تعد المسائل المالية من أهم الأمور التي تركز عليها الأسر المغربية في تعاملاتها، لدرجة أصبحت معها الحسابات اليومية وأجندة المصاريف المشتركة بين الزوجين، أو بين أفراد الأسرة ككل بما فيها الأبناء العاملين، ضرورة ملحة يفرضها من جهة غلاء المعيشة والمصاريف الكثيرة، ومن جهة أخرى تسلط أحد أعمدة الأسرة -الزوج أو الزوجة- حيث يرغب كل طرف منهما في التحكم بالمسائل المالية، الشيء الذي ينعكس على العلاقة بين الزوجين ويهز كيان الأسرة بأكملها، هذا مع وجود زوجة عاملة. أما في حالات الزوجة غير العاملة، فنجد بعض الأسر تعيش نوعا من الاستقرار النفسي والمادي، لأنها تخضع لسلطة الرجل فقط (الزوج، الأب) من ناحية الإنفاق. أما عملية التدبير فتترك للزوجة، ولها أن تثبت مدى جدارتها في ذلك. نساء عاملات وتسلط الأزواج والأبناء حكايات ومآسي تتسبب فيها الأمور المالية خصوصا مع وجود زوجة عاملة في البيت وزوج بخيل متسلط، فلا يفوت هذا الأخير فرصة الاستيلاء على راتب زوجته مهما كان بسيطا، ويدفعها إلى العمل الإضافي وتحمل مصاريف البيت والأبناء ومصاريفه أيضا، وحتى إن كان يتوفر على عمل ف «النص بالنص»... تقول فتيحة (45 سنة، منظفة) إنها تعاني من مشاكل عديدة مع الزوج بسبب 400 درهم تتقاضاها شهريا مقابل عملها كمنظفة في مؤسسة لتوزيع الجرائد والمجلات بوجدة. هذا المبلغ البسيط، الذي لا يسمن ولا يغني، محط طمع الزوج المياوم «إلى جاب السكر خاصني نجيب أتاي...»، تردف فتيحة مشيرة إلى أنه لا ينفق على المنزل إلا نادرا وحتى إن أحضر شيئا فعليها أن تحضر أشياء؛ وبالتالي تجد نفسها هي المسؤولة عن توفير لقمة العيش لأسرتها المتكونة من طفلين وزوج وابن من زوج أول من مواليد 1988 يقبع حاليا بالسجن بعدما عمل زوج أمه، على تلقينه أصول «الصياعة» و«البلية»، بدل تربيته على المبادئ الحسنة ومعاملته كابن وهو اليتيم الذي لم يعرف أبا غيره. تضيف فتيحة أنها تعمد إلى البحث عن مصادر رزق أخرى إلى جانب عملها الأصلي، والذي قضت به حتى الآن 08 سنوات بدون تسوية وضعيتها الإدارية، والاقتراض لتتمكن من تسديد فواتير الماء والكهرباء والرجوع بالمال إلى البيت حتى تتفادى الاصطدام مع الزوج، الذي غالبا ما يفتعل مشاداة كلامية يعقبها سب وشتم فضرب أمام أعين طفليها، وتزيد مشاكلها كلما أسقطها المرض حيث يكثر صراخ الزوج «أنا بزاف علي نخدم عليك وعلى المرض وعلى الأولاد، خاصك تنوضي تعاونني»، فتضطر إلى النهوض رغما عنها في محاولة لمقاومة المرض إرضاء لزوج لم يشفع مرض الزوجة في جعله يتحمل مسؤوليته كرجل يقال عنه «رب الأسرة». أما عائشة سيدة في 55 من العمر مقيمة بالديار الإسبانية، فصرحت أنه بعد طلاقها عاشت رفقة أبنائها الثلاثة (بنت وولدان) اكتروا منزلا صغيرا للاستقرار، لكن سرعان ما تزعزع استقرارهم وطفت المشاكل المادية على السطح وكشر كل واحد من الأبناء عن أنيابه وامتنعوا عن تحمل مسؤولية البيت، وأصبحت عبارات من قبيل «اللي ما جابش ما يكلش» متداولة بينهم، بالرغم من أن ذلك جاء في فترة كان العمل بإسبانيا في أوجه ودخل الواحد منهم كان يتجاوز المليون والنصف سنتيم، الشيء الذي دفع الأم عائشة إلى التشمير عن سواعدها والغوص في حقول إسبانيا كي تعيش فأصبح لها رصيد بنكي مهم، بعد ذلك اشترت الأسرة منزلا بمدينة وجدة بمساهمة من الكل وهم الآن يصارعون، بفعل الأزمة المالية العالمية، من أجل تسديد الدين... «مين كنت نخدم ونجيب كنت زينة، ومين ما بقيتش نخدم طلقني»... جملة رددتها فاطمة وهي في الثلاثين من العمر، مشيرة إلى أنها كانت تشتغل في «الموقف» وعندما تحصل على مال وتأخذه إلى المنزل يفرح بها الزوج وعندما تعود خاوية الوفاض يكون مصيرها الشتم والضرب والنعت بأقبح الصفات. استمر الوضع على ما هو عليه، والزوج قابع بالمنزل في انتظار ما تعود به الزوجة