هذا ما كان يردده، بلا كلل ولا ملل، حسب عدة روايات، الباحث النمساوي الذي غير جنسيته للانتماء لفرنسا: ماكسيميليان روبل (10 أكتوبر 1905 / 28 فبراير 1996)، الشهير بكونه أحد أهم المختصين في كتابات وفكر كارل ماركس. كل المعطيات تشير اليوم أن العالم انتبه لدعوته واستجاب لها، إذ أصبحت قراءة وإعادة قراءة ماركس، وخاصة كتابه الأساسي «الرأسمال»، تقليدا يوميا مشتركا بين مواطني جل الدول، وذلك بسبب الأزمة العالمية الحالية وما تطرحه ميكانيزماتها وتمظهراتها وامتداداتها من علامات استفهام مؤرقة. وبفعل نجاحه المتجدد، لم يظل كتاب «الرأسمال»، الصادر جزءه الأول سنة 1867، حبيس الطبعات الورقية الكلاسيكية، بل تحول إلى نص مسرحي ومسرحية غنائية وقصة مرسومة... بل وإلى نص اقتبس منه معرض للصور الفوتوغرافية الفنية. في ثمانينيات القرن الماضي، زينت أسبوعية «نيوزويك» غلافها بصورة لصاحب «بيان الحزب الشيوعي» منتقية عنوانا جد معبر لتقديم ملفها حول أطروحاته: «ماركس مات»... لكن، ها هم القراء يكذبون نبوؤة المجلة وينتصرون ل «العم كارل»! تعرف مبيعات كتاب «الرأسمال» ارتفاعا خارج فرنسا كذلك. هكذا، وفي اليابان، يستطيع القراء اقتناء نسخة منه على شكل قصة مرسومة (مانغا)، بل إنهم تهافتوا على شرائها لتحتل الطبعة ترتيبا متقدما ضمن الكتب الأكثر مبيعا. ويعتبر النجاح المكتبي هذا أمرا اسثتنائيا نظرا لكون قراء «المانغا» يفضلون الحبكة القصصية المعتمدة على الحركة والتطورات المفاجئة. هكذا، ولنيل رضى هؤلاء ومساعدتهم على «هضم» نظرية ماركس حول فائض القيمة، لم يتردد الناشر في إضافة عدة توابل للمتن الماركسي، إذ تدور الأحداث في مصنع للجبن يستغل عماله بشكل فظيع، بينما يعيش المشرف على المعمل، وهو بطل الحكاية، انفصاما بفعل تطلعاته وشعوره بالذنب. وتشكل النسخة اليابانية المرسومة من «الرأسمال» جزءا من سلسلة كتب من النوع ذاته حوالي ثلاثين قصة مرسومة تعتمد نصوصا أدبية أوربية وأسيوية كلاسيكية: دوستويفسكي، شكسبير، سان إكسيبوري، كييركغارد، تاكيج كوباياشي... أما في الصين، فقد شرعت فرقة فنية في تهيئ مسرحية موسيقية مستوحاة من ماركس، وهو العمل الذي سيستدعي على الركح مجموعة عمال يكتشفون أن رب العمل يستغلهم. وفي الآن ذاته، كشف ناشر كتاب «الرأسمال» أنه كان يبيع 1000 نسخة منه شهريا إلى حدود نونبر الماضي، ليرتفع العدد منذ ذاك إلى 5000 نسخة. وإذا كانت دار «ديتز» للنشر الألمانية هي التي نبهت لأول مرة إلى بأن الطلب ازداد بقوة على الكتب الرئيسية لماركس منذ ان بدأت الازمة الاقتصادية العالمية، فإن صحيفة التايمز اللندنية قد تطرقت لهذه الأزمة بنبرة تهكمية إذ استعارت عبارة «يا عمال العالم اتحدوا» الماركسية الشهيرة، وحولتها لصيغة «يا مصرفيي العالم اتحدوا». وتوجهت الصحيفة لمسؤولي الأبناك قائلة: «لم يعد لديكم اليوم ما تخسروه سوى مكافآتكم المالية الكبيرة ومنازلكم الشاسعة وإجازاتكم على الشواطئ الكارايبية، والآن وبينما سرح الكثيرون من بينكم من وظيفته، أصبح لديكم الوقت لقراءة تحذيرات ماركس البالغة الجدية من الرأسمالية». وقال يورن شوترومف، مدير دار النشر الألمانية، وفق ما نقلته «بي.بي.سي»، إن الإقبال على كتب ماركس صار منقطع النظير، مشيرا أن ذلك قد يكون «محاولة للبحث عن حقيقة العولمة والرأسمالية»، ولا سيما في أعقاب الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي مؤخرا، وأن كل مجتمع يعود لقراءة ماركس «مجتمع ليس بخير». كما أشار الناشر إلى أنه «رصد ظاهرة العودة إلى قراءة ماركس بين الشباب»، مضيفا أن «اقتناء كتبه أصبح ظاهرة وموضة بين الأجيال الصاعدة».