تتحدث الأرقام الحكومية هذه الأيام وبلغة الإطناب والمديح عن خوارق تحققت في مجال محاربة الأمية بشكل خاص : فمناسبة الثامن (8) من شتنبر من كل سنة يحتفل العالم باليوم الدولي لمحاربة هذه الآفة التي حظيت داخليا باهتمام رسمي وجمعوي واسع، وخارجيا من طرف الاتحاد الأوربي الذي أغدق علينا مؤخرا حوالي 19 مليار سنتيم لدعم مواجهتنا لهذه المعضلة التي اعتبرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين تحديا استراتيجيا وطنيا، لأن كسبه يعد مدخلا بنيويا لكسب جل- إن لم نقل -كل المعارك التنموية الأخرى التي تجسدها على المستوى الاجتماعي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عنها جلالة الملك في 18 ماي 2005 . إن الأرقام الأخيرة التي أعلن عنها وبشكل رسمي تطرح مجموعة من علامات الاستفهام والتعجب والاستغراب حول القيمة المعيارية لما سمي بالسبق الفريد في مواجهة الأمية، التقرير تحدث عن المنجزات والرؤى الحكومية التالية؟ - تتبنى الوزارة الوصية على الملف، إستراتيجية مندمجة في محاربة الأمية ؟ - تجاوز عدد المستفيدين من دروس محو الأمية 3،2 مواطن ومواطنة، مليون مواطن منهم 80 بالمائة من النساء وخاصة بالعالم القروي. - اعتماد فلسفة واقعية لمعالجة هذه الإشكالية في بعديها الاجتماعي والتنموي. - 2015 هو السقف الزمني الذي حدده الميثاق لاجتثاث كل بؤر الأمية ببلادنا. - تخفيض نسبة الأمية لدى الساكنة النشيطة إلى اقل من 10 سنة 2010 . كلها رهانات تؤشر لمرحلة جديدة في تاريخ الأوراش التنموية المفتوحة والتي يشرف عليها بشكل مباشر ملك البلاد. إلا انه لا يمكن اختزال ملف ظاهرة الأمية في أرقام استدلالية لا تعكس ولا تلامس الواقع الميداني نظرا لكون المعركة ضدها تتقاطع مع مجموعة من القطاعات الحيوية الأخرى ولا تتحمل توظيفها بشكل ميكانيكي وأحيانا ديماغوجي: فالأمية تختزل الكثير من المقاربات السوسيو- اقتصادية واجتماعية وحتى نفسية : فهي مؤشر حقيقي عن وضع المرأة في المجتمع المغربي.. تشغيل الأطفال وخادمات البيوت القاصرات.. استمرار بعض أنماط نظم السخرة في البادية المغربية.. تركيبة المجتمع الأبيسي المغربي.. هشاشة نظام التربية والتكوين في غياب توجه سياسي واضح لملامسة مشاكل القطاع.. كلها حقائق ومعطيات يحاول التقرير الرسمي الأخير القفز عليها باستعمال لغة نمطية جاهزة وفيها الكثير من اللبس نظير: الفلسفة الواقعية ؟ تبني الوزارة لإستراتيجية مندمجة اتجاه الملف؟ إن عملية ملامسة واقع الأمية في المغرب ، ليست بعملية بيروقراطية تتوقف جهة بعينيها ، بل إن المشروع في كليته مشروع شعبي ورسمي لابد من إشراك كل مكونات الجسم المغربي في بلورة حلوله والاقتراحات البناءة بغض النظر عن بعض الحساسيات السياسية أو الانتخابوية، خاصة بعد أن اعتبرها صاحب الجلالة معضلة حقيقية تواجه البلاد في خطابه السامي ليوم 30 يوليوز2007 : وعقلنة تدبير الموارد،ولغات التدريس،وتحديث البرامج والمناهج والتركيز على محو الأمية. أما توظيف التطلعات واعتبارها واقع تحقق ، فإنما يدخل ذلك في باب المجازفات المجانية لتركيبة واقعنا التعليمي والثقافي بكل ثقله التاريخي ، وحتى نثبت المجازفة بمضمون التقرير الحكومي حول مستوى الأمية في بلادنا ، نورد بعض الحقائق التي ربما قد تبدو صادمة : - تعقد علاقات الشراكة مع الجمعيات الفاعلة في الميدان نظرا لتذبذب العلاقة المالية مع الجهات الرسمية الوصية بحكم تعارض السنتين المالية والإدارية مما يحرم المكونين من مدا خيل قارة للمكونين العاملين في الميدان - ضعف آليات المراقبة المالية للإعتمادات المخصصة لبرنامجي محاربة الأمية والتربية غير النظامية، والتتبع والتقويم ومحاربة حالات التنافي - بطء وتيرة صرف التعويضات المحفزة في وقتها ، وأن يقتصر اختيار المكونين على الكفاءات وليس القرابات ضعف مستوى التكوين لدى اغلب المشتغلين على الملف، وهو تكوين يجب أن يلامس الواقع والمستجدات في الميدان والانفتاح على التجارب الوطنية والدولية الناجحة، فالتجربة الشخصية وحدها لاتكفي لتدبير الملف في غياب تراكم للمعرفة الأكاديمية في نفس السياق . - يتحدثون عن الفلسفة الجديدة والإستراتيجية المندمجة والمبهمة التي تناولها نفس التقرير لمعالجة الظاهرة، والمخطط الاستعجالي 2009- 2012 لم يكلف نفسه حتى عبء التطرق للامية؟ - أي إستراتيجية مندمجة وملايير السنتيمات تصرف على إنتاج كتب ونشرات لا يقرأها جل المستهدفين .. فهي مكدسة في مستودعات ودهاليز الأكاديميات والنيابات ومعرضة باستمرار لمياه الأمطار، والغريب في الأمر أن جل المسؤولين على رأس هذه الأكاديميات والنيابات ، يريدون التخلص من أهرامات تلك الكتب والمنشورات مهما كانت الطريقة فهي بالنسبة لهم عبء كبير ؟ - ضرورة تخلص هؤلاء المسؤولين من الإسقاطات السيكولوجية والتي تنظر الى هذه المصلحة ونشاطها من منظور رؤيا دونية مقارنة مع باقي المصالح ، بل يتم تهميشها غالبا في اتخاذ القرارات، إذ هناك مصالح تشتغل في مكاتب ضيقة وبدون تجهيزات ولا موظفين عكس أخرى التي تتوفر على العديد من المكاتب والموظفين والأعوان والتجهيزات و... وحل هذه المشاكل رهين بموقف المسؤول الأول عن الأكاديمية من الرغبة في تطبيق البرامج الرسمية من عدمها. - هل يمكننا مواجهة آفة الأمية بتعويضات هزيلة للمكونين مثلا؟ - يتحدث التقرير على أن عدد المستفيدين حاليا تجاوز 2،3 مليون مستفيد، فهل ضبط أصحاب التقرير عدد ونسبة التسرب اليومي لهؤلاء المستفيدين ؟ فكيف تسنى إحصاء عدد هؤلاء وبهذه الدقة ؟ وهل تمت بالفعل مراقبة وإحصاء لوائح المستفيدين ومراقبتها وتنقيتها من الشوائب وبشكل منتظم؟ وكيف يتم التعامل مع تقارير لجنة الدراسات وزياراتها الميدانية المفاجئة لمراكز التكوين ؟ وهل كل هذه المراكز تتوفر على الوسائل الديداكتيكية واللوجيستيكية لإنجاح معركة محاربة الأمية...؟ وهل تصمد مثل هذه الأرقام الرسمية أيضا أمام آخر التقارير الدولية حول المغرب من بينها تقرير البنك الدولي بتنسيق مع البنك الإفريقي للتنمية والذي وضع بلادنا في المرتبة 73 عالميا من خلال سلم التنافسية الدولية، وذلك برسم سنة 2009-2010 منبها إلى المراتب الأخيرة التي تحتلها بلادنا في بعض القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم. بل هناك دول جد فقيرة نتخلف عنها نحن فيما يخص نظم تعليمنا و...؟ فما رأي الذين صاغوا التقرير السالف الذكر حول استمرار ملاحم بلادنا في محاربة الأمية والقضاء على مظاهر الفقر والهشاشة الاجتماعية؟