كشفت جولات الحوار الاجتماعي الأخيرة عن استمرار القصور في مقاربة الحكومة لتدبير الملف الاجتماعي في ظل سياق يتميز بالإجهاز على القدرة الشرائية للأجراء بفعل الزيادات المهولة في أسعار العديد من المواد الأساسية والخدماتية. وتتعدد أسباب هذا القصور، رغم إعلان الحكومة عن التزامها بإيلاء المسألة الاجتماعية الأهمية التي تستحقها، إذ عجزت عن تدبير القضايا والملفات المطلبية في حدها الأدنى، واهتمت بالتوازنات المالية على حساب الاستقرار الاجتماعي في ظل غياب رؤية تمكن من خلق طفرة نوعية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. نعم لقد سجلت الفيدرالية الديمقراطية للشغل الاستجابة لمطلبها بمأسسة الحوار الاجتماعي وفق جدولة مضبوطة متوافق حولها، لكن مجريات الحوار الاجتماعي كشفت بالملموس غياب رؤية واضحة لتدبير الملف الاجتماعي، حين تنصلت الحكومة من كل وعودها وأفرغت مفهوم المأسسة من محتواه واقتصرت واقعيا على جدولة أحادية، أقصت المطالب الأساسية للمركزيات النقابية التي تبنى الوزير الأول في أول جلسة إدراجها في جدول الأعمال. إن الأساسي الذي يجب الانتباه إليه هنا هو أن الاستراتيجية التفاوضية للحكومة تنبني على الاقتصار على ضرورة القبول بما جاءت به من اقتراحات مهما كانت درجة هزالتها دون اضافة، وبذلك أصبح الجسم النقابي بكل مشاربه لا دور له في رسم هذه الاستراتيجية غير دور التلقي والاستهلاك وأحيانا التبرير. إن هذه الوضعية جعلت الحوار الاجتماعي شكليا، ويعيش على إيقاع لاءات الحكومة في ردها على كل المطالب الاساسية للاجراء، وافتقادها للجرأة السياسية في ابتداع اقتراحات ملموسة تخرج الوضع الاجتماعي من نفقه المسدود. إن الحوار الاجتماعي يعتبر لحظة ديمقراطية تحتم على الحكومة الانصات بإمعان للفرقاء الاجتماعيين في اطار من الأخذ والعطاء للخروج، بعرض يلبي الحاجيات الضرورية للشغيلة، أخذا بعين الاعتبار المصالح العليا لبلدنا. لقد سقطت الحكومة في الجمود والرتابة عندما تمسكت بمقترحاتها الهزيلة وعجزت عن تقديم حلول تدشن قطيعة مع سياسات اقتصادية تكرس الفوارق ولا تعطي الجانب الاجتماعي الاهمية التي يستحقها، والنتيجة استمرار مظاهر الفقر وتدني الخدمات العمومية، واستمرار تدهور القدرة الشرائية للاجراء جراء الزيادات في أثمان المواد الاستهلاكية والخدماتية مع بداية السنة الجارية ، رغم تراجع أسعار البترول والحبوب والبناتات الزيتية واعلاف الدواجن والمواشي في أسواق العالم. والمفارقة هو أن هذا الاحتقان الاجتماعي يأتي في فترة تتميز بإنجاز العديد من الأوراش الاقتصادية الكبرى، وتحسن ملموس لوضعية المالية العمومية وتحقيق نسبة نمو 6% خلال نهاية سنة 2008 وتراجع في مستوى التضخم، وغياب ارتفاعات في تكاليف العديد من المنتوجات والخدمات. فهل من المنطق ان يبقى الصف النقابي صامتا أمام التوزيع غير العادل لثمرات النمو، وأمام عدم توظيف هوامش الميزانية لتلبية المطالب الاجتماعية الملحة؟ لقد تحملت الفيدرالية الديمقراطية للشغل مسؤوليايتها كاملة يوم 17 يناير الاخير بالبيضاء واتخذ مجلسها الوطني الاستثنائي قرارين أساسيين: تأكيد التشبث بالتنسيق النقابي واعتباره خيارا استراتيجيا لا محيد لخدمة الشغيلة المغربية. خوض اضراب وطني انذاري يوم الجمعة 23 يناير 2009 بقطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاداري، بتنسيق مع الاتحاد النقابي للموظفين (الاتحاد المغربي للشغل) والمنظمة الديمقراطية للشغل. إن الملف الاجتماعي مشروع مجتمعي وليس مشروع حكومة لوحدها، ولذلك فإن إضراب الجمعة المقبل تقرر لإثارة انتباه الحكومة إلى خطورة نهجها الأحادي، ودفعها لإعادة النظر في أسلوب الحوار الاجتماعي ليكون حقيقيا وقريبا من نبض المجتمع وليس بعيدا عنه. عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل