«يسعدني باسم إخواني في المكتب المركزي أن أرحب بالإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني في هذه الدورة العادية، وباسمكم جميعا نرحب بالأخوات والإخوة الذين يحضرون لأول مرة معنا بعد أن اكتسبوا صفة العضوية بفضل تأسيسهم للتنظيم النقابي الفيدرالي في قطاعاتهم وأخص بالذكر ممثلي النقابة الديمقراطية للإعلام السمعي البصري والنقابة الديمقراطية لقطاع التشغيل والنقابة الديمقراطية للثقافة، فمرحبا بهم بين ظهرانينا، كإضافات نوعية للجسم الفيدرالي وكتعبير عن التوسع الذي تعرفه الفيدرالية الديمقراطية للشغل في عدد من القطاعات العمومية. كما لا يفوتني أن أرحب بالإخوة الذين عززوا صفوف الفيدرالية الديمقراطية فرادى أو جماعات وخاصة الإخوة في الاتحاد المحلي بطنجة وعلى رأسهم الأخ الكاتب العام. أيضا لابد أن نتوجه بالتهنئة إلى الأخوات والإخوة الذين تمكنوا من الفوز في الاستحقاقات المهنية إن على مستوى اللجان الثنائية أو مندوبي العمال، ونتمنى لهم كامل التوفيق في الدفاع عن مصالح مختلف فئات الشغيلة. ينعقد مجلسنا الوطني في سياق وطني يتميز بدخول البلاد في مسلسل انتخابي، بدأ بالانتخابات المهنية ثم الانتخابات الجماعية وفي الأيام القادمة ستجري انتخابات الغرف المهنية والجهات وتجديد ثلث مجلس المستشارين، وذلك في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وتصاعد مظاهر العجز الاجتماعي وتعثر الحوار الاجتماعي وطنيا وقطاعيا. كذلك ينعقد المجلس في ظل استمرار مسلسل العداء لوحدتنا الترابية، وعدم تمكن المبعوث الأممي الجديد من تحقيق أي تقدم في الملف، مما يتطلب الحرص على تقوية التماسك الوطني في مواجهة المخططات الرامية إلى المس بوحدتنا الترابية، وبهذه المناسبة لابد أن نشيد بالوفـــــد الفيدرالـــي للمؤتمــر 96 لمنظمة العمل الدولية الذي تصدى لمناورة بعض النقابات الأوربية ونقابة الجزائر الذين حاولوا تنظيم لقاء بجنيف حول حقوق العمال الصحراويين، وقد تمكن إخواننا من الوقوف ضد هذه المحاولة وأفشلوا هذا الاجتماع، في ظل الغياب الكلي للسفارة المغربية بجنيف. -I الالتباس السياسي وتضييق الأفق الديمقراطي وتكريس الهيمنة على المجتمع : كمواطنين مغاربة وكديمقراطيين لابد أن يساورنا القلق على مستقبل الديمقراطية ببلادنا، ونحن نعيش هذه الأيام مشاهد سوريالية في تشكيل مكاتب الجماعات المحلية، والتي أتت على ما تبقى من مصداقية العمل السياسي بعد مظاهر الفساد واستعمال المال والجاه والأعيان التي عرفتها الانتخابات الجماعية لـ 12 يونيو الجاري. لقد كان منتظرا من محطة 12 يونيو 2009 أن تخرج البلاد من المتاهة السياسية التي وضعتها فيه الانتخابات التشريعية لـ 7 شتنبر 2007، وتعيد ما انقطع من وصل بين المواطن والمؤسسات السياسية، وتعيد الاعتبار للعمل السياسي المتوازن القادر على دعم التراكمات الجزئية في مجال التأسيس للديمقراطية والتي تحققت في العشرية الأخيرة، إلا أن ما جرى يوم 12 يونيو ضرب مصداقية السياسة في العمق وخيب أفق انتظار المغاربة، وكرس ثقافة التشكيك في قدرة الأحزاب والمؤسسات السياسية على إدخال بلادنا إلى فضاء الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمؤسسات . لقد