«مرة أخرى يقوم الرجال بتلطيخ كل شيء، وعلينا نحن النساء القيام بأعمال النظافة!!» بهذه العبارة المستهزئة تعلق إحدى السيدات الإيسلنديات على وصول أول سيدة من هذا البلد إلى منصب رئاسة الوزراء في خضم الأمة الاقتصادية التي يعرفها البلد. فبتنصيب «جوهانا سيغورداردوتير» على رأس الحكومة يوم الأحد فاتح فبراير الجاري، تكون إسلندا قد أعطت إشارة واضحة على التغيير الذي تعتزم تبنيه. فهذا المعطى الجديد يمثل إرضاءا لجزء من المجتمع الذي استنكر منذ الأشهر الأربعة الأخيرة النتائج السلبية التي خلفها رجال السلطة وسياستهم العقيمة في تدبير الأزمة. وطيلة الأسابيع الماضية لم يكن لحديث المواطنين في اجتماعاتهم العادية، وخلال التجمعات الحزبية، وفي مجالسهم العائلية والشخصية موضوع آخر سوى «عودة النساء لخوض المعركة بدل الرجال». تقول «إسرا»، التي تشرف على رعاية إحدى الكنائس والمحللة النفسية في نفس الآن: «يجب ألا نجعل فرصة من هذا القبيل تضيع من بين أيدينا. فلا أحد يثق في رجال السياسة، حان الوقت لتقوم النساء بإثبات ذواتهن». وعقب سقوط حكومة الائتلاف في السادس والعشرين من يناير الماضي، فإن المتتبعين يتوقعون توصل رئيسة الوزراء الجديدة باستقالة «دافيد أودسون»، مدير البنك المركزي، والذي يعتبره الكثيرون رمزا لأخطاء الماضي، حيث عرف النظام البنكي الإسلندي انهيارا في السادس من أكتوبر 2008. انهيار قذف بالجزيرة في دوامة أزمة مالية غير مسبوقة، كانت كفيلة بنزع القناع عن كل المؤسسات المالية المحلية، التي تم إخضاعها للخوصصة منذ 2001، حيث عمل المسؤولون عنها، والذي يلقبهم البعض ب «الفايكينغ الجدد»، بمضاعفة عملياتهم المالية، التي تفتقذ للضمانات، خارج البلاد بلغت عشرة أضعاف الناتج الداخلي الخام للجزيرة. يحدث هذا في الوقت الذي كان يتعين فيه أن تعمل الدولة على تبني سياسة التأميم من أجل مواجهة الأزمات المالية، حيث يتقوى حينها حس التضامن بين الدولة والمواطنين، من خلال اشتراك الطرفين في تحمل المديونية. ومن جانبها، تقول الكاتبة المحلية والمخرجة «هيلين أغنارسدوتير»: «إن هذا النادي المتكون من رجال يفتقدون لحس المسؤولية هو الذي قادنا نحو الكارثة. لقد جعلوا من مالية الدولة مضمارا لتجريب ألعابهم. وهاهي ذي النتيجة! يتعين علينا الآن إعادة بناء كل شيء. ولكن هذه المرة سنفعل ذلك بأيدينا نحن النساء». لقد ظلت النساء الإسلنديات دوما في مقدمة نساء العالم المطالبات بالمساواة بين الرجل والمرأة، حتى أن حزب المرأة كان دوما حاضرا في المشهد الحزبي الداخلي. ويرجع له الفضل في جعل المرأة الإيسلندية من السباقات إلى الحصول على الحق في التصويت، وذلك في سنة 1915. في هذا البلد العريق في المساواة، كانت النساء سباقات أيضا في الخروج إلى الشارع ورفع شعارات مطالبهن، حيث نزلت أكثر من ثلاثين ألف امرأة إلى الشارع سنة 1975 من أجل المطالبة بالمساواة في الأجور. ولم تمض سوى خم سنوات بعد ذلك، ليتم انتخاب «فيغديس فينبوغادوتير» رئيسة للجمهورية في استفتاء شعبي. لتكون بذلك أول رئيسة جمهورية في العالم. وتعاقبت «فيغديس» على ثلاث رئاسات، قبل أن تنسحب من عالم السياسة سنة 1996. وفي السنوات التي تلت ذلك، أخذ الاقتصاد الإيسلندي المسار الذي يعرفه الجميع، وفي نفس الآن، تقول «إيرما إيرلينغسدوتير»، مديرة مركز أبحاث ودراسات النوع بجامعة إيسلندا: «عرفت مكانة المرأة داخل المجتمع تراجعا ملموسا». وفي 2005، نظمت النساء الإيسلنديات إضرابا نسائيا على غرار الإضراب الأول لسنة 1975. وتميز هاته المرة بخروج ستيون ألف متظاهرة إلى الشارع. تضيف الباحثة قائلة: «إن الفارق في الأجور الذي كان سبب مظاهرة 1975 لا يزال موجودا، إن لم