كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف مساء، عندما سيُعرِّج عبدو على مُركب كمال الزبدي صوب شارع النيل متجاوزاً الدائرة الأمنية 25، وذلك في اتجاه منزله، بعدما أوصل زميلته في العمل إلى مقر سكناها، ليكمل طريقه وحيداً سيراً على قدميه، مردداً بعض الأغاني الكلاسيكية لتسلية نفسه، ولتعينه على قطع المسافة دون كبير تركيز. استمر عبدو في مشيه واضعاً يديه بجيبي معطفه السميك، تارة يغني وتارة يفكر في برنامج الغد وما يحبل به من أشغال يتعين عليه القيام بها، قبل أن يستوقفه شخص في الثلاثينات من عمره، يلبس سروال جينز وسترة جلدية سوداء اللون ويحمل بيده غشاء بلاستيكيا كبيراً لونه أسود. شعر عبدو بالارتياب والقلق سيما أن منظر الشخص الذي أمامه لم يكن يبعث على الارتياح أو الاطمئنان، قبل أن يتشجع ويبادره بالسؤال: «آش داكشي أسمحمد؟»، ليرد عليه الشخص محاولا التهدئة من روعه: «والو أصحيبي خوك عندو شي بياسات وتمنيتهم ليك»، ليعمل بعد ذلك على إخراج قطع من الألبسة المتنوعة من أقمصة، وفساتين نسائية ، كل واحدة منها معبأة ومغلفة داخل غشاء بلاستيكي أبيض «سولوفان»، مؤكداً بأنها جديدة وبأنه اضطر لسرقتها من داخل المحل الذي كان يشتغل فيه، بعد رفض صاحبه تسليمه أجرة عمله التي ترتبت بذمته، وأضاف بأن «البلية» هي التي دفعته لمحاولة بيعها ، فهو لا يرغب سوى في اقتناء صندوق من «البيرة»، مخاطبا الشاب: «خوك مبلي بالحشيش والشراب.. ودابا شوف اللي عجبك راه ما يكون غير خاطرك»! تسمّر عبدو في مكانه قبل أن يرد على الشخص معتذراً على عدم قدرته بتلبية طلبه، إلا أن الشخص بدا مصراً على بيع سلعته «شد خُود شحال ما بغيتي من بياسات، رانا غادي نهرس وندكدك معاك». اعتذر الشاب مرة أخرى إلا أنه أمام إلحاح وإصرار الشخص الواقف أمامه، قرر أن يرد عليه بجواب مقنع، فأفصح له بأنه يعلم كنه تلك السلع التي يبدو ظاهرها جيداً وفي وضعية حسنة عكس باطنها، مضيفا أنه رغم كونه يقطن بالمنطقة إلا أنه من مواليد حي درب ميلان حيث كان يعاين مراراً وتكراراً «خدمة الشيفون والسولوفان» من أجل إعداد تلك «البياسات» التي يفضل أصحابها بيعها بالإشارات الضوئية من خلال إغراء الزبائن ، من أصحاب السيارات ، بكميتها وثمنها البخس، ليتم اقتناؤها بسرعة ، بما أن سعرها مناسب ولا يتم التأكد منها، لكي لا يتسببون في عرقلة المرور! جواب عبدو لم يرق الشخص المذكور الذي نزل عليه كالثلج البارد، فاستشاطت عيناه غضبا وهو يخاطبه: «هي احنا كاع مقالعية»، قبل أن ينهره في لهجة أقرب الى التهديد والوعيد: «عند راسك عايق، ديك الساعة علاش مشحفني من الصباح»، مضيفا : «يا الله تحرك اعطيني التيساع». طلب/ أمر، لم يتردد عبدو في تلبيته للإفلات بجلده خشية وقوع مكروه له، ف «البلية» أم الشرور ويمكن أن تحث صاحبها على تعريضه لمكروه، وهو الأمر الذي كان في غنى عنه، ليسرع الخطوات مبتعداً عنه وهو يفكر في عدد الضحايا الذين يمكنهم الوقوع بين شباك أمثال هذا النصاب! وحسب الأخبار المتدوالة، فإنه تم العمل على أن تكون أثمنة الشقق في متناول المتضررين / المستفيدين . ويعتبر هذا الإجراء «لافتا» لا من ناحية السرعة التي اتخذ بها القرار، ولا من ناحية إيجاد الوجهة الجديدة التي رحِّل إليها المنكوبون، ولاشك أن لذلك أسبابا ، حسب متتبعين للملف ، أهمها الاهتمام الإعلامي الكبير بهذه المأساة ، كما أن الخيام التي نصبت احتلت ساحة مهمة، جعلتها تستأثر بالاهتمام، إضافة إلى خشية السلطات من تغيير المتضررين للخيام بالقصدير أو أشياء أخرى! إنها خطوة استقبلها المتضررون بانشراح كبير، لأنها وضعت حداً لمعاناتهم، كما تعامل معها بشكل إيجابي بقية سكان المدينة، على أمل أن تتخذ السلطات المحلية في مناطق عديدة من الدارالبيضاء مواقف مماثلة أحيانا وأكثر تعقيداً أحيانا أخرى. فكم من تجزئة تنتظر وكم من مشروع لم يبرح مكانه ، علماً بأن المستفيدين قدموا «دفوعات» مهمة، وكم من عملية نصب واحتيال ذهب ضحيتها مواطنون لحسن نيتهم، وكم من قضية من قضايا البناء والعقارتنتظر الإفراج عنها ، لتبقى المدينة في منأي عن توالي المآسي المتعلقة بالدور السكنية في هذه النقطة أو تلك من النفوذ الترابي للجهة .