فليس عيبا ولا هو عورة ان نقوم بين الفينة والأخرى بتشخيص عاهات وامراض القطاع البحري! وكي نكون اكثر صراحة ووضوحا يجب ان نعترف بان الفجوة بيننا وبين التقدم في المجال البحري قد اتسعت وتفاقمت واننا بالفعل قد تراجعنا عن الاهداف المتوخاة. ومع ذلك فاننا، نتمنى ان تأخذ هذه الغرف مسارها الحقيقي الذي يمكن ان يصل بالقطاع البحري الى ركب التقدم المتتبع لأنشطة قطاع الصيد البحري ببلادنا، يلاحظ انه يمر حاليا بفترة من أحلك وأدق الفترات التي عرفها خلال سنوات نشاطه الطويلة، كقطاع حيوي لعب دورا هاما في صيرورة اقتصادنا الوطني، وأنه يعاني من عدة علل، وسائر لا محالة الى المجهول. فترة لم يسبق له ان عاش مثلها في عهد مختلف المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير شؤونه منذ الاستقلال الى اليوم، وقد لعب الوزراء المنتمون الى الاحزاب المشكلة للحكومات السابقة، بمن فيهم وزراء الصيد البحري دورا رياديا في توجيه الغرف البحرية وفق المخططات المرسومة من طرفهم لحاجة في نفس يعقوب! فكانت هذ الغرف صورة طبق الاصل لمديرية، أو مكتب، أو مصلحة تابعة للوزارة الوصية أو خلية حزبية يتجلى دورها في استقطاب المهنيين والاداريين على حد سواء! كما ظلت هذه الغرف منذ تأسيسها بتاريخ 25 يوليوز 1997، عبارة عن مؤسسات مطبوعة بالموسمية حينا واحيانا مشلولة ومفصولة عن مشاكل القطاع البحري، وعن انشغالات وطموحات رجاله، بحكم تبعيتها المطلقة للادارة، وبحكم تركيبتها التي افرزتها الصناديق الزجاجية، إلى درجة فقدت معها أي و دور أو وظيفة ملموسة لدى المهنيين الذين انتخبوا أعضاءها، كما تحولت هذه الغرف الى ادوات في يد اقلية للدفاع عن مصالحهم الضيقة والأنانية، والى مؤسسة مغلقة على ذاتها لا صلة لها بمحيطها المباشر، ولا دور لها أمام تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي يعرفها القطاع البحري، نتيجة للفساد الاداري والتسيب القطاعي، ونتيجة أيضا لجهل اعضاءها للقوانين المنظمة، وجهلهم با لدور الذي القي علي عاتقهم من طرف من انتخبوهم. فكانت النتيجة تبذير الميزانيات في الاسفار والرحلات خارج أرض الوطن وداخله، وفي اقامة المآدب بافخم الفنادق، وشراء الضمائر، ميزانيات تعد بالملايير -المستضعفون- من رجال البحر احق بها لتدبير شؤونهم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والحكومة أحق بها لتوظيفها في مجال التشغيل والتخفيف من حدة البطالة التي تنخر مجتمعنا. لقد كان من اللازم بل ومن الضروي ان ترصد هذه الميزانيات التي تبذر يمينا وشمالا للمساهمة في التنمية الإجتماعية عوض تبذيرها بالشكل المتعارف عليه! ولعل احدا لا حتاج ان يخبر السيد وزير الصيد البحري او نظيره في وزارة المالية عن الوضعية التي تسوء يوما بعد يوم في هذه الغرف، فمن المفروض ان الحكومة بما لها من امكانيات وما عندها من سلطات ومابين يديها من تقارير منجزة من طرف لجنة التقصي يرأس اشغالها المفتش العام لوزارة الصيد البحري. هذه الحكومة تعرف الكثير من الانحرافات و الاختلافات! و من المفروض انها بما لديها من معلومات مستقاة من مصادر سرية وعلنية، ظاهرة وباطنة، تعرف الكثير من التجاوزات المالية والسلطوية التيح دثت وتحدث بهذه الغرف التي أسست لتخدم المهنيين، فاذا بها تخدم قضايا الكبار الذين حولوا القطاع البحري الى بقرة جف ضرعها فلم يرحموا ضعفها، بل حولوا لحمها الى «قديد»، وصنعوا منه «الخليع» في وقت ظل فيه البحار المسكين يعاقر الامواج القوية والرياح العاتية التي هي احن عليه من قرارات المسؤولين! ليتضح في نهاية الامر للمهنيين بان هذه الغرف جاءت لتساهم في تفقير الصغار، وليفعل بها وبميزانيتها وأموالها ما لا يراقبه مراقب، ولا يضبطه ضابط، ولا يحاسب عليه محاسب. مما يؤكد بأن الازمة قائمة وعميقة وبنيوية، لا يمكن تغليفها بالخطابات المناسباتية، أو المقالات الاعلامية التي تنشر للتزكية طبقا لمقولة «عظم خوك البوخاري». ولا يمكن ردها الى عنصر من العناصر، مهما كان حجمه ودوره في تعريتها من قبيل أن الغرف فتية وحديثة العهد، وان اعضاؤها مبتدئون، فالمشرع المغربي الذي حرم بحارة الصيد البحري من عضوية الغرف البحرية، قد منحها عدة اختصاصات في العديد من المجالات، وخول لها ان تزود