»في جميع برلمانات العالم تقريبا، لم تكن للنساء أدوار أساسية الى جانب الرجال. كان يجب ان يلعبن الدور كاملا كممثلات الشعب. لماذا طال الصمت، الاستعفاء والتنازل، الإذعان في العالم بأسره هذا التصدع في الحياة السياسية، وكيف؟ بأي تواطؤ، بأية آلية للقوانين والعقليات، أصبح المجال السياسي اليوم الأقل تأنيثا من بين جميع المجالات، بما في ذلك داخل البلدان الاكثر ديمقراطية؟ يجب ان تعرف أسباب هذا الأبارتيد الجنسي خلال خمس عشر، عشرين سنة، ستنجح ديمقراطية المناصفة حيث فشلت ديمقراطية المساواة«. هذا بعض مما جاء في مقدمة كتاب )1( عن المناصفة في المجال السياسي، كتاب جمع بين دفتيه مداخلات ندوة في الموضوع تم تنظيمها في مقر اليونيسكو في باريس. من الكتاب نقدم بعض الخلاصات. نجاح النساء لنجاح الديمقراطية ليست ديمقراطية، حيث نصف البشرية محكوم من طرف الآخر، غير صورة مشوهة للديمقراطية، غير دولة قانون حيث البديل هو الإذعان أو اللامبالاة. وفي كل الاحوال يتعلق الامر بالخضوع. الديمقراطية يجب ان تكون شيئا آخر، يصنعها مستقبل يقرر بشأنه الرجال والنساء، بمساهمة الهويتين. باختصار، يجب ان تعطي هذه الديمقراطية ميلاد الديمقراطية المناصفة. كيف يمكن بناء هذه الديمقراطية داخل بلداننا؟ بما ان الصمت بخصوص حقوق المرأة مكن من وجود سلطة شبه ذكورية، هنا يتوجب وجود قوانين أخرى، أي تلك التي ستفرض على جميع مستويات اتخاذ القرار الثنائية المناصفتية. يفرض اللاتوازن بين الرجال والنساء في السياسة ان نشرع ونسن قوانين. لا يمكن أن يكون القانون اليوم في نفس الوقت هو الموفر لأخلاقية المساواة للنساء وهو المُقبر لمساواتهن السياسية. لقد اجتازت النساء مسارات ومسافات في مجالات أخرى، لكن لماذا سوف تشد السياسة عن هذه القاعدة وعن حركة التاريخ المتجدد؟ هل ننسى ان نجاح النساء يسير على نفس المستوى مع نجاح الديمقراطية؟ النساء غائبات عن دوائر السلطة، غائبات عن الاماكن، حيث يتخذ القرار المتعلق بحياة الامم، كما المتعلق بثمن السلم. مهما تكن التفسيرات التي نقدمها، مهما تكن الاستثناءات التي نسوقها، فإن هذا الغياب قاعدة شبه عامة. نعاينها داخل الأمم التي انخرطت والتزمت بطريق الديمقراطية كما في الامم ذات التقليد الديمقراطي الطويل، هناك أسباب متعددة: هناك التقاليد، العقليات، الانظمة الانتخابية ولكن أيضا قلة الرغبة لدى النساء في المشاركة في الحياة العمومية قلة الوقت والاستعداد لدى النساء بسبب الالتزامات الاسرية، المنزلية والمهنية. لعل الوقت جاء للسعي الى توازن جديد حيث سوف تلعب النساء نساء في السلطة، نساء داخل الجماعات نساء في الدولة دورا جديدا وفعليا. ولعل الوقت حان بالنسبة للرجال للتساؤل، للنظر للواقع من الواجهة وإبداء إرادة سياسية حقيقية. من ثم تبدو مساواة النساء والرجال في الحياة السياسية كحاجة مستعجلة، حيوية لمجموع المجتمع. ألم يحن الوقت أخيرا لاكتشاف ما قد يكون بإمكان النساء المساهمة به في الحياة العمومية في الحياة السياسية، في السلطة السياسية؟ في كثير من البلدان يشير ضعف مكانة النساء في الحياة السياسية اليوم الى المقاومة الشديدة للسياسة، القائمة بواسطة التاريخ والثقافة على انها حكر على الذكور. لذلك فإن ارتقاء النساء الى المواطنة السياسية يفترض تغييرا في الممارسات، غير ان هذه الممارسات لا يمكن ان تتغير بدون حضور النساء. كلما أقصت حكومة النساء من الدائرة العمومية، إلا ووجدن بطريقة أو بأخرى وسيلة لممارسة تأثيرهن وإسماع أصواتهن وآرائهن. لكن ما يجب التأكيد عليه هو انه ليس مفيدا للنساء ولا لطرف آخر ان تكون المرأة خارج الديمقراطية، ذلك ان الامر يمكن ان يولد عادات مضادة للديمقراطية. فالتاريخ السياسي للنساء لم يتضمن صيغة تمكن من تحسين الديمقراطية. ان الامر أساسا قضية عدل. فالديمقراطية مع النساء لا يجب ان تكون فقط تمثيل جنس، بل الاعتراف بالاختلاف. علينا إذن ان نتجنب ونحترس من ان نطلب من النساء التضحية بالمصالح التي هي من شأن كل واحدة منهن. ذلك ان ديمقراطية بلا تمييز ولا إقصاء جنسي يجب تحرر النساء داخل تنوعهن وتمكينهن من تقديم مطالبهن وفقا لمكانتهن الاجتماعية ولتقاربهن الثقافي والوطني. يتوجب على النساء، اليوم تقاسم الممكنات والمشاكل، فالنساء، حيثما كن متواجدات سياسيا، يحدثن تغييرات كبرى في الحياة العمومية، بفضل ما سأسميه سلطتهن الخلاقة والشحنة الحيوية التي يمددن بها النقاشات الديمقراطية. المرأة، نصف السماء ترى أستاذة لعلم النفس إيليانور ماكوبي، من جامعة استانفورد بالولاياتالمتحدة ان للمرأة ثلاث هويات لا هوية واحدة. هوية أولى ككائنات جنسية، تمتلكها جميع النساء. هوية ثانية كأمهات، في مجال الانساب والإنجاب، تكون المرأة مختلفة لأن جنسها هو الذي يعطي الحياة، يُرضع المواليد، من ثم تكون لهذا الامر استتباعات عميقة. الهوية الثالثة، وهي ان النساء عضوات في المجتمع، مواطنات وعاملات. فإذا كانت البيولوجيا تلعب دورا في هويتهن الجنسية واحتمالات في هويتهن المتعلقة بالأمومة، فإنها لا تلعب أي دور في هويتهن كعاملات وكمواطنات. من ثم فإن الطريقة التي يدمجن بواسطتها هذه الهويات، تتوقف كثيرا على طبيعة المجتمع الذي يعشن فيه. على هذا الاساس فإن النساء كذلك الى ان يتعلم الرجال كيف يقبلون بوجود النساء كأشخاص أحرار في ممارسة مهنة أو ممارسة السياسة. بإمكاننا التطرق الى خصوصية سلوك النساء في السياسة من ثلاث زوايا متباينة. الزاوية الاولى، الاخذ في الاعتبار المميزات الفردية للنساء، مميزات تتمظهر في مشاركتهن السياسية . الزاوية الثانية، البحث عن هذه الخصوصية في المميزات السوسيولوجية لسلوكهن السياسي. الزاوية الثالثة، القيام بتحليل مميزات النسق السياسي، تحليل سوف يكشف انه نسق جنسي موجه، أي ذكوري بخاصة وردعي للنساء. لقد تم إرجاع بعض الثوابت التي تمت معاينتها في السلوك السياسي للنساء الى هذه المميزات: المعدل المتدني بخصوص المشاركة في الانتخابات، قلة الانخراطات في الاحزاب وطريقة مختلفة في المساهمة داخلها. عارضت الباحثات في المسألة النسائية هذا التفسير الذي رأين انه تم إفساده بواسطة تحليل ذكوري مركزي للعلوم الاجتماعية، أفضى الى فرضية تتمثل في كون الرجل والمرأة يتقاسمان نفس الواقع السياسي، بمعنى ان المكونات الهيكلية والرمزية لهذا الواقع السياسي