هل غاضت التربة الوطنية الى هذا الحد، ولم تعد تنجب لاعبين قادرين على تأكيد تفوق القيم المغربية المتمثلة في الجغرافية وفي الديمغرافية معاً على نظيرتها الطوغولية؟ نعم لا تشكل الطوغو إلا كف يد من جسد الخريطة المغربية ولا يعد سكانها إلا على مقاس عمالة من عمالاتنا الصغيرة وهي المحصنة وسط البوركينافاصو شمالا وغانا غرباً و البينين شرقاً ليحتضنها المحيط الأطلنتيكي جنوبا دون أن نتحدث عن نموها الاقتصادي والاجتماعي ونسبة الفقر المرتفعة جداً..... ومع ذلك، ورغم انتفاء عناصر المقارنة بيننا وبين الطوغو، فإننا ظهرنا على رقعة مباراة رياضية دون مستوى قدراتنا وإمكانياتنا! ولعل هذه المباراة أبت إلا أن تكون شاهد إثبات على البعث الذي يلف المنتخبات الوطنية المغربية وأي عبث أكبر من أن نريد أن نقنع المغاربة بأن بطولتهم وصداعها ومطاحنها في مختلف الأقسام عاجزة عن أن تعطي للوطن عناصر أكبر بكثير من الشافني والأحمدي والحمداوي، وحتى حجي الذي تثقل جسده العديد من الإكراهات في أواخر أيامه. لقد بدا واضحاً أن ستراتيجية الطوغو هي الخروج بنتيجة التعادل وتلافي الهزيمة، فتسلح لذلك بما يلزم من تحصين مربع العمليات وقبله وسط الميدان وزهد في البحث عن ومضات خاطفة تمكنه من زعزعة الدفاع المغربي... إلى درجة أن لمياغري كان في عطلة طويلة. كان ذلك واضحا منذ البداية، فكيف كان تدبير المعركة في ظل هذا المشهد؟ لقد »أردنا« أن نؤكد أن ما حققناه في ياوندي كان نتيجة خطة »مدروسة«، لكن عندما نجرد عطاء نخبتنا خلال 90 دقيقة، نجد أن العنصر البشري كان تائها وصدق عليه قول الشاعر: »كناطح صخرة يوماً ليوهنها فما وهنت وأوهن قَرْنَه الوعل (1)، وإلا كيف نفهم أن هجومنا لم يفلح في التصدي للكرات السماوية الواردة على مرمى الطوغو إلا مرة وحدة من بين 17 إرسالية عالية! وكيف نريد أن نفاجىء هذا الدفاع المتكاثف، ونحن لم نخلق ولم نستغل أي فراغ وراء هذا الدفاع؟ وكان ذلك ممكناً لو سحبنا تحركنا مؤقتاً إلى الخلف لنجبره على »الخروج«، لكننا بدل ذلك، وفرنا له كل إمكانيات الراحة والاستجمام. كأننا في كرسي القيادة لم ندرك أن حصون الطوغو تحتاج لاختراقها الى التقنيات الفردية وإلى تكثيف تواجد المهاجمين الشجعان القادرين على اختراق الحصون بالقوة الجسدية والقامات الطويلة، فلماذا تم اعتقال زمامة طيلة 45 دقيقة في الردف الأيمن، ليكون فقط أداة توصيل كرات بصير الى حجي، والتي باءت كلها بالفشل؟ ولماذا تمادى لومير في الاعتماد على الشافني (الذي لم يَشُفه أي أحد)، و الذي اقتصر دوره على تسلم الكرة والرجوع بها الى الوراء ليسلمها الى خرجة وإلى القادوري، موليا ظهرة للمربع الأصفر ودونما قدرة على اقتحامه أو زعزعة رجاله؟ ولماذا ظل لومير متمسكا بنفس النهج الانتظاري رغم أنه نهج كان لصالح الطوغو؟ لماذا ظل محتفظاً بالحمداوي (الذي انهار نفسياً بعد إهدار ضربة الجزاء، وبشكل بشع لا يصدر حتى عن إنسان لم يلعب الكرة قط!! وأضحى مشلولا ولم يلمس ولو كرة واحدة بعد خطإه؟ لا داعي لأجرد للقارىء الكريم فيزيونومية المباراة من حيث الرصد الرقمي للعمليات والبنيات المشكلة لها طيلة 90 دقيقة، لكن ألح على مساءلة السيد لومير: كيف لم يخطر بباله أن يغير خطاطاته التكتيكية في عين المكان وفي اللحظة المناسبة طبقاً لطرائق الخصم وأسلوبه الجامد والمباراة تبتلع الدقائق؟ وهنا مربط الفرص في مهنة ومسؤولية الكوتشينغ. نعم انتبه (متأخراً جداً) الى إمكانيات زمامة فدفع به الى مربع العمليات وهو انتباه يكاد يكون ساذجاً، لأن جميع المغاربة يقدرون زمامة حق قدره ك »زرزرف« لا يصلح إلا للاختراق وليس للتجميد في رقعة ضيقة في اليمين ليقوم بدور الاستلام والتسليم فقط لاغير. وكما قلنا سابقا، فإن هناك حقائق كثيرة مازال يخفيها واقع النخبة الوطنية، ولن يتناطح عنزان في الاعتراف بضرورة إعادة بناء المنتخبات الوطنية على أسس أخرى، لا يمكننا أن نكشف عنها نحن، لأن المسؤولين التقنيين لا يشتغلون بالمجان أو في سبيل الله، بل هم يتلقون أجوراً خيالية ويفرضون ظروف وشروط إعداد غاية في الرفاهية وفي إمكانهم أن يركبوا طريق الصدق والمصدالية بدل التسويفات والإنصات إلى ما وراء الجدران. (1) يُحكى أن وعلا كثير القرون كان كل فجر يصيح صيحة تتكسر من جرائها صخور الجبل لكنه فوجىء ذات يوم بصخرة لا تريد أن تنكسر، فصعد إليها وأخذ يُهشمها بقرونه وذات صباح وهو يشرب في بحيرة رأى أن جميع قرونه قد انهارت وأن الصخرة لم تتحرك من مكانها، ففهم حينئذ أنه هو الخاسر الأكبر لكن بعد فوات الأوان، فقال فيه الشاعر هذا البيت.