من يحكم، يقود ويسير الأسرة؟ من يضع القواعد ويرسم الحدود في البيت؟ من يسن القوانين ومن ينفذها؟ كيف تتوزع الأدوار داخل البيت؟وهل للمرأة دور في صنع القرار داخله؟ إنه قانون الطبيعة: هناك الحكام والقادة... وهناك الرعية والمأمورون... إنه أيضا قانون الحب والتعايش وفق ظروف الحياة والمعيش اليومي، حيث تعلو قيمة ال «نحن» بدل «الأنا» على طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة لتحقيق الصالح العام. الواقع يؤكد أن القائد ليس هو دائما -سواء كان رجلا أو امرأة- ذلك الذي يتكلم بصوت مدو أو ذلك الذي يحتل مكانة كبيرة داخل الأسرة. فمن يملك السلطة الحقيقية داخل هذه الأخيرة؟ هذا ما تبينه الشهادات التي يتضمنها ملف هذا العدد... توزيع الأدوار داخل الأسرة المغربية من أجل خلق توازن عائلي مبني على علاقات تكاملية تؤكد العديد من الدراسات المتعلقة بالأسرة على أن هذه الأخيرة تعد الأبرز ضمن أشكال التنظيم الاجتماعي... فهي خلية تناسل وإنتاج وإعادة إنتاج؛ وبالتالي تعتبر العائلة التي تمثل وعاء لرصد السلوكات الاجتماعية مفتاحا لإعادة قراءة وفهم طبيعة العلاقات بين الأفراد من الجنسين، أي بمعنى آخر مفتاح فعلي لولوج المجتمع. إن البحث في مسار إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة المغربية الحديثة يندرج ضمن البحث في سوسيولوجيا التحولات التي تنبش في مسائل التغيير ومسارات التحديث. ويمكن القول إن الإهتمام بالأسرة كموضوع لم يبرز في بلادنا إلا انطلاقا من العقود الثلاثة الأخيرة من الألفية الثانية من طرف بعض التنظيمات الحزبية وخاصة النسائية منها. ويمكن تصنيف هذا الاهتمام المتأخر بالأسرة المغربية ضمن التحولات التي مست مختلف مكونات هذه الأسرة وجعلت منها موضوعا مثيرا يناقش البنية والشكل والعلاقات داخلها. ويمكن اعتبار هذه الورقة محاولة للبحث فيما ترتب عن هذه التحولات من حركة متنامية من أجل الوصول إلى نتائج إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة المغربية بين أفرادها أزواجا كانوا أم أبناء. يمكن اعتبار ولوج المرأة سوق الشغل وتحملها المسؤوليات السياسية والإدارية وحتى الأمنية الكبرى داخل المؤسسات العامة والخاصة ثورة داخل المشهد التقليداني الذي كان يقوم على مبدإ تقسيم الوظائف والأدوار طبقا للجنس، أي المرأة داخل البيت والرجل خارجه. كما أحدث تغييرات عميقة في علاقات الهيمنة التي كانت مرتبطة بالجنس والسن وهيمنة الذكر على الأنثى والكبير على من هو أصغر منه ولم يعد الزوج الأب هو المسؤول الوحيد عن تسيير المؤسسة العائلية والمتصرف الوحيد في مواردها الاقتصادية، إذ استبدلت سلطته باتجاه تقاسم السلطات والمسؤوليات العائلية. ويمكن القول إن عمل المرأة قد ساهم، بشكل أو بآخر، في إحداث ثورة وسط العلاقات السلطوية بين الزوجين حيث تحول دخل المرأة من عملها إلى مصدر لسلطتها وحضورها في اتخاذ القرارات. ومن بين العوامل التي ساهمت أيضا في إحداث تحولات عميقة في بنية الأدوار داخل الأسرة المغربية التشريعات التي أنصفت المرأة من خلال مدونة الأسرة التي أخرجت المرأة من طابعها التقليدي إلى طابعها العصري من خلال التعاقد على العديد من المرتكزات التي تكون نواة الأسرة العصرية إضافة إلى الدعم الذي تقدمه الأحزاب السياسية والتنظيمات النسائية والجمعيات الحقوقية للنهوض بالأسرة وتكافئ الفرص بين الجنسين والقضاء على كل أشكال الميز والمعاناة التي ظلت المرأة ترزخ تحت نيرها إضافة إلى تمدرس المرأة وتبوئها مكانة خاصة بالمعاهد والمدارس العليا حتى أن هذه المطالب البسيطة التي كانت تنادي بها تحولت إلى مطلب إستراتيجي لدى العديد من التنظيمات السياسية والحقوقية والنسائية. هذه العوامل أفضت بدورها إلى بروز ظواهر أخرى دالة مثل التقارب الثقافي والمعرفي مع ما يعنيه ذلك من تنوع في الأفكار والرؤى يساعد على الإفلات من نماذج الثقافة التقليدانية... فنضج الآراء والأفكار بين الزوجين يعطي إمكانات أرحب للأسرة الحديثة كي تشتغل وفق ما تقتضيه المتغيرات سواء ما يتعلق بتنشئة الأطفال أو التعامل مع متطلبات الحياة. لكن السؤال المطروح في هذه الورقة هو كيف توزع الأدوار داخل الأسرة المغربية؟ وهل ذلك مرتبط بالواقع المغربي فقط أم بالثقافة المجتمعية وعلاقة الجنسين؟ فلنفترض جدلا وجود مساحات مشتركة بين الزوجين فيما يخص تقسيم الأدوار داخل الأسرة المغربية بفعل التحولات التي مست تربية الأبناء، القيام بالأعمال المنزلية الترفيه الواجب اليومي، فإن الحديث عن كيفية تقاسم وممارسة الأدوار بين الزوجين واتخاذ القرارات داخل الأسرة والمناخ العام الذي تناقش وتحسم فيه العلاقات بين الأبناء والآباء وحدها الكفيلة بتحديد مدى نجاح الأسرة المغربية الحديثة من خلع جب التقليدانية؛ وبالتالي، فإنه يستوجب إعادة صياغة السؤال المحوري حول كيفية تقاسم الأدوار داخل الأسرة المغربية. لايمكن الحديث عن توزيع الأدوار بين الزوج وزوجته بعيدا عن المنحنى الجنسي، فالمرأة مازالت تتحمل لوحدها الشأن الداخلي في البيت حتى وإن كانت تعمل وتساهم في الدخل الاقتصادي للأسرة. بمعنى آخر، إن مشاركة المرأة للرجل في العمل خارج البيت لم يرافقه تحول في سلوكيات الرجل نحو مساعدة المرأة في الداخل. وهذا يعود إلى طبيعة الثقافة الاجتماعية التي تبعد الرجل عن الأشغال المنزلية والتي تلصق بصفة قطعية بالمرأة رغم أن البعض بدأ يستوعب أن من واجبه مساعدة المرأة في أشغال البيت. أما فيما يخص توزيع الأدوار بين الأزواج، فيمكن أن نلاحظ الفرق بين حق المشاركة في اتخاذ القرارات كفكرة وكقناعة، وبين هذه العملية كسلوك معيش مجسد في الحياة العائلية. ويجوز القول إن مسألة اتخاذ القرار تختلف عن وضعية تقسيم الأدوار، هذا الاختلاف يمكن إرجاعه إلى متغير مؤثر وهو عمل الزوجة، إذ يتسع التفاوت في حجم المشاركة في اتخاذ القرارات بين المرأة العاملة والمرأة التي تكتفي بشؤون المنزل، فالزوجة العاملة التي تنفق جانبا كبيرا من مرتبها في نفقات المنزل تتوفر على سلطة أكبر تمكنها من مشاركة الرجل في اتخاذ القرار وحتى المبادرة به، في حين تكتفي المرأة غير العاملة بهامش من التصرف لايتعدى الإنفاق اليومي. ولكن لايجب المغالاة في الحديث عن السلطة الذي تتمتع بها المرأة العاملة... ذلك أن بعض القرارات الكبرى والمصيرية التي تهم العائلة كإقتناء السكن أو السيارة أو مكان الاصطياف أو لباس الأبناء أو تزويجهم يبقى بأيدي الرجال ويتجاوز الزوجات؛ وبالتالي فإن ذلك يعود إلى تأثير الثقافة والبيئة الاجتماعية، فسلوك الزوج في العائلة المغربية مازال ينحو إلى الإبقاء على علاقات التفوق على المرأة. إن تناول مسألة الأدوار والوظائف والتراتبية داخل الأسرة لايجب أن يقتصر على النظر في وضعية المرأة وشكل العلاقات التي تربطها بزوجها... ذلك أن طرفا ثالثا يكون مؤثرا وهم الأبناء، فماذا عن العلاقة بين الآباء والأبناء داخل الأسرة المغربية؟ إذا كانت الأسرة تعد بمثابة الحلقة التي تتشكل فيها شخصية الطفل الناشئ من خلال التفاعلات التي تتم فيها، فإن الأبناء يتأثرون بمناخ العلاقات القائمة بين أفراد العائلة التي ينتمون إليها. واعتبارا إلى أهمية الأسرة في بناء المجتمع المتوازن، فقد عمِلت الدولة المغربية على تنظيمها بما يوفر لها أسباب الاستقرار أخذا بعين الاعتبار ما يعرفه العالم من تحولات في مجال الأسرة. إلا أن العلاقة بين الأبناء والآباء داخل الأسرة المغربية لاتصل إلى مرحلة الأخذ بعين الاعتبار قرارات الأبناء في اختيار وفرض بعض المسلكيات التي تهم منحى حياة الأسرة؛ وبالتالي، فإن رأيهم يبقى، في أحيان كثيرة، استشاريا ولايعتد به لدى الآباء. إن النقاش الحقيقي داخل الأسرة المغربية يؤشر على وجود تواصل بين الأزواج، كما بين الأجيال، مبني على ثقافة الحوار وتبادل الأفكار والرؤى من أجل خلق توازن عائلي مبني على علاقات تكاملية قائمة على مبدإ التوزيع العادل للأدوار ومشاركة الزوجين في أخذ القرارات وتصريف شؤون الأسرة على أكمل وجه.