تمكنت لغة المال وشراء الذمم وقوة الجاه وشبكات الأعيان ولوبيات العقار والامتيازات من صنع الخريطة التي أفرزتها الانتخابات. وتمكن حزب في ظرف خمسة أشهر بعد تأسيسه من احتلال المرتبة الأولى من خلال توظيف الآليات السابقة وبخليط هجين من المرشحين، قادمين من مختلف الأطياف السياسية بإخفاقاتهم السياسية وشبهاتهم المالية والاقتصادية. لقد لقيت الآليات الانتخابية المرتكزة على الإغراء بالمال والمصالح والمنافع، والضغوطات والتهديدات تجاوبا داخل المجتمع، أمام تراجع الأخلاق والقيم وعزة النفس وتناسل مظاهر الانتهازية والبحث عن سبل المال السهل. كل ذلك يجري أمام أعين السلطة بمختلف تجلياتها، والتي تقمصت دور المتفرج على مسرحية لها دور في إخراجها. يجري كل هذا في سياق التكامل مع مخلفات 7 شتنبر بإفراغ التراكمات الجزئية للتأسيس للديمقراطية من مقومات استمرارها، والدفع في اتجاه تبخيس دور الأحزاب التقليدية بهدف تحييد القوى الديمقراطية والوطنية عن الفعل في تطوير الإصلاحات السياسية والدستورية، وتكريس أولوية وأهمية الإصلاح الاقتصادي على الإصلاح السياسي، مما يهدد بانحسار الأفق الديمقراطي وعودة الهيمنة القوية على المجتمع. إن الشغيلة المغربية جزء من هذا الواقع، ولاشك أن تضييق الأفق الديمقراطي سيكون له انعكاس على مصالحها من حيث دمقرطة العلاقات المهنية، وتعزيز موقع رأس المال من خلال أرباب العمل، والإخلال بتوازن العلاقات داخل مؤسسات الإنتاج، إن من حيث تطبيق التشريعات أو من حيث الأوضاع المادية والمعنوية. كما يمكن أن نلاحظ أن الشغيلة المغربية لم تنخرط بالشكل الكافي في معركة الانتخابات الجماعية، ودعم القوى التقدمية والديمقراطية، وتراجعت مكانة المأجورين في التمثيلية الانتخابية إذ لم تتجاوز 8% . لقد جرت الانتخابات الجماعية في ظل استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على بلادنا، فرغم الموسم الفلاحي الجيد الذي سيحد جزئيا من خطورة التأثير على مستوى النمو وعلى وضعية العالم القروي، فإن القطاعات الإنتاجية الأخرى، ورغم الدعم الحكومي، مازالت تعاني من الأزمة، فالصادرات عرفت تراجعات كبرى والسياحة عرفت تراجعا بنسبة 15% ومداخيل العمال المغاربة بالخارج تراجعت بنسبة 15% وقطاع السيارات يعرف تراجعا كبيرا خاصة على مستوى المشاريع الكبرى للتصدير إلى مصر وأوروبا. كل ذلك ستكون له انعكاسات على معدل النمو الذي لن يتجاوز 5% حسب البنك الدولي، في ظل استمرار الخصاصات الكبرى في مجال التشغيل والمشاريع المهيكلة والتنمية البشرية في أفق معالجة مظاهر الخصاص والهشاشة الاجتماعيين. كما أن الحوار الاجتماعي مع الحكومة يعرف تعثرا حقيقيا ، إذ تميزت دورتا أكتوبر 2008 وأبريل 2009 بالعقم التام ولم يتخذ أي إجراء هذه السنة لفائدة الشغيلة المغربية التي تآكلت قدرتها الشرائية بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية. -II الانتخابات المهنية كاختبار لفعالية وفاعلية التنظيم الفيدرالي : خاضت الفيدرالية الديمقراطية للشغل ما بين 14 و19 ماي 2009 انتخابات اللجان الثنائية (15 ماي) ومندوبي العمال إلى جانب المركزيات النقابية الأخرى في ظل الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدثنا عنها سابقا. وإذا كنا قد دخلنا باستراتيجية واضحة لهذه المحطة الانتخابية منذ المجلس الوطني ليناير 2008، من خلال تسطير برنامج متكامل وبإشراك التنظيمات الفيدرالية من مجلس وطني وقطاعات نقابية واتحادات محلية، فإن تنفيذ البرنامج لوحده لم يكن كافيا لربح الرهان، بل كان للعوامل الخارجية ومنها السياسية دور في النتائج التي حصلت عليها مركزيتنا. لقد كان المكتب المركزي وفيا للمبادئ التي تحكم علاقاتنا في تدبير المراحل الانتخابية، إذ تحملت القطاعات النقابية مسؤوليتها وباشرت كل المهام الانتخابية بإرادتها وقرارها المستقل، وكذلك الشأن بالنسبة للاتحادات المحلية في ما يتعلق بمناديب العمال داخل دائرة مسؤوليتها الترابية، كما استجاب المكتب المركزي لطلبات المصاحبة التي وجهتها بعض القطاعات. وتحملت المركزية كل المصاريف المتعلقة بمواد الحملة الانتخابية وقدمت الدعم المالي للقطاعات والاتحادات المحلية (انظر التقرير المالي) وتابع المكتب المركزي في حدود مسؤولياته العمليات الانتخابية على المستوى الوطني. وإذا كان المجهود المبذول ماديا ومعنويا والاستعداد عن بعد والتواصل التنظيمي قطاعيا ومحليا، وتعزيز صفوف الفيدرالية بقطاعات جديدة وكفاءات نقابية نوعية، وتشكيل الفريق الفيدرالي بالغرفة الثانية للبرلمان، فإن النتائج الإيجابية التي حصلت عليها الفيدرالية، كانت دون طموحاتنا الموضوعية. لقد حققت مركزيتنا بعض التقدم، إذ أصبحت تحتل المرتبة الثالثة بعد أن كانت في المرتبة الرابعة بعد استحقاق 2003، وكان هذا التقدم في قطاع الوظيفة العمومية وكذا في القطاع الخاص. ولا يفوتنا أن ننوه بالمجهودات التي بذلها المناضلات والمناضلون الفيدراليون للوصول إلى هذه النتائج، رغم الظروف العامة الغير المسعفة، ونشد على أيدي كل الذين ساهموا من بعيد أو قريب في دعم الفيدرالية في هذا الاستحقاق الهام. ونحن عازمون في المكتب المركزي على إقرار آليات للتواصل والتكوين مع حوالي 4000 من أخواتنا وإخواننا من رسميين ونواب الذين حظوا بثقة زملائهم، وذلك من أجل تمكينهم من أداء مهامهم على أحسن وجه، وكذلك حتى يكونوا جزءا فاعلا في الجسم التنظيمي الفيدرالي. إن نتائج انتخابات المأجورين قد مكنتنا من تشخيص واقعنا التنظيمي، في القطاعات والاتحادات، مكنتنا من الوقوف على مكامن القوة ومكامن الضعف، فالنتائج تعكس تقدما جزئيا في بعض القطاعات وتراجعا في بعض القطاعات، وهناك قطاعات لم نحصل فيها على أي مقعد. كذلك الشأن بالنسبة للاتحادات المحلية، فهناك اتحادات قامت بمجهودات جبارة وحصلت على نتائج مشرفة وهناك اتحادات حصلت على نتائج مرضية وهناك اتحادات لم نحصل فيها على أي مقعد. هذه الخريطة التنظيمية التي كشفتها الانتخابات تحتم علينا منذ الآن، التصدي لمعالجة ضعفنا القطاعي والمحلي، وتعزيز المواقع التي نحن متواجدون بها. كما كشفت هذه المحطة أن القطاع الخاص لايزال عصيا على الاختراق من طرف الفيدرالية، إذ لم تكن تتجاوز النتائج المحصل عليها حوالي 600 مندوب رسمي، مما يحتم علينا وضع الآليات التنظيمية الضرورية لاختراق هذا القطاع. ولا يفوتنا هنا أن نسجل الخروقات التي عرفتها الاستحقاقات والمضايقات التي تعرض لها