يواصل الأسير وسام رفيدي رواية قصة معاناته في احدى رسائله قائلا: الزنزانة بحجم 2-2 متر مربع، ويوجد فيها مرحاض، وهو عبارة عن فتحة بالأرض مليئة بالأوساخ والقاذورات وتنبعث منه رائحة كريهة جدا... أنام على فرشة على الأرض، والفرشة ذات رائحة كريهة ووسخة ومليئة بالرطوبة... الحيطان لونها رمادي غامق وخشنة ولا توجد شبابيك، والضوء لونه أصفر باهت مزعج للعينين... معاملة السجانين قاسية وصعبة، وهم دائمو الصراخ والشتائم والاستفزاز. بالإضافة إلى إجراءات التفتيش الدائمة، المترافقة مع تعصيب أعين الأسرى وتقييد أيديهم، ويظهر التعنت حتى في أدق تفاصيل حياة الأسرى، كفرض العقوبة عليهم إثر مشادة كلامية مع أحد السجانين وتغريمهم، أو حرمانهم إكمال دراستهم لأسباب تافهة أو تغريم الأسرى لمجرد إعادتهم وجبات الطعام غير الصالحة للأكل، بل يتوجب على الأسرى كي يتمكنوا من الحلاقة تقديم طلب قبل أسبوع، وهو طلب من المحتمل أن يرفض. مشهد من تعذيب الأسرى المرضى يقول الأسير عثمان إبراهيم يونس: دخلت في غيبوبة لمدة خمسة أيام، وفي اليوم السادس دخلت القوات الخاصة مساء واختطفتني من غرفة الإنعاش، كنت مربوطا بالأجهزة الطبية، وعند باب المستشفى استبدلوا الأجهزة بأجهزة أخرى تابعة لهم، وعندها دخلت في غيبوبة، لأنني لم أشعر «بشيء» بعدها، ولم أعرف ماذا حدث لحظتها، وعندما استيقظت وجدت نفسي بمستشفى بيلنسون. بقيت هناك مدة 25 يوما، ونقلوني خلالها للتحقيق في بتاح تكفا، وعندما تدهور وضعي الصحي أعادوني إلى بيلنسون، ثم إلى مستشفى سجن الرملة، وهناك تدهور وضعي الصحي كثيرا، ودخلت في غيبوبة ثالثة من قلة الاهتمام بما يحدث لي، وإهمال وضعي الصحي في مراكز ومستشفيات صحية لا تمت للصحة بصلة. واستمروا في نقلي من مستشفى لآخر بدون أي سبب، ولم أتلق خلالها أي علاج، وكانوا فقط يراقبون حالتي عن بعد، مع القليل من المضادات الحيوية. (...) نقلوني إلى العزل في سجن الرملة، وقطعوا عني وقتها المضادات الحيوية، التي لم يكن لها ذلك النفع، وبقيت في مستشفى سجن الرملة ما يقارب ثلاثة أشهر مهملا بشكل شبه كامل من العلاج، مما دفعني لحرق الغرفة في المستشفى، احتجاجا على إهمالهم لصحتي، وعدم تقديم العلاج المناسب لي، وعندها تم نقلي إلى سجن هداريم في شهر ديسمبر 2004م. «مازلت» أعاني من إصابة شديدة باليد اليسرى؛ حيث تم قطع إصبعين من يدي، وباقي الأصابع شبه مشلولة ولا أستطيع تحريكها، وهي بحاجة ماسة لعلاج طبيعي، وتوجد إصابة برجلي اليسرى، ونتيجة الإصابة، وقت اقتحام غرفة المستشفى في المرة الأولى، تم إزالة الطحال من جسمي، وإزالة ثلاثة أرباع المعدة، وتم إزالة أربعة سنتيمترات من البنكرياس. وتوجد إصابات بالغة في جسمي، وخصوصا في الكلية اليسرى، وأعاني من أوجاع شديدة، ولا أتلقى أي علاج مناسب، وتوجد مماطلة وإهمال شديد من قبل الطبيب، الذي يشارك في تعذيبنا النفسي والجسدي! شهادات النباح كالكلاب حلق المحققون الإسرائيليون شعره، كي لا يعلم أحد كمية الشعر الذي انتزعوه بأصابعهم. وجعلوا منه تسلية؛ حيث ربطوا سرواله بقطعة من حبل على شكل ذنب، وأرغموه على الزحف على أطرافه، والنباح كالكلاب، ثم رموا له بفتات الخبز بين فكيه. الضرب على الأعضاء التناسلية أحد الأسرى استجوب من قبل محقق يدعى جفيل، الذي ضربه بهراوة، وعلقه بالسقف، وضربه أيضا بسلك كهربائي على أعضائه التناسلية. يقول: «فقدت الوعي، وعندما استيقظت وجدت أن جسمي كله مبللا، أدخلوني إلى غرفة وأجلسوني على كرسي، وداسوا على الأغلال التي كانت رجلي مقيدة بها. عيدان الكبريت المشتعلة أسير قال: «استخدموا ضدي تيارا كهربائيا وضربوني بالهراوات، كانوا يقربون عيدان الكبريت المشتعلة من شفتي». الكي بالنار محقق إسرائيلي اسمه ابرس، كانت المهمة الوحيدة له الضرب، وحسب شهادة أحد الأسرى السابقين «هددني بأنه سيحضر شقيقاتي وأمي وأن يضاجعهن أمامي. وفي تلك الليلة أملى علي المحققون رسالة وكأنني عازم على الانتحار، الرسالة كانت موجهة إلى زوجتي، ثم حملوني في سيارة، وفي الطريق