يبدو أن الاستياء الذي شعر به حسن نجمي ووداد بنموسى، وشاطرهما إياه جميع المغاربة، إثر رفض سفارة المملكة المتحدة منحهما التأشيرة للمشاركة في مهرجان «ليدبري» الشعري، لم يكن في حاجة لطلب الإذن من السفارة وانتظار الحصول على التأشيرة ليصل إلى مشاعر البريطانيين. ولعل المقال الذي نشره الكاتب البريطاني «هنري بورتر»، الصحفي المعروف وصاحب المؤلفات العديدة، على موقع صحيفة «الغارديان»، يوم السبت 11 يوليوز الجاري، أكبر دليل على الطابع الكوني للأدب وعدم اعترافه بالحواجز والحدود التي صنعها البشر، كما أنه تعبير صارخ عن الاستياء الذي ما لبث الكثيرون يعبرون عنه إزاء الإجراءات الجديدة والشروط الصعبة التي أضحت تعتمدها السفارات البريطانية في الخارج قبل تقديم التأشيرة لطالبيها. ويلقي «بورتر» اللوم بالدرجة الأولى في ما حدث على وكالة الحدود البريطانية ووزير الحدود والهجرة، «فيل وولاس»، حيث قال إنه ما من كلمة تحقيرية من قاموس «ثيسوريس» تفي بوصف هذين الطرفين، مضيفا بالقول: «لنتفق على أن القوانين الجديدة التي تمنع المبدعين من زيارة هذا البلد، وبالتالي إثراء ثقافتنا، تمثل أكثر الابتكارات إثارة للازدراء». واستغرب «بورتر» من موقف وكالة الحدود البريطانية التي لم تلق بالا لمكانة حسن نجمي الأدبية كرئيس سابق لاتحاد كتاب المغرب ولبيت الشعر، ومدير للكتاب بوزارة الثقافة، كما لم تلتفت للإضافة التي كان من المفترض أن تقدمها الشاعرة وداد بنموسى للمهرجان، إذ لم يكن مصيرها مختلفا عن مصير حسن نجمي في الحرمان من دخول أراضي عاصمة الضباب. ولعل من سخرية القدر، حسب الكاتب البريطاني، أن الأديبين البريطانيين «مارغريت أوبانك» و«صامويل شمعون»، اللذين كانا سيستقبلان الشاعرين المغربيين، مدعوان للحضور إلى المغرب هذا الصيف للمشاركة في أحد المهرجانات الأدبية، لكن دون أن يكونا مجبرين على الحصول على التأشيرة. والأكيد أن منظمي المهرجان بدورهم مستاؤون مما حدث، إذ عبروا عن حنقهم وامتعاضهم من سلوك مسؤولي وكالة الحدود البريطانية، حيث قال المسؤول الإعلامي للمهرجان، «سيمون ستيفن»: «إن الأمر شبيه بتوجيه دعوة للضيوف لحضور حفل عشاء، لكنك لا تلبث أن تكتشف أن ثمة من يقف عند مدخل المنزل ويمنع الضيوف من الدخول». المنع طال أيضا الكاتبة الإندونيسية «دوروثيا روزا هيرلياني»، التي وصفها منظمو المهرجان بأنها أحد أبرز كتاب الشعر في إندونيسيا بإصدارها ثمانية دواوين شعرية ودفاعها عن حقوق المرأة في مختلف المحافل الدولية. والغريب أن إقامتها المؤقتة في ألمانيا لم تشفع لها أمام وكالة الحدود البريطانية، التي رأت أنها لا تتوفر على ما يكفي من الضمانات التي تؤكد نيتها في مغادرة المملكة المتحدة بمجرد نهاية مدة صلاحية التأشيرة التي قد تتوصل بها. ومن جهته، عبر رئيس «الحملة الوطنية من أجل الفنون»، «جون باكويل»، عن استغرابه أمام ما حدث، سيما أن هذه المؤسسة أوضحت غير ما مرة لوزارة الداخلية البريطانية أن الفن يظل لصيقا بطابع العالمية، ولا يمكن أن تتحقق رسالته إلا من خلال تبادل الزيارات بين المبدعين من أجل فتح شهية فئات عريضة من الجماهير وخدمة الفكر الإنساني. ولم يتوان «بورتر» في الكشف عن أن ثمة ما يشبه حملة تستهدف شعراء يحملون أسماء تحيل على أصولهم المسلمة من أجل الحيلولة دون عبورهم إلى التراب البريطاني. ولقد أثار المقال ردود فعل كثيرة من قراء الصحيفة البريطانية، حيث أجمعوا في غالبيتهم على أن الإبداع الإنساني يظل الخاسر الأكبر جراء ما حدث.