إلى أن طفح كيل هذه الأخيرة ووضعته أمام مرآة نفسه الخمولة، مؤكدة أن الحياة تعاون وأن مسؤولية الزوجة والأبناء على عاتق الزوج وأنها لم تعد قادرة على تحمل جبروته، فطلبت الطلاق وتنازلت عن حقها في النفقة. وهي الآن تعمل من أجل توفير لقمة العيش لطفليها. نساء التعليم والحساب البنكي المشترك كثير من الرجال لايضعون الدخل المادي للزوجة شرطا لاختيارهم، بل هناك من لهم قناعة أن تكون المرأة بدون عمل تجنبا للاصطدامات، فتجد هذا النوع من الرجال لايهتم بالراتب الشهري للمرأة ويتركون لزوجاتهم حرية التصرف في مالهن مع قناعتهم بأن المرأة الصالحة لايمكن إلا أن تكون شريكا للزوج «على الحلوة والمرة». وفي المقابل، هناك رجال يسعون وراء المرأة الموظفة، خصوصا في سلك التعليم، يشترطون عليها الحساب المشترك والبيت المشترك والسيارة المشتركة، ولا حديث عن الأفكار والمشاعر المشتركة، فتجد المرأة نفسها توافق على هذه الشروط، إما لكون قطار الزواج قد فاتها، أو لأسباب أخرى، تتظاهر بالرضا على الوضع أمام الزوج تجنبا لأي اصطدام بينهما وتطلق العنان للشكوى أمام زميلاتها في العمل، وهو حال كثير من نساء التعليم اللواتي وجدن أنفسهن بين براثن أزواج همهم الوحيد هو العيش في رخاء لا حب ولا احترام و«لا هم يحزنون»، اشترطوا عليهن الحساب البنكي المشترك لتدبير جيد لماليتهم فتفاجأن بهم يتصرفون بأموالهن كما شاءوا، وإذا تجرأت المرأة على مناقشة زوجها في الأمر يكون نصيبها «علقة مرتبة» على حد قول إخواننا من أرض الكنانة. (ن.ك) أستاذة في السلك الثاني تقول إنها لم تعرف منذ زواجها طريقا إلى البنك، فزوجها اشترط عليها حسابا مشتركا وافقت عليه مع بعض التخوف، غير أن الأيام أثبتت لها بأن زوجها يتصرف بضمير في أموالها، فلايحرمها من شيء، كما أنه يمنحها مبلغا أول كل شهر لتدبير أمور المنزل من مأكل ومشرب وملبس وكل مستلزمات البيت. أما الأمور الكبيرة، فهو المتحكم فيها كقيامه ببناء منزل وشراء سيارة إضافة إلى توفير مصاريف دراسة أحد أبنائهما في الخارج، وتضيف أنه زيادة على ذلك يقدم لها مبلغ 500 درهم كنفقة شهرية لوالدتها. أما (ر.م) أستاذة تعليم ابتدائي فتقول إنها تفاجأت بعد الزواج برجل غير ذاك الذي عرفته أيام الخطبة، وضع يده على راتبها الشهري يتحكم في الشاذة والفاذة، يعمل على توفير المصاريف اليومية فقط إضافة إلى مصاريفه الخاصة كالدخان والجلوس بالمقاهي وشراء الجرائد والبذلات الأنيقة. أما صاحبة الشأن فلايمدها سوى ب «فلوس الحمام» و«جلابة من العيد للعيد»... كما أكدت لنا سيدة تعليم أخرى أن زوجها لايتدخل بتاتا في شؤونها المالية ولايحاسبها، الشيء الذي شجعها ودفعها إلى تحمل مصاريف البيت مثلها مثله، فتنفق راتبها الشهري في كل ما يخص أسرتها الصغيرة، تشتري ثيابا لزوجها وأبنائها، كما تهتم بما يتعلق بالبيت من أثاث وديكورات، مؤمنة بأن الحياة تعاون وبأن المصاريف لاترحم. وحفاظا على علاقتها الجيدة مع زوجها ولضمان الاستقرار المادي والمعنوي لأسرتها لابد من التعاون ومساعدة الزوج حتى لاترهقه الحياة اليومية بمتطلباتها الكثيرة. «فيفتي فيفتي إلى بغيتي تكوني حبيبتي» أصبح هم إيجاد زوجة موظفة هاجس شباب اليوم عند التفكير في الزواج، وذلك لإضافة راتبها الشهري إلى راتبه بغية مواجهة مصاريف الحياة، ومنهم من لايتوانى في ترديد «فيفتي فيفتي إلى بغيتي تكوني حبيبتي» على مسامع المرأة التي يرغب في الارتباط بها. وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ عبد الناصر بلبشير (مفتش تعليم ثانوي) إنه سأل أحد أصدقائه عن سبب تأخره في الزواج، فقال له: «لازلت أبحث عمن تساعدني في مواجهة الصعاب، ولم أجد -لحد الآن- من تناسب أفكاري»، وطلب مني مساعدته في البحث عن زوجة موظفة، صغيرة، جميلة وبنت عائلة، واشترط أن تعيش معه «فيفتي