هي نفسها عند الرجل والمرأة. لقد نجمت عن ذلك ثلاثة اختلالات خصوصية اولا، دونية النساء التي يتم تبريرها بالتأكيد على انهن كن بعيدات عن ان تشبهن المواطن الديمقراطي المثالي، لأن مستوى اهتمامهن السياسي، معرفتهن بالمرشحين وتقييمهن للخيارات الايديولوجية، كانت أمورا فيها قصور، ثانيا، كان هناك ادعاء يذهب الى القول ان النساء كن يبحثن في السياسة وضعية المرأة داخل الاسرة عن بديل للأب و/ أو الزوج، وهو ما يدفعهن الى مساندة الزعماء الكريزماتيين والقبول بالحلول الاستبدادية. ثالثا، كان هناك توجه الى النظر الى السلوك السياسي للنساء وفقا لمعايير ذكورية، بحيث نصل الى اعتبار السلوك السياسي الرجالي على انه المعيار بينما سلوك المرأة بمثابة انعطاف. يتبع سيتوجب إذن تصحيح هذه الاختلالات الثلاثة كما يشدد على ذلك علماء السياسة المناصرين للمرأة إذا ما أردنا القيام بتحليل مقبول للسلوك الخصوصي للنساء في السياسة، وهو سلوك لا ينجم عن مميزاتهن الشخصية أو الفردية، بل عن النظام الاجتماعي الذي يحدد مشاركتهن السياسية وكذا الأوجه الاخرى للحياة الاجتماعية. فإذا ما استعرضنا بدل الاحالة الى السياسة التقليدية (المشاركة في المؤسسات العمومية وفي الاحزاب السياسية) حيث نلاحظ غياب النساء أشكالا أخرى من المشاركة السياسية، المباشرة أو غير المباشرة، فإن المشهد يتغير. حضور النساء يكبر داخل الحركات الاجتماعية، في التعبئة السياسية، في تجمعات المواطنين، وبصفة خاصة في أوقات النزاعات الاجتماعية والازمات السياسية. وإذن ثمة خصوصية في السلوك السياسي النسائي، إذا ما سايرنا وجهة نظر الوضعية التي يعطيها المجتمع للنساء. تفسَّر خصوصية المشاركة السياسية للنساء لا بواسطة المميزات الانطولوجية للأنوثة، بل بالتجربة الاجتماعية للنساء وبالطريقة التي هيكل بها النوع المنظومة السياسية. من الضروري إذن حل مسألة غياب النساء عن الحياة العمومية. لا يكفي ان تتغير النساء، بل يجب كذلك ان يتغير الرجال والمجتمع. ثمة أناس كثيرون مثل الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ قالوا باحترام عن المرأة: »إن المرأة هي التي تحمل نصف السماء فوق كتفيها«. منذ ذلك الوقت، أصبحت الموضة في الصين عندما يريد الرجل تدليل المرأة وملاطفتها هي أن ينادي الرجل زوجته أو صديقته يا »نصف السماء«. أن هذا النصف مهم جدا وعلينا المحافظة عليه. معيقات أمام النساء لماذا هناك سلوك خصوصي للنساء في السياسة مع ان القوانين تضمن للمرأة، في جميع المجالات، حقوقا متساوية مع حقوق الرجال في العديد من البلدان؟ واليوم إذا كان هناك الكثير مما تحقق على المستوى التشريعي، فإن ترجمة هذه الحقوق في المجال السياسي تبقى بعيدة عن ان تكون فعلية. مع ذلك، في الوقت الذي يعيش فيه العالم تحولا هائلا، حيث ينتصر مفهوم الديمقراطية شيئا فشيئا، فإنه من الضروري أكثر من أي وقت مضى تعبئة جميع قوى البلد واللجوء الى القوى الحية التي تمثلها النساء. ماهي الحواجز، ماهو السلوك الخصوصي اللذان يكبحان دخول النساء الى الحياة السياسية؟ هناك أول معيقات الحياة الاسرية. من الصعب على النساء النضال في حزب سياسي عندما يكون لهن أطفال وحضور اجتماعات تنعقد في السادسة، السابعة أو حتى الثامنة مساء، وهو الوقت الذي يكون مفروضا على المرأة فيه ان تعنى بأطفالها حمام، عشاء، نوم لهذا السبب تنطلق النساء متأخرات في السياسة، غالبا ما بعد الاربعين سنة بعد الانتهاء من تنشئة وتربية الاطفال. المعيق الثاني يتمثل في الاشغال المنزلية. المعيق الثالث هو موقف الزوج. هناك رجال يساعدون نساءهم على الانخراط السياسي بينما آخرون يقبلون على مضض هذا الانخراط في السياسة. هم يقبلون على مضض كذلك الاجتماعات المسائية او تلك التي تستغرق عطلة نهاية الاسبوع برمتها. المعيق الخامس يتعلق بنمط الاقتراع. المعيق السادس وهو ان الوسط السياسي، القاسي كثيرا مع النساء والمثبت لهمتهن. مع كل التسهيلات والمكتسبات التي حققتها النساء لماذا مايزال هناك نساء أقل في العالم السياسي؟ ما العمل لتصحيح هذا الاعتوار؟ تغيير نمط الاقتراع الاقتراع النسبي مثلا . إعادة النظر في مسألة الكوطا. الحد من تعدد الولايات (الانتخابية) عند الرجال. تشكيل مجموعات عمل داخل الحركات النسائية لاقتراح ودعم نساء لدى الهيئات الحزبية. على الاحزاب السياسية ان تفهم انه من مصلحتها ان تكون لديها نساء مرشحات على جميع المستويات. يمكن القول ان السياسة اليوم تبتعد عن الناخب وعن الناخبة. لذلك يجب ان تستعيد الهيئة الناخبة طعم العالم السياسي، وفي هذا المجال يمكن ان تلعب النساء دورا مهما. النساء ضعيفات على المستوى المدني والسياسي، في حين انهن قويات على مستوى الاسرة وعلى مستوى العمل. لذلك تجب مساعدتهن على الولوج الى عالم السياسة والاستمرار داخله. وللأسف انه لكي تحصل امرأة على ترشيح لانتخاب. يتوجب ان تحظى بالإجماع. هل الرجال يحصلون على الاجتماع للترشح لانتخاب؟ في بعض البلدان ثمة عدد من النساء لا يتقاسمن مع الآخرين فكرة كوطا للنساء. وعديدون هم الرجال الذين يعتقدون ان هذا الامر ليس هو الوسيلة الافضل لتشجيع المشاركة النسائية. ليست الكوطا غاية في حد ذاتها. إذ مع وجود الكوطا تريد النساء لا فقط تحقيق المساواة، بل كذلك سياسة جديدة، مع بنيات جديدة وضرورية داخل الحياة السياسية وداخل الاحزاب والبرلمانات في ذات الوقت. يجب تغيير القوانين الانتخابية والبنيات الانتخابية لكي تكون هناك فرص أمام النساء للوصول الى مواقع السلطة والقرار. فالقوانين الانتخابية يصنعها الرجال للرجال، بمنطق الرجال، في إقصاء للنساء دائما. عندما تنطلق النساء داخل الحلبة السياسية، غالبا ما تكون لديهن نية تغيير عميق لما هو قائم، لما يحدث، إذ ان لهن أولويات أخرى غير تلك التي لدى الرجال، لأنهن عشن حياة مختلفة بصفة عامة عما عاشه السياسيون الرجال. في بعض الحالات، عندما يكون هناك ما يكفي من النساء. من الممكن تغيير جدول العمل اليومي للسياسة الوطنية. لقد حان الوقت لكي تدخل التمثيلية السياسية للنساء حيز الواقع. بل ان مصطلح كوطا يجب ان يدخل في عداد ما هو متعلق بالماضي. الحديث اليوم يجب ان ينصب على حق الولوج الفعلي، الملموس للنساء للولايات المتحدة الانتخابية والسياسية. تحقيق ذلك لا يتم إذن إلا بتعاون الطرفين بشكل أو بآخر.