الفيدراليون وعلى رأسها قيام ميليشيات الاتحاد المغربي للشغل بتواطؤ مع إدارة المكتب الوطني للكهرباء وأمام أعين السلطات بالوقوف دون وضع إخواننا في النقابة الديمقراطية للكهرباء لترشيحاتهم، إضافة إلى ما جرى في التكوين المهني والمالية واتصالات المغرب من مضايقات واستفزازات. -IIIآفاق العمل الفيدرالي : إننا مدعوون اليوم في مجلسنا الوطني إلى التوجه إلى المستقبل مرتكزين على استخلاص الدروس من الاستحقاقات داخل ورشتين : الأولى لتقييم الانتخابات المهنية والثانية لوضع المعايير والمقاييس الموضوعية لمن سيدخل باسم الفيدرالية انتخابات الجهات وتجديد ثلث مجلس المستشارين. إن الهدف من التقييم هو تقويم الاختلالات التي قد نقف عليها داخل الجسم الفيدرالي لتفاديها مستقبلا في الاستحقاقات القادمة. أما الهدف من تحديد المعايير والمقاييس، فمن أجل تعميق الديمقراطية في الاختيار ومن أجل أن تدخل الفيدرالية أي استحقاق موحدة متراصة ومتكاملة. وسيكون نجاحنا في الخروج بتوصيات من التقييم والتوصل إلى اتفاق حول معايير المشاركة في المعارك الانتخابية والتنظيمية، قوة دافعة لنا في التصدي لما يعرفه الحوار الاجتماعي من تعثر وارتباك بينين ، فدورتا الحوار الاجتماعي لشتنبر 2008 وأبريل 2009 لا يمكن وصفهما إلا بالبياض، ففي الوقت الذي كان على الحكومة القيام بإجراءات لتعزيز القدرة الشرائية للمأجورين التي تآكلت بفعل الأزمة، على غرار ما قامت به لصالح الصادرات وبعض القطاعات الصناعية، نراها تماطل في الحوار الاجتماعي ورافضة كل القضايا الأساسية المطروحة في جدول الأعمال من ترقية استثنائية وزيادة في الأجور. إن هذا الواقع يحتم علينا تفعيل البرنامج النضالي الذي سبق وأن سطرناه وعلى رأسه المسيرة المؤجلة، كما يحتم علينا التشبث بالتنسيق النقابي، بل تعزيزه من أجل تقوية الجبهة الاجتماعية في مواجهة التعنت الحكومي وأرباب العمل. إن تعزيز الجبهة الاجتماعية في مواجهة الاقتصاد اللبيرالي لا يستند فقط الى تمتين روابط التنسيق بين المركزيات النقابية، بل يتطلب مد الجسور مع قوى التقدم والحداثة لأن المستهدف ليس فقط المأجورون وإنما كافة الشرائح الاجتماعية المتوسطة وذات الدخل المحدود وموقعنا الطبيعي، كان وسيظل دائما، في خندق القوى المدافعة عن تحسين أوضاع الطبقات الشعبية وبناء الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمؤسسات. إن المهام التي تنتظرنا متعددة وليست بالهينة، مما يحتم علينا تصليب تنظيماتنا وتصحيح اختلالاتها وتوسيعها وتقويتها، والعمل على إقرار آليات للتواصل أفقيا وعموديا واستغلال الإمكانيات الهائلة التي توفرها الوسائل التكنولوجية الحديثة في العمل والتواصل لكسب الرهانات الكبرى بدءا بالاستحقاقات القادمة. كما أن استحقاقا تنظيميا هاما ينتظرنا وهو المؤتمر الوطني الثالث للفيدرالية الديمقراطية للشغل، ونريد من هذا المؤتمر أن يكون مؤتمرا نوعيا من حيث تنظيمه ونقاشاته ومقرراته ونتائجه، وأن يشكل قفزة نوعية ومحطة أساسية في تاريخ الفيدرالية. لذلك فالمطلوب من قطاعاتنا واتحاداتنا أن تكون جاهزة، سواء من حيث الانخراطات في المركزية أو الوضعية المالية الناتجة عن بطاقات الانخراط وكذا الوضعية التنظيمية».