يتحدث الجميع اليوم، عن نظام دراسة ورياضة، كوسيلة ضرورية لإعداد الأبطال، وتفريخ النجوم. والموضوع أضحى يعتبر آخر صيحات الموضة في صالونات النقاش والندوات وسط المجتمع الرياضي، كما أن الجميع بدأ ينظر لهذا النظام كأصلح وأنجع أسلوب ممكن عبره الرفع من قيمة المشهد الكروي الوطني المسجلة عليه في العقود الأخيرة، مجموعة من عناوين التردي والتخلف! طيب، نسجل جميعا جودة النظام إياه، ومدى قدرته، لو رسمت له تلك الأرضية الصالحة لتطبيقه، على تحقيق الأهداف، والدفع بكرتنا الوطنية إلى ما نصبو إليه.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو هل نمتلك الأدوات المفروض توفرها لإنجاح نظام بهذا المستوى؟ وقبلها، هل نتوفر على عقليات تحمل الشجاعة حقا، في ولوج عالم الاستثمار الرياضي والذي يعتبر مثل هذا النظام جزء من تركيبته، وسطرا من برامجه وأهدافه؟ ففي حقيقة الأمر، كل التجارب الوطنية، وكل مراكز التكوين والأكاديميات التي انخرطت في هذه الموضة، فشلت بشكل كبير في تطبيق نظام دراسة ورياضة، وتحولت أغلبيتها إلى مآوي للسكن والإقامة، لأن الحل يكمن في ضرورة انخراط وزارة التعليم ووزارة الشباب والرياضة لإنجاح مثل هذا المخطط وهذا النظام، وإلا فسوف تتحول مراكزنا المرشحة لارتفاع عددها مستقبلا، إلى بنايات وإقامات سكنية.. ليس إلا! ثم، ولنعد بذاكرتنا إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، سنكتشف أننا كنا أول من حقق السبق، واعتمد في عمليات إنجاب الأبطال، على مثل هذا النظام، ولو بشكل غير الذي نعاينه اليوم في كبريات الأكاديميات والمراكز الخاصة بالتكوين! مجرد نبش بسيط في هاته الذاكرة، سيحيلنا إلى أيام كان فيها الطفل المغربي ينجح في التوفيق بين الدراسة وبين الرياضة والتكوين.. نعم من منا من، بمجرد خروجه من فصل الدراسة، ومغادرته لباب المدرسة، حتى كان ينغمس في ملامسة كرته المحبوبة في فضاءات الدرب والحومة؟ من منا لم تصله إرشادات وتوجيهات كبار لاعبي الكرة في ذاك الزمن، ومعظمهم، يختار الانزواء في «راس الدرب» مستمتعا بمشاهدة مباريات «أولاد الدرب»؟ كان الزمن غير الزمن، ولاعبو الكرة، وحياتهم وبرامجهم اليومية، غير لاعبي اليوم، ولاحياتهم ولا برامجهم! شخصيا، لايمكنني أن أنسى كيف كنت أسارع الزمن وأنا أغادر حجرات مدرسة «ابن عطية» الابتدائية في منطقة العاليا بالمحمدية، لأنغمس في مباريات الدرب، تحت أنظار عيون عبقرية يحملها لاعبون كبار من طينة أحمد فرس، اعسيلة، الرعد، أو باعبد القادر أيت أوبا قيدوم المربين والمدربين بمدينة الزهور.. من بين أصدقاء الطفولة من واصل الدرب، وعرف كيف يستفيد من توجيهات أولئك اللاعبين الكبار.. منهم من نجح في المزج بين التحصيل الدراسي وبين تعلم مبادئ اللعبة، ومنهم من اختار التخصص في أحد المجالين، متنازلا عن أحدهما لظروف وأسباب مختلفة.. لكن الأكيد، أن كرتنا الوطنية كانت حينها تسير في الطريق السليم والصحيح، وكنا كأطفال نقف، بمجرد مغادرة بيت الأسرة، أمام أبواب «مدرستي الحلوة» بملحقتيها: مدرسة التعليم والدراسة.. ومدرسة الدرب حيث الفضاءات الطبيعية للركض ولعب الكرة! دون أن ننسى ملاعب مدارسنا الابتدائية والثانوية، وتلك الشروط الممتازة التي كانت تفتح أمامنا مساحات شاسعة للمزج بين الدراسة وبين الممارسة الرياضية! اليوم، غيب التوسع العمراني تلك الفضاءات الجميلة، والساحات الخضراء منها، والشاطئية، حيث يتلقى الطفل أولى مبادئ التربية الرياضية. تلك كانت مدرستنا المغربية الحقيقية، ومنها تخرجت أفواج عديدة من نجومنا الكروية التي سنظل نفتخر ونعتز بها. غابت مدرستنا، وتحولت عيون مسؤولينا نحو منتوج الصناعة القادمة من خلف الحدود! وعليه، لم يعد من حلول أمامنا اليوم، سوى الاعتماد على مراكز ومدارس بشكل جديد، وبأنظمة يتم وصفها بالعلمية والأكاديمية، تخضع لمنطق الأرقام والحواسيب، وتدير ظهرها، للأسف، في كثير من الأحيان للموهبة والفطرة الربانية!