أخذوا يضربونني حتى وصلنا إلى معسكر للجيش، فأدخلوني في زنزانة، وضربوني على بطني، واستخدموا الكي بالنار، وضربوني على رأسي حتى سقطت على الأرض، وقلت سأوقع على كل ما تريدون، لم أستطع أن أحتمل أكثر من ذلك». الأسيرات الفلسطينيات تشير الإحصائيات التقريبية إلى أن «إسرائيل» اعتقلت منذ بدء الاحتلال ما يقارب 10 آلاف امرأة فلسطينية، بينهن أمهات وقاصرات وكبيرات سن، وبحسب إحصائية لوزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، نشرت في 8/3/2008، فإن حوالي 720 أسيرة اعتقلن خلال انتفاضة الأقصى. وذكرت الإحصائية أن عدد الأسيرات اللواتي مايزلن رهن الاعتقال هو 102، منهن 51 أسيرة محكومة، و45 موقوفة، وست أسيرات رهن الاعتقال الإداري. ولا تحظى النساء الأسيرات بأي «معاملة خاصة»، كالتي تنص عليها المواثيق الدولية، بل لعلهن يحظين ب «عذاب خاص». وتروي إحدى الأسيرات أنها عندما رفضت الإدلاء بأي حديث للجنود خلال التحقيق، اغتصبوا ابنتها أمام عينيها، ثم سألوها: «أي أم أنت إن كنت تسمحين باغتصاب ابنتك مقابل عدم الإدلاء بأي معلومات؟». وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة اعتقال النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أقل من عام على احتلالها، وقد شهدت السنوات 1968 - 1976، وفترة الانتفاضة الأولى 1987 - 1993 أكبر حملات الاعتقال بحق النساء الفلسطينيات على يد القوات الإسرائيلية. ولم تخل ممارسات سلطات الاحتلال في هذا المجال، كما في كل المجالات الأخرى من الانتهاكات الكثيرة، التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، ومع كافة القوانين والأعراف الدولية، خاصة تلك التي تدعو إلى التعامل مع الأسيرات بطريقة خاصة، تنسجم مع كونهن نساء وأمهات وزوجات. فظروف اعتقالهن ومعاملتهن مغلفة بالقسوة والمعاناة ذاتها، التي تغلف ظروف كافة الأسرى، وتضيف إلى ما سبق بهذا الخصوص: - الابتعاد عن الأبناء والزوج والبيت وفقدان الإحساس بالأمومة بسبب البعد عن الأبناء. - منع زيارة الأهالي للأسيرات أو التضييق في إجراءاتها. - حرمان الأسيرات من اللقاء المباشر مع أطفالهن، الذين تزيد أعمارهم على ست سنوات، والاكتفاء بالزيارة والتحدث من خلف الحواجز، مع ما يحمل هذا الإجراء من ألم في نفوس الأمهات الأسيرات يفوق أي تصور. - منع الأسيرات من زيارة أزواجهن الأسرى، وبذلك تحرم عائلات من الاجتماع لسنوات طويلة، خلافا لما نصت عليه المادة 82 من معاهدة جنيف الرابعة من ضرورة جمع «أفراد العائلة الواحدة المعتقلين كلما أمكن في المبنى نفسه» على أن «يخصص لهم مكان إقامة منفصل عن بقية المعتقلين مع توفير التسهيلات اللازمة لهم للمعيشة في حياة عائلية». كذلك تبرز ضمن معاناة الأسيرات معاناة الأسيرات الحوامل، ومن يضعن أولادهن داخل السجون. تقول الأسيرة سمر صبيح: أتمنى أن أضع مولودي الأول كأي أم أخرى، وبحضور أحد أقاربي إلى جانبي، ولكن مشيئة الله وقدرته فوق كل شيء، وسأتحمل صعوبات الولادة وآثارها النفسية من أجل حياة طفلي، الذي سأسميه «براء»، ولكني قلقة بخصوص حياته؛ حيث إنه سيضطر للعيش في غرف رطبة، تنعدم فيها التهوية، ومليئة بالحشرات، ولا يتوفر فيها أي من احتياجات الطفل الأساسية. ومما يزيد من معاناة الأسيرات وأطفالهن الرضع، أن القانون الإسرائيلي ينص على الإفراج عن الأطفال الذين يولدون في السجن عندما يبلغون عامهم الثاني، وهذه المعاناة تعيشها كل الأسيرات المرضعات وعائلاتهن عند بلوغ أطفالهن لهذه السن... حيث تتجلى المفارقات، وتختلط المشاعر، بين فرح الأهل بخروج الطفل إلى الحياة الطبيعية، وحزنهم وحزن الأسيرة لفقدان طفلها وابتعاده عن أحضانها. وما أصعب غربة الأم عن أطفالها: «أولادي لم يعرفوني... لقد سمحوا لي بلقاء أولادي بعد 3 سنوات من الاعتقال... كان اللقاء محزنا ومؤلما، فعندما رآني ابني تركني وذهب... بدأت بالبكاء... حاولت أن أغريه بالهدايا التي أحضرتها له، ولكنه لم يعرفني... لم أستطع أن أحتضن أولادي بسبب العزل البلاستيكي».