حيفا في حقوقهم إذ أن اجورهم لا ترقى إلى المستوى المعمول به في عالم الشغل، وأن المندمجين في إدارة الفوسفاط ويؤدون نفس الوظائف التي يؤديها الموسميون يتقاضون عنها أجورا أعلى دون احتساب الحقوق الاجتماعية التي يتمتعون بها.. أحد العاملين صرح لنا بأن الشركات تخصم أكثر من ثلثي الأجر الممنوح من طرف إدارة الفوسفاط. فرئيس فريق مثلا في الشركة تمنحه إدارة الفوسفاط 550 درهما كتعويض يومي لكنه لا يتقاضى إلا 140 درهما. عامل آخر قال لنا من جهته بأنه يتقاضى أجرا بسومة 10,64 دراهم في اليوم وأن أجره الشهري لا يتعدى 2000 درهم في الوقت الذي يتقاضى من له نفس العمل في إدارة الفوسفاط أكثر من ضعف هذا الأجر. وأضاف هذا العامل بأن أعلى أجر في الشركة لا يتعدى 16,18 في الساعة الواحدة بالاضافة إلى تعويض عن القفة يصل الى 30 درهما. ولا يستفيد من ذلك إلا قلة قليلة من عمال هذه الشركات. شركات المياومة المتعاقدة مع المجمع الشريف للفوسفاط هي أربع شركات، دورها توفير اليد العاملة للادارة وهي تشغل من العامل البسيط الذي لا يتوفر على أية شهادة إلى العامل المؤهل من أصحاب الشهادات، لذا فهي توفر لإدارة الفوسفاط سائقين وكهربائيين وبنائين ومنظفين وطباخين وسائقي آلات الحفر الكبرى التي تستخرج الفوسفاط وغيرهم، لكن بعقدة لا تتعدى ستة أشهر وعلى العامل في نهاية عقده أن ينتقل إلى شركة أخرى من الشركات الأربع، وأحيانا يظل دون شغل إلى أن تتم المناداة عليه من جديد من طرف إحداها. مطالب المضربين تتوزع على مستويات مختلفة، منهم من يرى أن المجمع الشريف للفوسفاط يستغل المدينة وبالتالي عليه أن ينعش المنطقة وينميها، وأن يعطي الاسبقية في التوظيفات لأبنائها، لذا فهم يرفضون إعادة توقيع العقد مع شركات المناولة وبأن الحديث يجب أن يكون موجها إلى المجمع الفوسفاطي، والبعض الآخر ممن عادوا إلى العمل بعد تنفيذهم لإضرابات سابقة يرى أن الحل الأولي هو تحسين أوضاعهم المالية والاجتماعية داخل الشركات، وبأن مطلب الادماج وغيره يأتي في النقطة الموالية. يقول أحد العمال ممن عادوا إلى العمل: «لو قيل لي وقع على عقد عمل لأسبوع سأوقعه، لأنني في حاجة إلى المال كما أن العمل مع هذه الشركات مستمر وغير متوقف. وأرى أن على زملائي أن يخوضوا معركة أولى من أجل تحسين أجورنا وتوفير التغطية الصحية اللازمة، وإقرار العلاوات إلى غير هذا من الحقوق، فتصوروا أنه ليس لنا الحق كباقي المواطنين في قروض الأبناك حتى أن العقود مع الشركة أحيانا تكون لستة أشهر وأحيانا أخرى ثلاثة أشهر أو شهرين. كما أن الشركات لا تمدنا باستمرار بملابس العمل رغم أن إدارة الفوسفاط تمنحها تعويضات عن ذلك. كما أن الشركات لا تلتزم دائما بأداء مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي... حملنا هذه الملاحظات الى شركات المناولة، بالاضافة الى ملاحظات اخرى فكان رد محاورينا أنهم استغربوا لقرار الاضراب الذي اتخذه العمال المعتصمون. ومما لاحظوه ان نسبة المضربين محدودة، اذ من اصل حوالي 850 مستخدما من طرف شركات المناولة، هناك 300 لم ينقطعوا عن العمل أبدا. وهناك حوالي 250لا هم مع المعتصمين ولا هم مع العاملين.. هذا على مستوى نسبة المحتجين. اما بخصوص اسباب الاحتجاج، فكان استغرابهم اكبر، فهم من جهة يتساءلون عن الاسباب التي حالت دون تنظيم حملات الاعتصام امام مقرات شركات المناولة التي تشغلهم عوض تنظيمها أمام مقرات المجمع الشريف للفوسفاط، الذي لا تربطهم به أية عقدة شغل. في نفس السياق، اعتبر مسيرو الشركات ان دوافع الاضراب مخالفة تماما لمقتضيات قانون الشغل، فبناء على طلب العروض المقدم من طرف