في مشروع متكامل، نهضوي وقابل للإنجاز، يندرج مفهوم التحرر التدريجي والشامل في فكر المهدي و»حركة التحرير الشعبية»...التحرر الذي كان يعني إنجاز مستلزمات ومداخل عدم السقوط في العبودية، حاكمين ومحكومين، على حد سواء. لذلك، وفي ذلك الصيف الساخن، حوالي 20 شهراً بعد «الاستقلال» أو الوعد بالتحرر، وفي أجواء الثقة في الذات المغربية وبناء طريق الوحدة نحو تشييد «المغرب الجديد»، وفي المغرب العميق، نواحي آزرو، قال المهدي: «...والبلاد التي لا تتوفر على الباحثين، وليس لها علماء، ستؤول إلى العبودية، ولا تستحق إلا العبودية...» وعلى طريق هاته الرؤية الواضحة، يؤكد: «بدون بحث علمي، لا يمكن أن يكون هناك تطور، بل لا يمكن أن تكون هناك حياة...» وبرؤية ثاقبة، كان رفقة مَن مِن طينته، وكل المغاربة أقوياء النفوس، يستشعر «العبودية القادمة» ويعد العدة للتحرر الشامل، وإنجاز مداخل وروافع الصمود في وجه «الاستعمار الجديد». وهكذا سيتم التوجه، بدون لف أو دوران، إلى أم الروافع والمدخل ذي الأسبقية المصيرية؛ إنها التربية والمعرفة...وإنه التعليم والبحث العلمي. يقول المهدي، في غشت 1957 : «...إن رواد الحركة الوطنية، الذين سبقونا في قيادة حركة التحرير، شعروا بأن في مجال التربية والتعليم يكمن ضعف المجتمع المغربي، وأن من هنا يجب أن تكون بداية العمل...» ويؤكد، وهو على رأس المجلس الوطني الاستشاري: «...واليوم كذلك، لا زلنا نشعر أن كل ما ننجزه، وكل ما سنحققه سيبقى هشاً، إن لم نشيده على العلم، وعلى تربية متينة...» قُتِل المهدي بالطريقة التي نعرف، وسنعرف...وتوالت الأيام والعقود والمناورات والفرص النهضوية المهدورة، وهاهو طوق العبودية يكبلنا، حاكمين ومحكومين... 1 . المغرب «بلد فلاحي»..دروس مكرورة، ونستورد حوالي نصف خبزنا اليومي في السنوات المطيرة.. ! 2 . المغرب «بلد فقير»، وجل ثرواته وقطاعاته «المربحة»، من البر إلى البحر، يدبرها أجانب، وتهرب فوائض قيمتها إلى الخارج، بطريقة مباشرة وغير مباشرة.. ! 3 . المغرب «بلد غني» بموارده البشرية، وفي الوقت الذي يستعان فيه بخبرات ومكاتب الدراسات الأجنبية، في الصغيرة والكبيرة، تهاجر فيه الكفاءات والأدمغة أو تهجر.. ! المغرب، كما كان وسيكون، ومنذ قرون مضت وأخرى قادمة، شيء آخر.. إنه تجسيم مصغر للكرة الأرضية، فيه القليل من كل شيء: الجبال والهضاب والوهاد، المنخفضات والسهول، الوديان والأنهار، التراب والصخور والحصى والرمال، والبحار تزينه من كل جانب... تنوع وغنى لا مثيل له، في جغرافيته وبشره، فمنا الأبيض والأسمر والأشقر، الطوال والقصار، وألسنة شتى وثقافات متعايشة... قوة المغرب أو ضعفه، في جغرافيته وموقعه...ونهوضه وانحطاطه في وجود مشروع مجتمعي تحرري من عدمه. ولا بديل في هذا كله، إلا في الانتقال من العبودية إلى التحرر، ومن الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على الذات، ومن معرفة الاستهلاك إلى معرفة الإنتاج، ومن التعاطي مع الأعراض والآثار إلى مجابهة الأسباب والمسببات... إن المهدي يسائلنا فقط: من منا، حاكمين ومحكومين، في يده صنع القرار؟ ومتى نمتلك قرار صنع القرار؟