الحكومة بالآراء والمعلومات وأن تقدم الاقتراحات، وأن تساهم في احداث وتعهد المؤسسات، وأن تعين الحكومة على تصميم المناهج العصرية لصيد الاسماك، وتحسين قيمة منتجاته وتسويقها (المادة 23). كما خول لها المشرع القيام بالوساطة بين مجهزي المراكب والفاعلين المغاربة، ونظرائهم الاجانب قصد توسيع المجالات التجارية والصناعية المغربية وتنويعها، وان تساهم ايضا في ارساء وتطوير البحث العلمي في قيطاع الصيد البحري، وتربية الاحياء المائية، اذن لها بتأسيس المؤسسات الاتية في دوائر نفوذها، عن طريق ابرام اقتراضات لاجل بناء وتجهيز مؤسسات لها علاقة بمهامها واختصاصاتها، واجاز لها بابداء الرأي في التغييرات المراد ادخالها علي تشريع الصيد البحري (المادة 24 ). كما الزم المشرع الحكومة باستشارة الغرف في الانظمة المتعلقة بالصيد البحري، واعداد وتطبيق تهيئة المصايد وادارتها، مثل المؤسسات التي تهتم بالتكوين، وأجاز لها احداث مؤسسات و خدمات واشغال ذات مصلحة مشتركة، وادخال البعد الاجتماعي الرامي الى تحسين ظروف العمل في قطاع الصيد البحري (المادة 25 و 27 ) وبالقاء نظرة سريعة ومدققة على القانون المؤسس لغرف الصيد البحري رقم 4*97، نجد ان الفصل الخامس منه يحتوي على رزمانة كبيرة من الاختصاصاتا لمخصصة لهذه الغرف. فماذا بعد هذه الجولة القصيرة في التعامل مع رزمانة القوانين المنظمة للغرف البحرية التي استغرقت من عمر رجال البحر وقدراتهم قرابة عشر سنوات (27 يوليوز 1997، 27 يوليوز 2007 )؟ وماذا بعد هذه الجولة التي ظل من خلالها اصحاب ( كولو العام زين) يصارعون ارادة التغيير ويقاومون تيار الاصلاح؟! فماذا استفاد رجال البحر من هذه الغرف؟ وماهي المشاريع ا لي حققتها الغرف ميدانيا؟ وماهي مشاريع القوانين الاجتماعية والبيئية التي بثت فيها؟ وهل تعاملت هذه الغرفة، مع رزمانة القوانين التي تخول لها المشاركة الفعالة في تدبير شؤون القطاع البحري، ولو جزئيا؟ هل كان لها دور في الحد من تواجد الاساطيل الاجنبية بمياهنا الوطنية، هل شاركت في المفاوضات المغربية الاوروبية بوصفها فاعلا اساسيا؟ هل تقدمت باقتراحات جديدة لعصرنة وتحديث اسطولنا الوطني ودعم البحث العلمي بغية التعرف على مصايد جديدة، وتحسين المستؤى الاجتماعي والاقتصادي لرجال البحر المغاربة؟ هل نظمت هذ الغرف اياما دراسية لتأطير المهنيين، وتوعيتهم في المجالات المرتطة بالعالم البحري؟ هل خصصت ضمن ميزانيتها التي كانت تبذر يمينا وشمالا في الاسفار والمطاعم والفنادق ولو جزءا يسيرا لمساعدة المستضعفين من رجال البحر خصوصا اسر الغرقى والمعطوبين والمتقاعدين؟... حقيقة الامر ان مختلف التساؤلات الوطنية حول سياسة الغرف البحرية في ميدان الصيد البحري لم تجد اجوبة! واهم هذه الاسئلة تتمحور حول مردودية الغرف البحرية بالنسبة لاقتصادنا الوطني مقارنة مع ما صرف عليها لحد الآن!؟ للاجابة عن هذه التساؤلات كان من الواجب علينا ان نغوص في اعماق العديد من المجالات المرتبطة بقاع البحور، بما فيها القانون المؤسس لهذه الغرف ومدى جهل المسؤولين لبنوده، ليتأكد لنا الدور السلبي للغرف البحرية! وبالتالي ليسهل علينا دون تحايل او تحامل ( ادانتها) او الحكم عليها بالفشل! خلاصة القول يمكن ان نجزم بان الغرف البحرية بصفة عامة غير قادرة على مواجهة التحديات التي يعرفها القطاع البحري، وهذه نتيجة حتمية لكون اعضائها لم يكونوا نابعين من وسط المهنيين، ولذلك لا تهمهم مشاكلهم ولا يشعرون بآلامهم! فليس عيبا ولا هو عورة ان نقوم بين الفينة والأخرى بتشخيص عاهات وامراض القطاع البحري! وكي نكون اكثر صراحة ووضوحا يجب ان نعترف بان الفجوة بيننا وبين التقدم في المجال البحري قد اتسعت وتفاقمت واننا بالفعل قد تراجعنا عن الاهداف المتوخاة. ومع ذلك فاننا، نتمنى ان تأخذ هذه الغرف مسارها الحقيقي الذي يمكن ان يصل بالقطاع البحري الى ركب التقدم، خصوصا وان هناك رجال نعتز بهم ونعتبرهم من شيوخ هذا القطاع نعتمد عليهم في تدبير شؤون هذه الغرف للانطلاق بها مجددا الى مصاف الغرف المنتجة حتى تؤدي الاهداف المنوطة بها والمتمثلة في الرفع في المستوى الاجتماعي والاقتصادي لرجال البحر، بالاضافة الى حماية ثرواتنا البحرية التي نعتبرها جزءا لا يتجزأ من سيادتنا الوطنية.