فيفتي» «أنا أدفع فاتورة المنزل الذي اقتنيته عن طريق الاقتراض من البنك، وهي تتحمل مصاريف العيش اليومي...». فما كان علي إلا أن أجبته بأن اختياره مثقل بالشروط وبالتالي، فهو صعب للغاية». ويضيف الأستاذ بلبشير «في اعتقادي ليس هناك امرأة موظفة أو عاملة تحب العيش في المشاكل مع زوجها بسبب المال، ماعدا إذا كان الرجل يحب زوجته بقدر ما تجود عليه من المال، فمهما كان راتب الرجل ومهما كان راتب المرأة، إذا بنيت العلاقات الزوجية على جمع الراتبين والسطو عليهما من طرف الزوج أو أحيانا من طرف الزوجة، فلن يتحقق النجاح في مثل هذا البيت»، وأضاف أن «كثيرا من البيوت الزوجية لاقت النجاح بفضل التفاهم وعدم المحاسبة، كما أن للرجل دور أساسي في تجنب المشاكل المالية في بيت الزوجية لأن المرأة في أغلب الحالات تتفهم الوضع، وعندما تشعر بأن زوجها لايفرض عليها أن تنفق عليه ولايحاسبها، تجد نفسها تساعده في كل شيء بدون شرط أو قيد...». اجتهاد الشيخ «ابن عرضون» في اقتسام الممتلكات بين الزوجين الأستاذة فاطمة هرباز (أمينة مال الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بوجدة) تطرقت لموضوع الأسرة والأمور المالية من الناحية القانونية، فأشارت في تصريح للجريدة إلى أن مدونة الأسرة كانت صريحة في أحد بنودها فيما يتعلق بتدبير الأموال المشتركة بين الزوجين، مضيفة أن هذا البند كان إحدى النقط التي ناضلت من أجلها الأحزاب التقدمية وجمعيات المجتمع المدني في إطار الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وما صاحبها من «خرجات» بالرباط والدار البيضاء وتصريحات نعت خلالها أصحابها الأخوات، اللواتي دافعن عن الخطة، بكل النعوت الساقطة وأهمها أنهن خارجات عن الدين. وفي هذا الإطار، ذكرت الأستاذة هرباز باجتهاد قضائي للشيخ «ابن عرضون»، وهو أحد الفقهاء المالكيين من أهل شفشاون المغرب، «عندما رأى الأشغال التي كانت تقوم بها المرأة في بوادي الشمال (تحرث، وتجلب الحطب، وتحضر الطعام...)، أصدر فتوى تقضي بإرفاق عقد الزواج الشرعي بوثيقة تتضمن ممتلكات الزوج قبل الزواج وما أحضرته الزوجة من بيت أهلها، وعند انتهاء عقد الزواج، إما بالطلاق أو الوفاة، يتم جرد ما تحصل عليه الزوجان بعد عقد الزوج من ممتلكات، فتقسم إلى النصف بين الزوجين، أما في حالة الوفاة، فيعود نصف الممتلكات للزوجة والنصف الآخر ينضاف إلى ممتلكات الزوج قبل الزواج ويقسم على الورثة بما فيهم الزوجة، سواء الربع أو الثمن حسب إن كان لها ولد أو لم يكن لها ولد، ولم يأخذ بهذا الاجتهاد القضائي، أو ما كان يصطلح عليه بالعمل، جميع الفقهاء بل أخذ به فقهاء سوس فقط»، وأضافت أن هذا الاجتهاد القضائي «ورد قبل المعاهدات الدولية، وقبل دعوة الفقهاء، الذين يقولون إن هذا ضد الإسلام، فهل «ابن عرضون» الفقيه المالكي المشهور لم يكن مسلما؟ بلى لكنه كان يتوخى العدل وتحسين وضعية الإنسان سواء كان امرأة أو رجلا...». وأضافت أيضا أن مدونة الأسرة سمحت بإبرام عقد آخر مع عقد الزواج يسمى «عقد تدبير الأموال المشتركة» لتحدد المرأة كيف تريد تدبير أموالها مع زوجها، «لأن المرأة الموظفة كما نعرف تنفق مالها أو بعضا منه داخل البيت من أثاث وديكورات وملابس للأبناء... وكلها أشياء كان من الممكن أن يقوم بها الزوج، إلا أنها تساعده على توفير المال، وفي هذه الحالة الرجل المنطقي سيعرف أنه وفر نقوده واشترى بها عقارا أو شيئا آخر بمساعدة زوجته وتحملها مصاريف المنزل، وإن كان عادلا سيكتب لها جزءا من العقار الذي اشتراه حسب رؤيته لزوجته...». واقترحت الأستاذة فاطمة هرباز أن «تحصن المرأة المقبلة على الزواج وخصوصا الموظفة، نصيبها في الممتلكات المشتركة، سيما ونحن في عهد لم يعد لعقد الزواج قدسيته المعهودة بفعل التهاون الأخلاقي واللامسؤولية والأنانية الطاغية...