تحتضن مدينة شرم الشيخ المصرية ، يومي الأربعاء والخميس ، القمة ال15 لدول حركة عدم الانحياز، وذلك تحت شعار « التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية » بمشاركة 118 دولة عضوا في الحركة إضافة إلى34 دولة ومنظمة بصفة مراقب . وترأس الوفد المغربي في هذه الاجتماعات كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون لطيفة أخرباش . واستعدادا لهذه القمة ، عقد أمس وزراء خارجية الدول الأعضاء ، اجتماعا تحضيريا ، تميز بكلمة وزير خارجية كوبا ، برونو رودريغيز باريلا ، رئيس الدورة الرابعة عشرة استعرض خلالها منجزات الحركة خلال السنوات الثلاث الماضية ، حيث أكد على أهمية «مواصلة الجهود الدولية لمنع النزاعات استنادا إلى ميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي» ، و«أهمية تضافر جهود الدول الأعضاء من أجل تعزيز موقفها التفاوضي ولكي يكون لها صوت مسموع على الساحة الدولية» مصر التي تسلمت رئاسة القمة ، ألقى وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط كلمة جاء فيها أن حركة عدم الانحياز «قد وجدت لتبقى حارسا أمينا على مصالح دول الجنوب » ، مؤكدا على ضرورة تعزيز آلية التنسيق المشترك بين الحركة ومجموعة ال77 والصين من أجل صياغة مقترحات عملية لإعادة قضية التنمية مرة أخرى على رأس أولويات عمل الأممالمتحدة, الاجتماع التمهيدي ، خصص لبحث الوثيقة الختامية و« إعلان شرم الشيخ» ، وتتناول الوثيقة الختامية جملة من المواضيع ، من بينها كيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، ودور الأممالمتحدة والمنظمات المالية الدولية في ذلك ، ومسألة توسيع مجلس الأمن الدولي ، إضافة إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وأزمة دارفور وغيرها من القضايا. وإذا كان من المتوقع أن تشهد القمة ، طرح قضايا « كبرى » تمس في العمق مصالح وطموحات دول العالم الثالث ، وأمنها القومي ، في عالم يشهد حراكا واسعا على مختلف الأصعدة ، وإذا كان من المتوقع أيضا ، كما حدث في قمم أخرى ، آخرها قمة هافانا ، أن تخرج بقرارات مهمة ، إلا أن التساؤل المطروح ، هو قدرة هذه المنظمة على ترجمة ، بل وفرض تصوراتها على الساحة الدولية . لقد تأسست حركة عدم الانحياز ، في ظل شروط ومعطيات تاريخية ، كانت تتميز بالصراع والاصطفاف بين القطبين القويين آنذاك ، الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي . وقد ارتأى « الآباء المؤسسون» للحركة ، وعلى رأسهم ، جمال عبد الناصر ، تيتو ، نهرو وسوكارنو جعلها صوتا مسموعا في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وما تلاها من حرب باردة بين حلفي «الناتو» و«وارسو» ، وقد لعبت الحركة دورا مهما آنذاك ، خصوصا في دعم استقلال العديد من دول العالم الثالث ، وزرع فكرة التضامن الدولي في مواجهة منطق التطاحن الدولي. غير أن السؤال الذي طرح ومازال ، بعد انتهاء الحرب الباردة ، هو دور الحركة ، بل وجدواها ، في ظل المتغيرات الحالية ، حيث يلاحظ أن العديد من القرارات التي تتمخض على مؤتمراتها ، تبقى حبرا على ورق ، رغم أن الحركة تصر ، على أن دورها ما زال قائما، بل وضروريا ، ك «حارس أمين على مصالح دول الجنوب». وبرأي عدد من المتتبعين ، فإن ما يحد من قدرات الحركة ، هو تضارب المصالح بين أعضائها ، وأنها ، وهي التي وجدت أصلا لتكون ضد منطق الاصطفاف على الساحة الدولية ، أصبحت عبارة عن « اصطفافات» متعددة بداخلها . وليس من قبيل الصدفة ، أن يقوم الرئيس الكوبي ، راوول كاسترو ، بزيارة الجزائر ، والاجتماع بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، «اساسا للتحضير لقمة دول عدم الانحياز» كما جاء في بلاغ رسمي ، حيث تشكل كوبا ، إلى جانب الجزائر وبعض الدول في أمريكا اللاتينية والعالم العربي والاسلامي ، كتلة في مواجهة كتل أخرى داخل الحركة . بالاضافة إلى ذلك ، لم تستطع الحركة لعب دور في النزاعات الإقليمية العديدة ، بين أعضائها ، أو هذه الأعضاء في مواجهة دول غربية ، وذلك أساسا بسبب اختلاف المصالح القطرية ، ودرجة القرب أو البعد من مراكز القرار على الصعيد الدولي ، الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي . لكن بالرغم من ذلك فبمقدور الحركة ، التي تضم أزيد من ثلثي دول العالم ، أن ترتقي بأدائها ، عبر التوحد حول القضايا الكبرى ، وقرارات واقعية تسمح لها بإسماع صوتها . وفي هذا الإطار ، تشكل بعض القضايا الإقليمية والأزمة الإقتصادية العالمية ، فرصة لحركة عدم الانحياز لبلورة تصورات وحلول وطرحها أمام المنتظم الدولي والمؤسسات المعنية ، حتى لا تبقى المهمة الوحيدة ، والمكسب الوحيد الذي يحسب لها ، هو الحفاظ على وجودها لا أقل ولا أكثر.