حضور الحدث المأساوي الناتج عن الهجمة الصهيونية الوحشية على الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، في الإعلام السمعي البصري المغربي لم يجد له فسحة زمن في الفترات الإخبارية اليومية الاعتيادية بالقناتين «الأولى» والثانية فقط، وإنما كان له نصيب من برمجة خاصة فرضت نفسها على الزملاء الصحافيين بالقناتين، حتى لا تشكل القناتان، معا، حالة شاذة في خريطة الوطن العربي، بل والدولي على هذا الصعيد. حتى، وإن تباينت في مضامينها ردود الأفعال، التي حكمت بعضها، بالوضوح لا بالمرموز، عناصر ذات بعد سياسي، اقتصادي .. مصالحي قبل الإنساني.. كان للقناة الثانية مساء يوم الأربعاء الماضي برمجة خاصة على هذا المستوى، من خلال البرنامج الحواري النصف الشهري «مباشرة معكم» الذي يعده ويقدمه الزميل جامع كلحسن، الذي ارتأى في حلقته الماضية أن لا يخرج عن السياق، أي عن الحدث الكبير الذي يأخذ بلباب المغاربة أجمعين، وذلك بعد نار الأسعار، التي يكتوون بلظاها هذه الأيام .. كان «من يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة؟» العنوان الذي اختاره كلحسن، لكن بعد تسعة عشر يوما من العدوان الوحشي الرهيب، لكي يناقشه!!. يناقشه ويحلل معطيات «نتائجه» مع كل من راجي الصوارني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بغزة، واصف منصور الكاتب الصحافي (الفلسطيني المغربي) والوزير المفوض السابق بسفارة فلسطين بالمغرب، الكاتب والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، وعضو الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني أنيس بلافريج، ثم الفاعل الجمعوي سيدون أسيدون. بفضل هذا الحضور النوعي الوازن، كانت مناقشة «مباشرة معكم» وجلسته الحوارية في مستوى الحدث بالفعل، من منطلق المحاور التي تمت مقاربتها مع عناصر من نخبة حقوقية، جمعوية، إعلامية مغربية وعربية، ومن منطلق ما كشف عنه من معطيات سياسية واقتصادية وإعلامية، حول هذه الهجمة الصهيونية الجديدة. أول ما تداوله الضيوف هو السياق العام الذي جاء فيه العدوان، وقد أجمع حوله المتدخلون أن المستهدف منه هو القضية الفلسطينية برمتها وليس فصيلا من فصائلها. بدليل المعاناة والميز العنصري الذي يعيش فيه الفلسطيني في الضفة كما في القطاع. وبالتالي، فإن إسرائيل ليست مرهونة بظرفية معينة لكي ترتكب فعلتها اللاإنسانية الشنعاء المستغلة لعامل الانتخابات الاسرائيلية وانتهاء ولاية بوش ومجئ أوباما وانتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس .. لقد استخلص الجميع من مناقشة هذا المحور أن هناك أمرا واقعا جديدا تحاول إسرائيل أن تفرضه، وهو أمر لا يمكن مجابهته إلا بالتحام الفصائل الفلسطينية بجميع مكوناتها على موقف واحد. ليتم الانتقال بعدها إلى المحور الثاني الذي تساءل عن ماذا يمكن فعله الآن!!. وكان الرد حوله بإلزامية التحرك العربي لحقن الدماء الفلسطينية المهدورة ظلما وعدوانا من قبل الوحش الصهيوني، باعتبارهم يشكلون قوة هائلة ينبغي توظيفها لإيقاف النزيف.. منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ومنها ما يتعلق بالمقاومة: «العمل المسلح يزرع والعمل السياسي يحصد» (كما قال واصف منصور). ومنها ما يتعلق بالجانب السياسي الديبلوماسي، باعتبار أن هناك موقفا لرأي عام آخر مغاير حول القضية أخذ يتبلور خصوصا على المستوى الأوروبي ينبغي توظيفه لمصلحة القضية الفلسطينية بدليل المواقف التي أبان عنها مؤخرا الشارع الأوروبي، كما أشار إلى ذلك الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي من خلال المواكبة الإعلامية للهجمة الوحشية . هاته الأخيرة ( المواكبة الإعلامية) التي حمل فيها الصهاينة شعار «سكوت،، إننا نقتل في غزة»، شكلت آخر محور في جلسة «مباشرة معكم»، وقد التقت فيه الأراء حول ضرورة عدم الاكتفاء بنقل الصورة الدامية للفلسطيني كما هو الحال، التي قد تدخله في دورة مرئية روتينة لا تجد من يتفاعل معها، بل يجب تحريك العواطف من أجل فعل شيئ، أو كما قال راجي الصوراني «ساعة من المشاهدة وساعة من التفكير»..