المجمع الشريف للفوسفاط، فان كل الشركات المشاركة في الصفقة ملتزمة وفق دفتر التحملات، بتطبيق مقتضيات قانون الشغل وخاصة الجانب المتعلق منه بالشغل الموسمي. فالمأجورون يتوصلون كل 15 يوما بأجورهم التي لا تقل عن الحد الادنى للاجور والتي تتفاوت حسب المهام و الكفاءات، لتتراوح مابين 2500 درهم وما يزيد عن 12 الف درهم، وكل هؤلاء العمال مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويستفيدون من التغطية الصحية الالزامية (AMO) كما يستفيدون من الساعات الاضافية ومن العطل الدينية والوطنية والسنوية، ويستفيدون كذلك من تعويضات القفة والنقل، والالبسة. وفي ردهم على اطروحة بعض المستخدمين القائمة على اساس أن الفوارق بين ما يحصل عليه مستخدمو المجمع الشريف للفوسفاط ومستخدمو شركات المناولة شاسعة حتى في الحالات التي تكون فيها المهام المنجزة هي نفسها، لاحظ مسؤولو الشركات أن المقارنة مرفوضة أصلا لأن الامر يتعلق بمستخدمي مؤسسات مختلفة، ولكل مؤسسة قانونها الداخلي. وفي حالة شركات المناولة، فإن عقدة التشغيل، الموقعة من طرف المستخدمين، تنص على كل الشروط ولم يقع الطعن فيها خلال الاجل القانوني المحددفي 60 يوما ابتداء من تاريخ التوقيع عليها. وفضلا عن ذلك يضيف المسؤولون، فإن دفتر التحملات محترم ومراقب من طرف المجمع الشريف للفوسفاط. وبالعودة الى طبيعة الاشكالية المطروحة حاليا، لاحظ أرباب شركات المناولة أن من حقهم الاستغناء بشكل نهائي عن كل من تخلى بدون عذر عن القيام بالمهام المنوطة به. ولكن تماشيا مع رغبة السلطات المحلية ورغبة المجمع الشريف، التي تتخذ من التشغيل المحلي إحدى أولوياتها، فإن محاولات الاقناع بالعودة الى العمل مازالت سارية، لكنها لا يمكن أن تدوم الى أجل غير مسمى، خاصة ان شركات المناولة تتحمل باستمرار كلفة التحملات الثابتة، وأن هامش الربح الذي تحصل عليه محصور في نسبة ضئيلة، اما بالنسبة للمجمع الشريف للفوسفاط، يضيف ممثلو شركات المناولة، فان نشاطه لم يتأثر بتوقف حوالي 600 مستخدم عن العمل.. والمجمع الشريف للفوسفاط يقول المسؤولون لا يمكن ان يظل متفرجا في حالة ما اذا لم تنجح سياسة خلق العمل عن طريق شركات المناولة، لأن أعماله لا تتوقف وبالتالي سيكون مضطرا الى فك الارتباط بها ليعتمد التوظيف المباشر، الذي له شروط معروفة، منها الشهادات والكفاءة والتجربة وهي شروط لا تتوفر في معظم مستخدمي شركات المناولة. مصادر مسؤولة بمدينة خريبكة أوضحت لنا بأن التشغيل عبر شركات المناولة يدخل في اطار اجتماعي، فبما أن شروط العمل في هذا القطاع صعبة، فإن السلطات والمجمع الشريف للفوسفاط، ارتأيا ان يشغلا جزءا من ابناء المدينةوضواحيها بطريقة غير مباشرة. من جهة من أجل تشجيع مقاولات وشركات بالمنطقة في المساهمة في التنمية المحلية، ومن جهة ثانية من أجل توفير مناصب عمل لأبناء المنطقة. وأردفت هذه المصادر بأن السلطات والمجمع الشريف للفوسفاط عارضا بشدة فكرة شركات المناولة القاضية بالاستغناء عن المضربين، وفصلهم عن العمل. مسؤول بالمجمع الشريف للفوساط أكد لنا من جهته ان الحفاظ على حقوق عمال شركات المناولة هو من ضمن اولويات المؤسسة الفوسفاطية ، وبأنها لا تعقد صفقات عمل مع شركات لا تحترم قانون الشغل، موضحا بأن اداء واجب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتغطية الصحية واحترام الحد الادنى للاجور، مراقب بشكل مباشر من المجمع الشريف للفوسفاط. واضاف المسؤول بأن هناك مشاريع كبرى ستعرفها منطقة خريبكة وهو ما يعني ان المستخدمين لدى شركات المناولة لن يتوقفوا عن العمل، لكن من مصلحتهم الحفاظ على مناصبهم الحالية.