تشاء الصدف أن ينتمي المخرج السينمائي نورالدين لخماري لنفس الحي الذي ازددت فيه، أي «تراب الصيني». الحي الذي لم ينجب فقط شاعر ومخرج سينمائي. بل كتاب وفقهاء و»بنت مام». الحي الذي يتجاور فيه المسرحي بالفاعل الجمعوي. السياسي بالنقابي.. وهو الحي الذي أنجب «مغربا مركبا» فيه جميع التشكلات المجتمعية التي تنتمي لمغرب اليوم. باستطاعة أي سوسيولوجي أن يجد فيه نواة مختبرية للدرس والتحليل. كما أنه الحي المنسي في «السياسات المتعاقبة» على المدينة. لهذا الحي أنتمي، بقوة روحية خالصة، ولهذا الحي ينتمي نورالدين لخماري والذي قعد لتجربته السينمائية من خلال تجربة الأفلام القصيرة، والتي أعيد التأكيد هنا أنها ميزته الخاصة. وفي الوقت الذي كشف فيه مهرجان طنجة السينمائي، في إحدى دوراته، على جيل جديد من السينمائيين المغاربة الشباب في المغرب والمهجر. جاؤوا محملين بتجارب خصبة لتجربة الأفلام القصيرة في المغرب. حينها، كان نورالدين لخماري أحد العلامات الفارقة في المشهد. واليوم يعود المخرج لخماري بعد رحلة «كازانيكرا» الى آسفي، لكن هذه المرة كفاعل جمعوي. ليشرف على تنظيم مهرجان «أمواج آسفي». قد لا تحتاج آسفي الى «أمواج» جديدة. بحكم أن لأمواجها رصيدا تاريخا شبيه بتاريخ الحركة الثقافية والجمعوية بالمدينة. يعود المخرج لخماري الى آسفي، بعدما قعدت فيه العديد من الإطارات الجمعوية وبأساليبها البسيطة، وفي غياب الدعم، وفي ظل انعدام كلي للبنيات التحتية. محطات وملتقيات ولقاءات حظيت باحتفاء وطني وعربي. من حق المخرج لخماري أن يؤسس «آفاقه» ويحلم ب»مهرجانه»، وأن يكون شفافا في الإعلان عن كشوفاته المالية. لكن، أن يتحول مهرجانه وإطاره الجمعوي لوصي على كل الإطارات والجمعيات، فهذا لا يستسيغه عقل لبيب. أما وأن يصدر تصريح صريح بأن «تتكلف آفاقه بالمركب الثقافي» الذي ناضلت من أجله الجمعيات والاتحادات وفعاليات المجتمع المدني، فهذا يعني أنه «أمواج» آسفي الغريبة جاءت لتحصد الأخضر واليابس. وكأن المدينة لم تنجب لا أطرا ولا مثقفين ولا كتاب ولا فنانين. لم تؤسس لا فعلا جمعويا ولا ثقافيا بل فقط هي فئة مغبونة، وتحتاج لوصاية. ومن الآن فصاعدا على الجميع، أن يحول مراسلاته الى «آفاق/ الأم». آسفي قد تتحمل صورا بئيسة شبيهة بتلك المشاهد التي التقطتها عين لخماري عن البيضاء في «كازانيكرا» لكنها، لا تتجمل، وليست بهذه الدرجة من الغباء والخواء الفكري. كان أجدر بالولاية والجهة والمجالس المنتخبة أن تخلق إطارا يضم نسيجا جمعويا يغذي بطاقات أبناء آسفي «آفاق» المركب الثقافي، لا أن يعد «كعكته» بتخصيصها لمبدع «نحترم تجربته الفنية، ونزيد على ذلك، بتقدير كفاءاته». وكان أجدى بالمخرج لخماري أن يكون هو المبادر لهذا الطلب، علما أنه يتحدث عن آسفي التي أنجبت العديد من الأسماء والكفاءات. وهي الأسماء التي عانت عندما هدمت دار الشباب علال بن عبدالله والنادي البحري. هي الكفاءات التي ظلت طيلة سنوات تؤسس دينامية الفعل الثقافي والفني بالإقليم والجهة. لا تحتاج آسفي لخوصصة أمواجها، لأنها ملكا للناس ولتاريخ أناسها. ولا تواطؤ في «قرار» يبدو اليوم أشبه بإعداد «ملخص فيلم رديء يعد في الخفاء».