تنظران بعمق إلى السقف ثم تتيهان عمن حولهما. وكأن ما يربطهما بالسقف عالم آخر لايراه سواهما. تتجاوبان مع لا شيء، أحيانا تشعران بالخوف وهما تتابعان نظرهما للفوق. وأحيانا تنطقان بكلمات غير مفهومة بعضها بالانجليزية وحتى الإسبانية ، وهما العاجزتان عن النطق بأية لغة، عندما تعودان ببصرهما إلى أرض الواقع تأخذان في القفز دون توقف ثم الصراخ شيئا فشيئا حتى يحتد، لتصابا بنوبة هستيريا ، وحين يشتد بهما الغضب تعضان جلد جسدهما، خاصة اليدين حتى يظهر اللحم ما تحت الجلد! هذه هي حالة طفلتين توأم ، شروق وسلمى، وهما شقيقتا بسمة توأمهما الثالثة التي نجت من الإصابة وتتمتع بذكاء مشع! تحكي الأم عائشة حالة بناتها بلغة الأم عندما ينفطر قلبها حبا وألما .. وعجزا عن إنقاذ طفلتيها مماهما فيه. اأنجبت ثلاث بنات توأم (بسمة وشروق وسلمى) في 21 غشت 2001 ، ورزقت قبلهم بطفلة (آية)، أحسست بثقل المسؤولية، وكنت ساعتها اشتغل في شركة للتأمين أنا وزوجي ونؤدي أقساط البيت الذي اشتريناه بالكريدي. فتوجهت إلى القصر الملكي بالرباط وقدمت رسالة إلى الديوان الملكي طلبت فيها العطف ومساعدتي على تحمل مصاريف بناتي الثلاث ، وبعثت 8 رسائل ولم أتوصل بأي جواب.إلى اليوم. لم أكن حينها أعلم بإعاقة ابنتيّ حتى بلغتا السنتين وتأخرتا عن الكلام واللعب، فأخبرني الطبيب المختص أنهما تعانيان من إعاقة ذهنية خاصة. عندما بلغتا العامين والنصف أصبحتا لا تكفان عن البكاء، تضربان رأسهما مع الحائط« . تبكي الأم بحرقة، قبل أن تتابع الا أنام الليل كله وأنا أبكي بجانبهما، تبكيان بطريقة غريبة وتضحكان أيضا بطريقة غريبة، الجيران بدورهم يبكون معي ، انقطعت عن العمل لأن لا أحد يستطيع رعايتهما غيري، فعجز راتب زوجي عن تسديد أقساط البيت حتى تراكمت، فاضطررنا إلى التخلي عنه وتسديد ما بذمتنا للبنك وخرجنا للكراء، نواجه كل هذا براتب واحد. انقطعتُ عن زيارة الأهل والصديقات والسفر وحضور الحفلات، حتى أنه لم يعد يزورني إلا القليل. مؤخرا أعطاني الطبيب ، الذي يتابع حالة شروق وسلمى، دواء حديثا ب 700 درهم للعلبة الواحدة ، هدأ من حالهما وأصبحتا تخلدان شيئا ما للنوم ليلا.لأخطف بعض لحظات الراحة بعد سنوات طويلة من السهر«. شروق وسلمى بالرغم من كونهما تمشيان وتحركان يديهما بشكل طبيعي، فإنهما لا تقويان على تناول أي شيء، حتى الأكل، كما لا تقويان على المضغ، مازالتا تأكلان كالرضيع تضطر أمهما إلى تغذيتهما بيديها بكل ما هو سائل، علما بأنهما مازالتا تستعملان الحفاظات، ولا تكفان عن عض جسدهما بقوة شديدة جدا. طرقت الأم عائشة كل المراكز المعنية بالإعاقة في البيضاء، وكانت تطالبها بمبالغ تتراوح بين 2000 و3000 درهم شهريا لكل طفلة. وقد عايننا رسالة بعثها الطبيب المعالج لأحد المراكز الذي تواضع وخفض لهما المبلغ من 3000 إلى 2000 درهم لكل طفلة! ترى هل تستطيع أسرة يعيلها راتب أب اضطر للتخلي عن امتلاك بيت أحلامه و يؤدي ثمن الكراء وإعالة 4 طفلات، اثنتان تعانيان الإعاقة، أداء 4000 درهم شهريا لمركز رعاية المعاقين؟ أين هو خطاب رعاية المعاق في المغرب الذي أتعب مسامعنا والبرامج الوزارية والمخططات المدونة في رفوف الوزارة الخاصة بالمعاقين التي لا تخرج عن صمتها إلا عندما تقف أمام الكاميرات لتلتقط لها الصور وهي توزع كراسي ومعدات تبرعت بها الجمعيات الغربية التي تساند الإعاقة في دول العالم الثالث؟ وضع لا يمكننا معه إلا أن نشهر أسئلتنا من جديد، وفي كل مناسبة ،عن جدوى إحداث وزارة للمعاقين تحضر البرامج والدراسات ولا تنفذها على أرض الواقع، أين وقف برنامج الولوجيات الذي كلف ميزانية ضخمة لإعداده، أين مراكز استقبال المعاقين ، أين برامج تكوين المؤطرين، وأين يمكن لأم شروق وسلمى أن تحمل طفلتيها لتلقي العلاج، والعلاج النفسي وتلقي تقنيات الكلام والخطاب والتعامل والتعايش مع الإعاقة والتعلم أيضا، أين يمكن لسلمى وشروق أن تمارسا شغبهما الطفولي كباقي الأطفال، خارج جدران البيت الذي لا تبرحانه، هل من مساعدة كي تتعلم سلمى وشروق الاعتماد على نفسيهما لمواجهة الغد ، خاصة وهما تسمعان وتفهمان جيدا وتتحركان بشكل سوي قد يحدث أن تتحسن حالهما لكن ينقصهما أمر أساسي، بلد يحترم المواطن إنسانا، سويا و معاقا، وحكومة لا تعتبر المواطن رقما لضبط المعادلة، ولكن مواطن له واجبات وحقوق .