نقل إنه أضحى أكثر وضوحا من قبل». ومن بين الإحصاءات التي خرجت بها هذه الباحثة نجد أن فقط 14% من النساء المحليات يشرفن على تسيير المقاولات، كما أن 8% منهن حصلن على مقعد داخل مجالس إدارة أكبر مائة مقاولة محلية. ورغم كل ذلك، فإن الإيسلنديات يشاركن بفعالية في الحياة الاقتصادية بالجزيرة، حيث أن 80% من النساء المحليات كلهن نساء عاملات، بل وحاصلا على الديبلومات، لكنهن لا يجدن الطريقة سالكة لتبوؤ نفس مناصب الرجال، وهذا أمر بعيد كل البعد عن تطلعات هذا البلد نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، إسوة بباقي البلدان السكندنافية. وترى غالبية الإيسلنديات أن الوقت قد حان من أجل اعتماد «قيادة نسائية». حتى أنهن يشرن إلى أن أشهر شخصيات البلد في الخارج هما المغنية «بيورك»، والرئيسة السابقة «فيغديس». يقول المؤرخون إن التاريخ يشهد على أن الرجال في هذه الجزء من الكرة الأرضية القريب من جزيرة «غرين لاند» المتجمدة يتجهون دوما نحو البحر لكسب قوتهم، ويتركون النساء داخل البيوت. ومنذ بداية التعمير في هذا البلد، قبل قرن من الآن، بدأت النساء يغادرن منازلهن ليبحثن عن سبل العمل وكسب القوت، لكنهن لم يتخلصن من عادتهن في البقاء في محيط النساء. ولعل أغلب النساء يتجمعن في نوادي الخياطة. تقول «إسرا»: «لقد أضحت تلك النوادي عبارة عن مؤسسات، ولها شرعيتها. كما أنها تسمح للنساء بالتجمع بعيدا عن أعين الرجال». بالنسبة لها، فإن ناديها يتشكل بالأساس من النساء الجامعيات اللواتي تعرفت عليهن أيام دراستها. تضيف قائلة: «خلال اجتماعاتنا، فإن رحى الحديث يدور عادة حول المسائل السياسية. ثمة شيء في دواخل المرأة الإيسلاندية يحيلنا دوما على أدوار البطولة». ويجد سكان الجزيرة اليوم أنفسهم مطالبين بإعادة سفينتهم الاقتصادية إلى مسارها العادي، والتفكير جيدا قبل اتخاذ أية خطوة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها البلد. تقول إحدى المواطنات المحليات: «إن لهذا الإفلاس الاقتصادي على الأقل وجه إيجابي. لأنه فسح المجال نحو تغيير العقليات وطرق التفكير. كما أن كل الأمور المبالغ فيها أصبحت واضحة للجميع، إذ لم يعد من العادي أن ترى شخصا ما يملك سيارة ذات الدفع الرباعي. والجميع يتقزز من أولئك الذين يحصلون على المال بطريقة سهلة دون تعب ولا كلل». وتقول المخرجة «أسديس تورودسون»: «أنا من أقوم بطهي خبزي، وأصدقكم القول إنني لأجد فيه لذة خاصة أفضل من ذي قبل». ويبدو أن هذا التحول في طريقة التفكير أصبح ميزة مهمة في المجتمع الإيسلندي، حيث يتضح ذلك أكثر في المطبخ المحلي، الذي فضل العودة إلى ثرات الجدات، وأضحى من النادر أن تجد مطبخا محليا خاليا من وصفات طبخ محلية، دفعت الأزمة الاقتصادية الأمهات إلى نفض الغبار عنها وإعادة الروح إليها من جديد. تقول «إيسرا»: «لقد منحنا الواقع الجديد فرصة لا تعوض لإعادة اكتشاف تقاليدنا، تماما كما كان عليه الحال عندما كان بلدنا يعيش فقرا شديدا جعل المواطنين يكلون أي شيء وكل شيء». في «دار النساء»، على مقربة من ميناء الجزيرة، تجتمع النساء، يلقنن بعضهن البعض دروسا في الاعتناء بالشعر، الطبخ، الخياطة... تقول «كاترين»، الجامعية التي أحدثت مجموعة على «فيس بوك» بعنوان «حكومة طوارئ نسائية»: «لقد سبق وظهرت طبقة من أصحاب الثراء الفاحش في الجزيرة، ونحن الآن مقبلون على مرحلة سنجد فيها طبقة من أصحاب الفقر المذقع». خلال اللقاء الأسبوعي لهذه المجموعة النسائية، يتم تدارس إمكانية تقديم مشروع دستور جديد يضع في أولى أولوياته احترام حقوق الإنسان. دستور من المرجح، إن رأى النور، أن يضع الأسس الحقيقية ل «إيسلندا الجديدة». عن «ليبيراسيون» الفرنسية